لا تقتصر عمليات جراحة تجميل الثدي على النساء فحسب بل إن الرجال يخضعون لهذه العمليات أيضا، مع اختلاف دوافع هذه العمليات وأهدافها، ذلك أن الأصل في الرجل ألا يكون ثديه كبيرًا متضخمًا، فإذا حدث ذلك بصورة ملحوظة فإنه يمكن علاج ذلك بإزالة الثدي أو تصغيره، وترتبط عمليات الثدي عند الرجل بتضخمه غير الطبيعي وتتراوح نسبة الرجال الذين يعانون من تضخم الثدي مابين 40 إلى 60 %، ويوجد بعض الدلالات على أن بعض الأدوية والعلاجات تؤدي إلى بعض حالات التضخم، كما أن التضخم قد يكون ناشئًا عن خلل في وظائف الكبد فضلاً عن السمنة، وزيادة تركيز بعض الهرمونات في الجسم، ولكن تبقى معظم الحالات غير معروفة السبب، ولتضخم الثدي درجات متعددة بالنظر إلى مكوناته على النحو الآتي:
1 ـ التضخم اليسير: وهو عبارة عن تضخم يسير تحت الغدة.
2 ـ التضخم المتوسط: وهو عبارة عن تضخم في الغدد مع زيادة في الدهون.
3 ـ التضخم الشديد: هو عبارة عن تضخم الغدد مع زيادة في الدهون والجلد.
دوافع تجميل ثدي الرجل:
1ـ تصغيره لضخامته غير المعتادة، إما بسبب السمنة، أو بزيادة تركيز الهرمونات في الجسم، أو نتيجة لاستخدام بعض الأدوية، أو الإصابة ببعض الأمراض فيلحق الإنسان بعض الأذى النفسي من مشاهدةالآخرينلثديه المتضخم.
2ـ تصغيره ليتناسب مع الجسم خاصة إذا أزيل الثدي الآخر لأجل إصابته بمرض السرطان.
3ـ تضخم الثدي لإبراز العضلات والحصول على شكل مميز يشابه اللاعبين في رياضة كمال الأجسام.
من خلال العرض يمكن القول بأن تجميل ثدي الرجل يتخذ أكثر من حالة ويختلف الحكم الفقهي في كل حالة باختلاف الدافع من الجراحة والهدف منها على النحو التالي:
الحالة الأولى: تصغير الثديين بالجراحة بسبب تضخمها بشكل غير معتاد للرجل.
وفي حكم هذه الحالة اتجاهان:
الاتجاه الأول: جواز مثل هذه العملية؛ للأدلة الآتية:
1 ـ أن المعتاد كون ثدي الرجل صغيرًا، فإن كان كبيرًا فإن ذلك يجعله لافتًا للأنظار، وربما كان موضعًا للسخرية، وفي ذلك ضرر نفسي بالرجل قد يتسبب في عدم اختلاطه بغيره، وعدم ممارسته لما يفيد جسمه من رياضة كالسباحة ونحوها، وقد تقرر شرعًا أن: “الضرر يزال” وهذا يشمل الضرر الجسدي والنفسي.
2 ـ أن كبر ثدي الرجل خلقةً غيرُ معهود، وفي تصغير ثديه علاج لهذا العيب، وإزالة لهذا التشوه، ولا يُراد من الجراحة تغيير خلق الله تعالى، بل يراد منها إعادة الخلقة إلى أصلها خاصة أن التضخم قد يكون طارئًا لا خلقيًا، وقد تقدم ضابط التغيير المحرم.
ومما يدل على أن كبر ثدي الرجل غير معتاد أن جمهور الفقهاء لم يوجبوا الدية في ثدي الرجل، وإنما فيه حكومة، وعلل بعضهم ذلك بأنه ليس فيه منفعة ولا جمال أو ليس فيه جمال كامل كما في المرأة([1]).
3 ـ القياس على إزالة التشوهات التي تصيب الجسم فكما يجوز إزالتها لإعادة الخلقة إلى أصلها، فكذا يجوز إزالة الثدي المتضخم عند الرجل لأنه تشوه في جسمه، وليس شيئًا معتادًا في مثله، وقد قيد أصحاب هذا الاتجاه جواز إجراء هذه الجراحة بألا يكون في العملية ضرر، وأن يكون في الثديين تضخم ظاهر يتسبب في الحرج لصاحبه، إذ ليس كل تضخم يسير مبررا لإجراء العملية الجراحية.
الاتجاه الثاني:منع مثل هذه الجراحة.
