قسم الفقه الطّبيمسائل متنوعة

تحديد جنس الجنين

المسألة رقم 51

العناوين المرادفة

اختيار جنس المولود.

صورة المسألة

مع التقدم المذهل في شتى العلومبرزت في هذا العصر مسألة: اختيار جنس الجنين.
وتوصيفها بشكل مختصر أن علماءالطب قد توصلوا إلى سبب الإذكار و الإيناث في جنين الإنسان، وتوصيفه أن بويضةالمرأة تحمل صبغة (x) وماء الرجل يحمل صبغتين (x) و (y) فإذا لقحت بويضة المرأةبحيوان منوي(x) خلق المولود أنثى. و إذا لقحت بحيوان منوي (y) خلق المولودذكرا، ولما توصلوا إلى هذا السبب وعرفوه انتقلوا إلى مرحلة ثانية، وهي دعوىقدرتهم على اختيار جنس الجنين، وذلك عن طريق التخصيب الداخلي أو الخارجي بإحدىصبغتي الرجل (x)و(y)، فمن يرغب في ذكر يخصب له بالصبغة (y)، ومن يرغب في أنثى يخصبله بالصبغة (x)، وقالوا إن نسبة نجاح التخصيب والعلوق (25%) فإذا تم التخصيب والعلوق كانت نسبة النجاح (99%).
طرق تحديد النسل:
تقسم طرق تحديد النسل إلى طريقتين: طبيعية، ومخبرية.
النوع الأول: الطرق الطبيعية، وتشمل:
1ـ استعمال أنواع معينة من الأغذية.
2ـ استعمال الغسل المهبلي قبل الجماع.
3ـ توقيت الجماع حسب وقت التبويض.
4ـ تحديد وقت التلقيح الصناعي الداخلي لمني الزوج الشرعي.
النوع الثاني: الطرق المخبرية:
واعتمدوا في ذلك على عدة طرق منها:
1ـ استخدام سائل قاعدي أو حامضي توضع به الحيوانات المنوية، فنجد أن الحيوانات التي تحمل شارة مذكرة تميل إلى المحلول القاعدي، والتي تحمل شارة الأنوثة إلى المحلول الحامضي، وبهذا يمكن فصل الحيوانات المنوية المذكرة عن المؤنثة ثم تلقح به البويضات.
2ـ إضافة هرمون الاستراديول (هرمون الأنوثة) إلى الحيوانات المنوية فتزداد حركة الحيوانات المذكرة ازديادا كبيرا بالمقارنة مع المؤنثة.
3ـ استعمال مادة الألبيومين البقري، حيث تستعمل هذه الطريقة لفصل الحيوانات الذكرية والتي تزداد حركتها ونشاطها في هذه المادة فتتميز عن الأنثوية.
4ـ الفصل بواسطة الترسيب والطرد المركز على أساس الاختلافات الفيزيائية للحيوانات المنوية.
5ـ استعمال قوة الطرد الكهربائية، حيث يتجه الحيوان المنوي المذكر إلى القطب الموجب، والمؤنث إلى القطب السالب.
6ـ استعمال قوة الطرد المغناطيسية.

حكم المسألة

أولاً: اتفق الفقهاء المعاصرون على أنه لا يجوز التحكم في جنس الجنين على مستوى الدول والأمم والمجتمعات.

ثانيًا: اتفقوا على أنه يجوز التحكم في جنس الجنين على نطاق فردي إذا كان هناك ضرورة طبية، كمرض متعلق بجنس الجنين.

ثالثًا: اختلفوا فيما وراء ذلك من التحكم في جنس الجنين لغير ضرورة طبية على نطاق فردي، ولهم في ذلك اتجاهان بوجه عام:

الاتجاه الأول: عدم جواز تحديد جنس الجنين لغير ضرورة ولو كان على نطاق فردي لما يأتي:

أولاً: أن إجراءات التحكم في جنس الجنين تدخل على حكمة الله، فإن الله عز وجل يبتلي الإنسان بالبنين والبنات، ومثل هذا التدخل عبث في نظام خلق الله تعالى.

