تعد جراحة تجميل ثدي المرأة من أشهر عمليات الصدر التجميلية، وهي أكثر من عملياتتجميل صدر الرجل؛ ذلك أن الثدي البارز من علامات الجسم التي تميز المرأة عن الرجل.
وتتعدد العمليات التجميلية لثدي المرأة ما بين تكبير، وتصغير، وشد، على النحو الآتي:
1. تكبير الثدي:
تهدف عملية تكبير الثدي لزيادة حجم الثدي الصغير وجعله أكثر امتلاء، حيث يصبح الثدي الذي تم زرع أنسجة داخله أكثر استدارة، وأقل ترهلًا، ورغم أن الثدي لا يبدو طبيعيًا تمامًا إلا أن هذه الجراحة تحظى بإقبال من النساء؛ لما يترتب عليها من نتائج جيدة في مظهر الصدر لذا تعد هذه الجراحة من أكثر عمليات التجميل لدى النساء خاصة في العالم العربي.
وتجرى هذه الجراحة في حالة صغر الثديين أو أحدهما بسبب تفاوت حجمهما أو ضمور أحدهما.
وتجرى هذه العملية بإحداث شق صغير في مكان خفي إما حول الحلمة أو أسفل الثدي، أو تحت الإبط ثم يرفع نسيج الثدي لإحداث جيب بين الصدر والثدي، ثم توضع الحشوة الصناعية، حيث يتم غرسها تحت الثدي أمام عضلة الصدر أو خلفها، وتتم هذه الجراحة بالاستعانة بالمنظار الجراحي.
2.تصغير الثدي:
تجرى عملية تصغير الثدي في حالة كبر حجم الثدي عن الحد المعتاد، ويتعلق حجم الثدي عند الإناث بعوامل وراثية وهرمونية، فإذا تجاوز حجمه حدًا معينًا، فإنه يصبح كبيرًا أو ثقيلًا لدرجة إجهاد العنق، والعمود الفقري والكتفين، فينشأ عن ذلك صداع وآلام فيالكتفين وتقوس في العمود الفقري، وضيق في التنفس، ويضاف إلى ذلك أن الحجم الكبير للثدي يشكل طية للجلد خلف الثدي، مما يتسبب في زيادة التعرق وتهيج الجلد، كما أن الثدي الكبير يصيب الفتيات في مقتبل العمر بالحرج الاجتماعي والقلق النفسي، خاصة وأن ذلك يحدث أحيانًا قبل المرور بمرحلة الحمل والولادة والإرضاع، وتضخم الثدي يؤثر على الناحية الجمالية للمرأة ويمنعها أحيانًا من ارتداء بعض الملابس بسبب بروز الثديين وثقلهما، ونظرًا لذلك كله اتجه التفكير إلى تصغير حجم الثدي بالجراحة، إذ يعد ذلك الحل المثالي في مثل هذه الحالات لتخليص المرأة من الضرر الجسدي والنفسي الناشئ عن تضخم الثدي.
3.رفع الثدي أو شده:
الأصل أن يكون الثدي معلقًا بالصدر بواسطة الغلاف الجلدي إلا أنه قد يتهدل بسبب التغيرات التي تحدث له نتيجة لتكرار الحمل و الرضاعة، أو نتيجة نقصان الوزن الشديد الذي يقلل من حجم الثدي بينما يبقى الجلد على طوله السابق قبل تقليل الوزن، مما يتسبب في تهدل الثدي، وهو نزوله باتجاه الأسفل لتأثير الجاذبية الأرضية، فيبدو كما لو كان فارغًا من محتواه، ولعلاج هذا التهدل تجرى عملية رفع أو شد الصدر دون الحاجة إلى حمالات الصدر التقليدية، وهناك تقنيات متعددة لإجراء هذه الجراحة، ويعتمد اختبار تقنية العملية على درجة تهدل الثديين حيث يتم التخلص من الجلد الزائد حول حلمة الثدي، كما قد يزال الجلد من أسفل الثدي لشده حول غدة الصدر لتتناسب مع الشكل الجديد للثدي، وقد يستعمل البالون الصدري إذا كانت غدة الثدي صغيرة لإعطائها الحجم المناسب، كما يتم إعادة الحلمة المتمددة بسبب الحمل المتكرر إلى حجمها المناسب، أي أن الجراح يقوم بشد الثدي لتصغيره أو تكبيره حسب درجة الترهل.