دليل هذا الاتجاه: يرى أصحاب هذا الاتجاه يرون أن هذه الحالة وإن كان فيها أذى نفسي، إلا أن ما يكتنف العملية التجميلية من آثار وأضرار قد تمتد لبعض الوقت، ومن الأضرار المصاحبة لهذه العملية: التخدير، وحدوث تجمع للسوائل والدم في مكان العملية، وحدوث التهابات موضعية تحتاج إلى وقت للمعالجة، واحتمال وجود ندبات تشوه منظر الثدي، ثم خطورة العملية ذاتها، وتفويت بعض الواجبات العباديةكالصلاة وكذلك الأموال الكبيرة التي تصرف في مثل هذه العمليات، مما يعد من قبيل الإسراف المنهي عنه شرعًا، فكل هذه الأمور تجعل الكلام في هذه العملية أقرب إلى المنع.
ولكن يرى أصحاب هذا الاتجاه أيضًا أن الأمر في هذه الحالة إذا وصل إلى درجة الأذية الجسدية فإن الأمر هنا يخرج عن كونه تحسينيًا وتجميليًا إلى أن يصبح الغرض منه هو العلاج وإزالة الأذى فيكون الحكم في هذه الحالة هو الجواز.
الحالة الثانية: إزالة أحد الثديين بقصد تناسق الجسم خاصة إذا أزيل أحدهما لإصابته بالسرطان، أو زال في حادث طارئ أو كان أحدهما أكبر من الآخر بشكل لافت للأنظار.
وفي حكم هذه الحالة اتجاهان:
الاتجاه الأول:جواز هذه الحالة،وعللوا لذلك:
بأن التشوه الذي يحصل للثديين المتضخمين يحصل إذا كان أحدهما كذلك، بل هذا أشد ظهورًا أو لفتًا للأنظار إذا كان التضخم في أحدهما فقط أو إذا كان أحدهما موجودًا والآخر غير موجود.
الاتجاه الثاني:المنع وعدم الجواز؛ لما يلي:
1-أن مثل هذه العملية تدخل في التحسين والتجميل مع ما يكتنف العملية من أضرار وآثار كثيرة.
2 ـ أن ثدي الرجل لا يكبر غالبًا ولا يبرز كثدي المرأة فلا يحتاج لهذه العملية إلا من باب التحسين والتجميل، وهو ممنوع لما فيه من تغيير الخلقة المنهي عنه.
ولكن يرى أصحاب هذا الاتجاه أنه إذا وصل الأمر إلى درجة التشويه الظاهر الذي ينال الإنسان منه الأذى، ويجعله محط أنظار الناس فيمكن أن يقال بالجواز؛دفعًا لهذا الأذى مع وجوب مراعاة شروط إجراء جراحات التجميل.
الحالة الثالثة: تضخيم الثدي لإبراز العضلات والحصول على شكل متميز طلبًا لمقاييس معينة كحال اللاعبين في رياضة كمال الأجسام.
وحكم هذه النوع من التجميل هو التحريم؛ للأدلة الآتية:
1 ـ قوله تعالى: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) [سورة النساء 119 ].
ووجه الدلالة أن تغيير خلق الله تعالى من أوامر الشيطان لأوليائه فيكون حرامًا، ولا شك أن تكبير الثدي تغيير لخلق الله فيكون ممنوعًا، وما ذُكر ليس مسوغًت صحيحًا لإجراء هذه العملية.
2 ـ ما يحيط بهذه الجراحة من آلام وآثار ولما فيها من التخدير، وبذل الأموال الطائلة، فيدخل في الإسراف المنهي عنه شرعًا.
([1])المبسوط ص26، ص148 ط دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت ـ لبنان ط.1، 1421، الذخيرة للإمام القرافي ص12، ص361ط دار الغرب ـ بيروت 1994م، الحاوي الكبير للماوردي ج12 ص658 ط دار الفكر ـ بيروت.
1 ـ الجراحة التجميلية عرض طبي ودراسة فقهية مفصلة، د. صالح الفوزان، دار التدمرية ط1، 1421.
2 ـ تجميل الثدي أحكام وضوابط شرعية، د.عبدالرحمن بن أحمد الجرعي، بحث منشور ضمن ندوة العمليات التجميلية بين الشرع والطب، في الفترة من 11-12 ذو القعدة 1427، وزارة الصحة، المديرية العامة للشئون الصحية بمنطقة الرياض، إدارة التوعية الدينية.
3- مجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن باز، جمع وطبع محمد بن سعد الشويعر، دار المؤيد – الرياض.9/419،فتوى رقم 2060 .