ثانيًا: لو فتح الباب للناس لتدخلت الأهواء، وبعد مدة سنجد أن معظم المجتمعات مكونة من الذكور؛لأن الناس يرغبون فيهمدون البنات، مما يخل بالتوازن الذي يريده الله في المجتمع البشري.

ثالثًا: ما يترتب على هذه العمليات من عبث بالحيوانات المنوية والبويضات، مما يؤدي إلى اختلاط الأنساب.

رابعًا: أنه إذا صحت النية بأن هذا سبب من الأسباب، فالسبب الذي يعملهالزوج و الزوجة من إيقاع الجماع يكفي عنه، ويقي من الوقوع في محاذير كثيرة، منها كشفالعورات المغلظة,و تحميل الزوجين خسائر مالية كبيرة دون فائدة,و أعظم المحاذير وأشدها خطرًا كونه وسيلة للشرك بالله، حيث يعتقد الزوجان أن للطبيب الذي باشر العملية شيئًا منالقدرة، و هذا مشاهد ملموس في عصرنا هذا في الدعايات التي تصنعها المستشفيات ومراكز تقنية أطفال الأنابيب، حيث يصور الطبيب وهو يحمل مولودًا، كأنه هو الذي قامبخلقه؛ليهديه إلى كل عقيم، ومعلوم لدى العقلاء أثر ذلك في نفوس العامة.

خامسًا: أن كشف العورة المغلظة لا يجوز إلا للضرورة و الحاجة، وليس الحصول على جنس الذكور أوالإناث ضرورة أو حاجة، بل الإنسان مخاطب بالرضا بما قسم الله له، وحَمْدِ الله علىكل حال,ومن رزقه الله بالذكور أو الإناث فلينظر إلى من دونه، وهو من لم يرزقبواحد منهما، وهو(العقيم)، ولينظر إلى من رزق بطفل مشوه أو معاق، وليحمد الله علىما رزقه،وليرض بما اختاره له (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) سورة الملك الآية:14.

 

الاتجاه الثاني: جواز تحديد جنس الجنين على نطاق فردي ولو كان لغير ضرورة بشروط وضوابط تحد من اللجوء إلى هذه العملية وتحصرها في نطاق ضيق.وهذا القول ذهب إليه جمع من المعاصرين، وبه صدرت فتوى لجنة الإفتاء بوزارة الأوقاف في الكويت 94ع/98/في 3/3/1419.

واستدلوا لذلك بأدلة منها:

أولاً: أن الدعاء بطلب الولد جائز شرعا، كما ورد في كتاب الله عن بعض الرسل، قال تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) [آل عمران: 38] (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) [الصافات: 100] (فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ۖ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا ) [مريم: 5، 6]وما جاز طلبه جاز فعله، ومن شروط الدعاء ألا يسأل الداعي شيئا محرما، والأنبياء لا يسألون شيئا محرما.

ثانيًا: أن في هذه العملية تيسيرًا على الناس في أمر مكننا الله منه بفضله وعلمه.

ثالثًا: لا تحريم إلا بنص، وليس في هذه المسألة نص يحرمها، والأصل في الأشياء الإباحة، ومسألتنا من هذا الباب، حيث أنها لا تفضي إلى حرام ولا توصل إليه.

رابعًا: إنما يحصل الخوف من اختلال نسبة الذكور إلى الإناث إذا كان هناك سياسة عامة، أما في الحالات الفردية فلا يخشى من ذلك، حيث إن التكاليف عالية، وليست في متناول الجميع.