أولاً:الحكم الفقهي لجراحة تكبير الثدي:
لجراحة تكبير الثدي حالتان:
الحالة الأولى: أن تجرى هذه الجراحة بسبب كون الثدي صغيرًا جدًا بصورة غير معهودة بحيث يشبه ثدي الرجل، أو كانت الجراحة ترميمية بسبب إصابة الثدي بحادث أو ورم سرطاني، أو كان أحد الثديين أصغر من الآخر بصورة ظاهرة مشوهة.
والحكم الفقهي في هذه الحالة هو الجواز للأدلة الآتية:
- أن الثدي الصغير قد يوحي بعدم نضج المرأة ونقصها الجنسي، وهذا يصيب المرأة بالحرج والقلق النفسي، وقد تعمد المرأة إلى تكبيره بوسائل أخرى ثبت ضررها، وفي إجراء هذه الجراحة علاج لهذا التشوه، وإزالة للعيب الذي تسبب في القلق والضرر النفسي، والضرر يزال.
- أن صغر الثدي قد يتسبب في النفرة بين الزوجين؛ لأن الثدي من أبرز علامات الأنوثة التي تميز الأنثى وتضفي عليها الجمال والجاذبية، فإذا فقدت هذه العلامة كان ذلك سببًا في نفرة الزوج منها، وقد يكون سببًا في البرود الجنسي كما يؤكد ذلك بعض الأطباء من واقع ما يطلعون عليه من حالات قد تنتهي إلى الطلاق، ومن مقاصد الزواج: تحقيق المودة والرحمة، ودوام الألفة والرابطة الزوجية، وأن يسكن الزوج إلى زوجته ويسر بمنظرها؛لئلا يلتفت إلى غيرها، وفي جراحة تكبير الثدي تحقيق المقاصد التي قد يفوت بعضها بسبب صغر ثدي الزوجة.
- أن جراحة تكبير الثدي في هذه الحالة من قبيل علاج التشوهات وإزالة العيوب، وليس في ذلك تغيير لخلق الله تعالى لمجرد طلب الحسن، بل فيه رد الخلقة غير المعهودة بسبب مرض أو حادث أو خلل هرموني إلى ما هو معهود من خلقة النساء، وهذا العلاج يبيح ما قد يترتب على هذا الإجراء من محظورات كاطلاع الرجال الأجانب على صدر المرأة إذا لم يمكن إجراء الجراحة عن طريق طبيبة،غير أن جواز إجراء هذه الجراحة في هذه الحالة مشروط بألا يكون فيه ضرر محقق على المرأة لأن من القواعد المقررة: “أن الضرر لا يزال بالضرر” فينبغي الموازنة بين مفاسد إجراء هذهالجراحة، ومفاسد عدم إجراءها خاصة من الناحية الطبية، ثم ارتكاب أخف المفسدتين ودرء أعظمهما ضررًا.
الحالة الثانية: أن يكون الثدي معتادا في حجمه أو قريبًا من الحجم المعتاد بحيث لا يتسبب للمرأة في الحرج والقلق النفسي، إلا أن المرأة ترغب في تكبيره للوصول إلى درجة مقاييس الجمال أو تقليدًا لمظهر امرأة معينة والحكم في هذه الحالة هو التحريم للأدلة الآتية:
1 ـ أن إجراء هذه الجراحة إنما هو لمجرد الحصول على زيادة الحسن، فيكون من تغيير خلق الله المحرم، إذ ليس فيه علاج لتشوه أو إزالة لعيب، وليس فيه إلا الرغبة في مزيد الحسن بالجراحة؛ لأن الثدي في هذه الحالة يُعد خلقة معهودة، وقد تقدم أنه يحرم إحداث تغيير دائم في خلقة معهودة.
2 ـ أن إجراء عملية التجميل في هذه الحالة تنطوي على محاذير شرعية ومخاطر وآلام، وليس من داع لها إلا الرغبة في التحسين والتزين، وذلك ممنوع شرعًا لعموم قوله ﷺ : “لعن الله الواشمات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله” أخرجه البخاري (ح 4886)، ومسلم (ح 2125) ومن أهم هذه المحاذير:
أ ـ الاعتداء على جسم المعصوم بالجرح وانتهاك حرمته، والأصل تحريم ذلك إلا لحاجة من تطبيب ونحو ذلك.
ب ـ الضرر الطبي الحاصل من هذه الجراحة، وذلك كالتهاب الجرح والتجمعات الدموية والسوائل، واحتمال ظهور تليف حول الحشوة.
3 ـ اطلاع الرجال الأجانب على صدر المرأة لغير ضرورة أو حاجة معتبرة، وصدر المرأة عورة لا يجوز الاطلاع عليه لمجرد حصولها على مزيد حسن.
4 ـ الإسراف حيث إن هذه الجراحة تجرى في الغالب في مقابل مبالغ مالية مرتفعة؛ لما تتطلبه من أجهزة وترتيبات كثيرة.
ثانيًا: الحكم الفقهي لجراحة تصغير الثدي:
عرفنا سابقًا أن أغراض هذه الجراحة متعددة، ولها بهذا الاعتبار ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن تجرى عملية التصغير بسبب تضخم الثدي لدرجة إجهاد العنق والعمود الفقري، وضيق التنفس وزيادة التعرض وتهيج الجلد والحكم في هذه الحالة الجواز للأدلة الآتية:
1 ـ أن الجراحة في هذه الحالة علاج لهذه الآثار أو بعضها، فهي ضرب من ضروب التداوي الذي ثبتت مشروعيته.
2 ـ أن كبر الثدي وتضخمه في هذه الحالة يشتمل على ضرر حسي ومعنوي، وهذا موجب للترخيص بفعل الجراحة لمسيس الحاجة إليها فيجوز فعلها؛لأن القاعدة المقررة شرعا أن: “الحاجة تنزل منزل الضرورة”، وكذلك فإن من القواعد المقررة أن “الضرر يزال”.
3 ـ أن هذه الجراحة وإن كان ظاهرها تغيير خلق الله تعالى، إلا أنها ليست من التغيير المحرم لما يلي:
أ ـ أن هذه الجراحة وجد فيها الحاجة الموجبة للتغيير، فهي مستثناة من نصوص التحريم؛لأنها لا تجرى للحسن بل للعلاج؛ بسبب ما ينشأ عن تضخم الثدي من أضرار صحية، فهي كالتفليج والوشم ونحوهما إذا اجريا لعلاج العيب.
ب ـ أنه لا يقصد من هذه الجراحة تغيير الخلقة ابتداءً، وإنما المقصود إزالة العيب وعلاج الضرر، والتجميل والتحسين جاء تبعًا.
ج ـ القياس على سائر الجراحات التي تجرى لإزالة التشوهات، والعيوب الطارئة، إذ المقصود منها إعادة العضو إلى خلقته المعهودة لا تغييرها وإزالتها وقد أفتى الشيخ عبدالعزيز بن باز بجواز مثل هذه الجراحة.
فقد سئل رحمه الله تعالى عن شد وتصغير الصدر الكبير للمرأة الذي من شأنه أن يشكل خطرًا على العمود الفقري بسبب الثقل غير المتوازن من الأمام، فأجاب فضيلته: “لا حرج في علاج الأدواء المذكورة بالأدوية الشرعية أو الأدوية المباحة من الطبيب المختص الذي يغلب على ظنه نجاح العملية لعموم الأدلة الشرعية الدالة على جواز علاج الأمراض والأدواء بالأدوية الشرعية أو الأدوية المباحة”.
الحالة الثانية: أن يتضخم الصدر بصورة غير معهودة، بحيث يكون مظهر الصدر مشوهًا في عرف أوساط الناس مما يصيب صاحبته بالضرر النفسي والقلق والانطواء، كما لو تضخم ثدي المرأة الصغيرة بسبب خلل هرموني بصورة غير معهودة في مثل هذا السن فتجرى جراحة تصغير الثدي لتخليص المرأة من هذا الحرج، وحكم هذه الحالة هو الجواز لما يلي:
1 ـ أن تضخم الثدي في هذه الحالة يصيب صاحبته بالضرر النفسي والقلق ويتسبب في عزلتها وعدم اختلاطها بالآخرين، كما يذكر الأطباء من واقع ما ورد عليهم من حالات وقد جاء الشرع بدفع الضرر ورفعه إذا وقع، وهذا يشمل الضرر المعنوي الذي قد يفوق في تأثيره الضرر الحسي في بعض الأحيان.
2 ـ إن إجراء الجراحة في هذه الحالة يعد من إزالة العيوب، والثدي المتضخم يعد عيبًا وتشوهًا وخلقة غير معهودة، فتقاس إزالته على إزالة سائر العيوب والتشوهات، ولا يعد ذلك من تغير خلق الله تعالى المنهي عنه.
الحالة الثالثة: أن يكون حجم الثدي مقبولًا، وليس فيه تضخم غير معهود فتلجأ المرأة للجراحة لتصغيره للوصول إلى مقاييس معينة من الجمال، أو للرغبة في الظهور بمظهر يوحي بصغر سنها.
وحكم هذه الحالة هو التحريم للأدلة الآتية:
1ـ أن الهدف من إجراء العملية مجرد الحصول على زيادة الحسن فيكون من تغيير خلق الله المحرم، إذ ليس فيه علاج لتشوه أو إزالة لعيب، وليس فيه إلا الرغبة في مزيد الحسن بالجراحة.
2 ـ أن هذه الجراحة قد تجريها المرأة الكبيرة لتوهم غيرها بصغرها، ذلك أن تضخم الثدي من مظاهر كبر السن في الغالب وفي ذلك تدليس محرم، وقد تغر المرأة بذلك الرجال، والتدليس من أسباب تحريم التجميل والتزيين.
3 ـ أنه يترتب على إجراء هذه الجراحة بعض المحاذير، كجرح جسم المعصوم، وانتهاك حرمته دون حاجة، والضرر الطبي الذي يكمن فيمضاعفات العملية، خاصة النزيف الذي قد يتطلب نقل الدم للمريضة، بالإضافة إلى التخدير، واطلاع الأجانب على صدر المرأة لغير ضرورة أو حاجة معتبرة.
ثالثًا: الحكم الفقهي لعملية شد أو رفع الثدي:
من خلال ما عرض سابقًا من دوافع هذه الجراحة وطريقة إجراءها فقد أشار بعض الباحثين المعاصرين إلى حرمة إجراء عملية رفع الثدي وشده؛ للأدلة التالية:
1 ـ أن هذه الجراحة تجرى لتغيير خلقة معهودة دون ضرورة أو حاجة معتبرة، ذلك أن تهدل الثدي بعد تكرر الحمل والرضاعة أو فقدان الوزن أو التقدم في العمر يعد شيئًا معهودًا بالنسبة للنساء، وليس عيبًا أو تشوهًا، لذا فإن إجراء هذه الجراحة قد يكون من تغيير خلق الله تعالى لطلب مزيد من الحسن الذي يحصل برفع الثدي وتكوره، وهذا محرم لما تقدم من الأدلة الدالة على التحريم.
2 ـ أن هذه الجراحة تشتمل على محاذير كثيرة دون مسوغ مقبول، وقد ذكرنا بعضًا من هذه المحاذير في الحالة السابقة فلا داعي لتكرارها.
3 ـ أن تهدل الثدي قد يعود بعد إجراء هذه الجراحة إذا تجددت أسبابه كالحمل والرضاعة، وفقدان الوزن، ويلزم من ذلك أحد أمرين:
أ ـ أن تجري المرأة هذه الجراحة مرات متعددة كلما تهدل ثديها، وفي ذلك تلاعب بالجسم وتغيير لخلق الله وعبث به، مع ما في ذلك من الإسراف المحرم والتعرض لمحاذير الجراحة السابقة.
ب ـ أن تحاول المرأة تجنب أسباب التهدل بترك الحمل أو الرضاعة، بسبب الحفاظ على قوام الصدر، وفي ذلك مخالفة لمقصود الشرع بتكثير النسل، كما أن فيه حرمانًا للطفل من الرضاعة الطبيعية، ولا يخفى أهميتها لصحته، وقد يكون في ذلك إضرار به؛لمجرد الحفاظ على مظهر الصدر، وقد تقرر أن ” الضرر يزال “.
1 ـ الجراحة التجميلية، عرض طبي ودراسة فقهية مفصلة، د. صالح الفوزان، دار التدمرية، ط1، 1421.
2 ـ تجميل الثدي أحكام وضوابط شرعية، د.عبدالرحمن بن أحمد الجرعي، بحث منشور ضمن ندوة العمليات التجميلية بين الشرع والطب، في الفترة من 11-12 ذو القعدة 1427، وزارة الصحة، المديرية العامة للشئون الصحية بمنطقة الرياض، إدارة التوعية الدينية.
3- مجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز، جمع وطبع محمد بن سعد الشويعر، دار المؤيد، الرياض، 9/419، فتوى رقم 2060.