 

قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بشأن موضوع اختيار جنس الجنين:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على منلا نبي بعده؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة فيالفترة من 22-27/شوال/1428هـ التي يوافقها 3-8/نوفمبر/2007م قد نظر في موضوع:(اختيار جنس الجنين)، وبعد الاستماع للبحوث المقدمة، وعرض أهل الاختصاص، والمناقشات المستفيضة، فإن المجمع يؤكد على أن الأصلَ في المسلم التسليمُ بقضاءِ الله وقدره، والرضى بما يرزقه الله من ولد، ذكرًا كان أو أنثى، ويحمد الله تعالى على ذلك، فالخيرة فيما يختاره الباري جل وعلا، ولقد جاء في القرآن الكريم ذمُفعلِ أهلِ الجاهلية من عدم التسليم والرضى بالمولود إذا كان أنثى قال تعالى:(وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) النحل (58-59)، ولا بأس أن يرغبالمرء في الولد ذكرًا كان أو أنثى، بدليل أن القرآنَ الكريم أشار إلى دعاء بعضالأنبياء بأن يرزقهم الولد الذكر، وعلى ضوء ذلك قرر المجمع ما يلي:

أولاً:يجوز اختيارُ جنس الجنين بالطرق الطبيعية، كالنظام الغذائي، والغسول الكيميائي،وتوقيت الجماع بتحري وقت الإباضة؛ لكونها أسبابًا مباحة لا محذور فيها.

ثانيًا: لا يجوز أي تدخل طبي لاختيار جنس الجنين، إلا في حال الضرورةالعلاجية في الأمراض الوراثية، التي تصيب الذكورَ دون الإناث، أو بالعكس، فيجوزحينئذٍ التدخل، بالضوابط الشرعية المقررة، على أن يكون ذلك بقرار من لجنة طبيةمختصة، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة من الأطباء العدول، تقدم تقريرًا طبيًابالإجماع يؤكد أن حالة المريضة تستدعي أن يكون هناك تدخل طبي حتى لا يصاب الجنينبالمرض الوراثي، ومن ثم يُعرض هذا التقريرُ على جهةِ الإفتاء المختصة لإصدار ما تراهفي ذلك.

ثالثًا: ضرورة إيجاد جهات للرقابة المباشرة والدقيقة على المستشفياتِ والمراكزِ الطبية؛ التي تمارس مثلَ هذه العملياتِ في الدول الإسلامية،لتمنع أي مخالفة لمضمون هذا القرار.

وعلى الجهات المختصة في الدول الإسلاميةإصدارُ الأنظمةِ والتعليمات في ذلك.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. انتهى

 

المراجع

1ـ اختيار جنس الجنين، د. عبدالله الغطيمل، ورقة عمل قدمت لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة بمكة المكرمة.
2ـ الأحكام المتصلة بالعقم والإنجاب ومنع الحمل في الفقه الإسلامي، د. سارة شافي الهاجري، ط. دار البشائر الإسلامية.
3ـ اختيار جنس الجنين، د. محمد علي البار، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة عشرة، عام 1427هـ.
4.حكم اختيار جنس الجنين في الشريعة الإسلامية، د. ناصر الميمان، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة عشرة، عام 1427.
5ـ اختيار جنس الجنين بسبب المرض الوراثي، د. مازن هنية، أ. منال رمضان، بحث منشور في مجلة الجامعة الإسلامية (سلسلة الدراسات الإسلامية) ج17 ن العدد الأول، يناير 2009م.
6ـ تحديد جنس الجنين، د. نجم عبد الواحد.
7ـ تحديد جنس الجنين، د. عبدالله باسلامة.
8ـ رؤية شرعية في تحديد جنس الجنين، د. خالد بن عبدالله المصلح.
9ـ تحديد جنس الجنين، د. محمد بن يحيي النجيمي، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة عشرة، عام 1427.
10-اختيار جنس الجنين، د. عبدالرشيد قاسم، مكتبة الأسدي، مكة المكرمة، ط2، 1424.
11ـ مجلة مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي، الدورة 19.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى