يعد الأنف أحد السمات الأساسية والجمالية في الوجه,ونظرًا لبروزه,وموقعه المتوسط في الوجه,فإن أي تشوه أو تغيير في شكله يكون ملحوظًا,ومؤثرا في شكل الوجه كله,كما أن بروزه يجعلهعرضة للتشوهات و الإصابات المختلفة.
وتعد جراحة تجميل الأنف الجراحة الأكثر شيوعًا في الجراحة التجميلية، لكنها الأكثر دقة أيضًا, وتهدف إلى تغيير مظهر الأنف جزئيًا أو كليًّا بغية تحسين هيئة الوجه,وهذا يكون بالتصغير أو التكبير,وإدخال بعض الإضافات أو تعديل الشكل العام,وتتم عمليات تجميل الأنف بإجراء شق جراحي صغير في حافة الأنف (في العمود المتوسط ),ثم تفصل أنسجة الأنف عن الجلد,ثم يعاد تشكيل غضروف وعظم الأنف المسبب للتشوه.
وتأخذ العمليات التجميلية للأنف عدَّة أشكال أهمها:
1. عمليات إزالة البروز,فقد يتعرض الأنف لإصابات تؤدي إلى انحرافه,أو ظهور نتوءات على جسمه خاصة في عظم الأنف.
2. تصغير الأنف الكبير,فقد يكون شكل الأنف كبيرا لدرجة مشوهة، وهذا يظهر في الجزء العظمي أو الجزء المرن من الأنف حول المنخرين.
3. إصلاح اعوجاج الأنف,حيث ينشأ عن بعض الرضوض انحراف الأنف يمينًاأو يسارًا بسبب هشاشة عظامه.
4. رفع أرنبة الأنف,حيث تتكون مقدمة الأنف من غضاريف متعددة تعطيه الشكل الخارجي,وهذا يعطي المظهر المميز للأنف ووجه كل شخص.
5. تكبير الأنف الصغيرة,وفي هذه الحالة يقوم الجرّاح باستخدام غرزة عظيمة يستخرجها من جزء آخر من الأنف,أو من خلف الأذن.
الحكم الفقهي لجراحة تجميل الأنف:
لجراحات تجميل الأنف حالات مختلفة و لكل حالة حكمها الخاص:
الحالة الأولى: أن تكون الجراحة علاجًا لآثار الحوادث الطارئة,كالإصابات الناجمة عن الحروب والحوادث المرورية,وممارسة بعض الرياضات العنيفة,أو علاج اعوجاج الأنف و انحرافه,أو بروز بعض أجزاءه بسبب تعرضه لإصابة قوية و نحو ذلك.
وهذا النوع حكمه الجواز لما يلي:
1- حديث عرفجة بن أسعد رضي الله عنه وفيه أنه قال:(قطعت أنفي يوم الكُلاب في الجاهلية,فاتخذت أنفًا من ورق,فأنتن علي ّفأمرني رسول الله ﷺ أن أتخذ أنفًا من ذهب)أخرجه أبو داود(ح 4234)،والترمذي (ح 1770) وقال: حديث حسن غريب,وحسنه الألباني.
والحديث السابق ظاهر الدلالة على علاج الإصابات الطارئة التي تسبب قطع الأنف بكل وسيلة حتى ولو كانت محرمة في حال السعةكالذهب,والجراحة التجميلية علاج لهذه الإصابات,بل هي أولى بالجواز من أنف الذهب لأنها أقرب من الأنف الحقيقي,وأظهر في علاج التشوه.
كما يفهم من الحديث، كما أن النبي ﷺ ,اعتبر تشويه الأنف شيئا غير مرغوب فيه,لأنه يؤثر على الشكل العام للوجه,وإزالة هذا النوع من التشوه من الضرورات اللازمة حرصا على النفس البشرية التي تتأذى وتتضرر من المنظر القبيح.
2- عموم الأدلة على مشروعية التداوي,فهي تتناول التداوي بكل مباح,ومن جملة ذلك الجراحة التجميلية,بالإضافة إلى عموم أدلة الجراحة الطبية,متى ما توافرت شروطها حيث تتناول الجراحة لتجميل الأنف المشوه.
3- ما تشتمل عليه هذه التشوهات من الضرر الحسي والمعنوي الذي يوجب الإزالة عملا بقاعدة إزالة الضرر,وما يندرج تحتها من قواعد وأصول,إذ أن هذه التشوهات قد تتسبب في إغلاق مجرى التنفس أو تضييقه,كما أن فيها تشويها لمنظر الوجه حيث يبدو غريبا حين ينظر الناس إليه.
4- القياس على ما أجازه الفقهاء من نحو قطع السلعة (الغُدَّة)،فكما يجوز قطع هذه السلعة يجوز إجراء الجراحات لإزالة التشوهات الطارئة التي لم تكن موجودة من أصل الخلقة.
الحالة الثانية:
أن تكون الجراحة علاجا لتشوهات خلقية موجودة منذ الولادة,أو تشوهات نشأت بسبب الإصابة ببعض الأمراض,وذلك كعمليات إصلاح الأنف الكبير,وتعديل اعوجاج الأنف,وانحرافه مما يتسبب في ضيق مجرى التنفس,وظهور الوجه في شكل غير متناسق.
والحكم الفقهي لهذه الحالة أنها جائزة أيضا لما يلي:
- أن هذه التشوهات تتسبب في ضرر حسي ومعنوي,أما الحسي فيكمن في صعوبة التنفس في حالة ضيق أو انسداد أحد مجريي التنفس بسبب انحراف الأنف,وأما الضرر النفسي فيكمن في ظهور الوجه في شكل غير متناسق مما يلفت الانتباه,ويعرض صاحبه للسخرية مما قد يسبب له أذى نفسيا,وقد يحمله ذلك على الانطواء والابتعاد عن الاختلاط بالناس,وقد يتسبب في عدم خطبة الفتاة بسبب مظهر أنفها,وهذه الأضرار تسوغ التدخل الجراحي لإزالتها إعمالا لقواعد دفع الحرج,ورفع الضرر, وقد يكون الضرر النفسي أشد من الضرر الحسي فلا بد من أخذ ذلك بعين الاعتبار عند إصدار الحكم الشرعي لمثل هذه الجراحات.
- قياس هذه الحالة على حالة التشوهات الطارئة في جواز الجراحة التجميلية لإزالتها بجامع وجود الضرر في كل.
والقول بالجواز في هذه الحالة هو ما أفتت به اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية.
فقد سئلت اللجنة عن شاب تأذى نفسيا بسبب كبر أنفه,وسبب له ذلك الانطواء والعزوفعن الزواج,ويريد إجراء عملية لتصغير أنفه,فأجابت اللجنة بما نصه: “إذا كان الواقع كما ذكر,ولم يخش من إجراء التجميل ضرر جاز إجراؤها له”.
وسئلت اللجنة أيضا عن حكم إجراء عملية لتصغير أنف امرأة تسبب كبر أنفها في مضايقتها نفسيا,وتخشى أن تكون العملية من تغيير خلق الله فأجابت اللجنة بما نصه:”إذا كان الواقع كما ذكر,ورجي نجاح العملية,ولم ينشأ عنها مضرة راجحة جاز إجراؤها تحقيقًا للمصلحة المنشودة,وإلا فلا يجوز”.
الحالة الثالثة:
أن تجرى الجراحة لأنف ليس فيها تشويه وإنما يريد صاحبها أو صاحبتها الظهور في مظهر معين,كأن يكون تقليدًا لفنان ونحوه،ومثله لو توهم الشخص تشوها غير ملحوظ,ويريد إجراء جراحة تجميلية لتعديل ما يراه تشويها في وجهه,مع أن الظاهر ليس تشوها في نظر أوساط الناس,وكذلك إجراء الجراحة بقصد التدليس,أو التضليل للفرار من العدالة,كما يفعل بعض المطلوبين للسلطات الأمنية.
وحكم هذه الحالة هو التحريم لما يلي:
1.أن هذه الجراحة ليس فيها نوع من إزالة ضرر حسي,أو معنوي فتكون من باب تغيير خلق الله تعالى المحرم, وتتناولها النصوص التي جاءت لتحريم تغيير خلق الله تعالى,إذ أن هذه الجراحة تجرى اتباعا للهوى وعبثا في الخلقة,دون مسوغ شرعي.
2.قياس هذه الجراحات على ما نصالشرع على تحريمه كالنمص والتفليج ونحوها بجامع أن في كل منها تغييرا لخلق الله طلبا للحسن.
3.أنه لا يتم فعل هذه الجراحات غالبا إلا بفعل بعض المحرمات، كالتخدير الذي أصله التحريم,وقيام الرجال بفعل الجراحة للنساء,وما يترتب عليه من إطلاع على العورات وفي هذه الحالة لم توجد الأسباب المبيحة للجراحة الموجبة للرخصة بفعل هذه المحرمات، كما في الحالتين السابقتين، فتبقى هذه الحالة على أصل الحرمة.
4.أن هذه الجراحات لا تخلو من المضاعفات والآلام التي تغتفر فيما مضى من حالات لوجود أسباب الإباحة من إزالة الضرر، كما أن فيها إسرافًا بإنفاق المال في غير محله كما يترتب عليه عدم غسل موضع الجراحة في الوضوء والغسل الواجب عدة أيام دون محظور شرعي.
1. الجراحة التجميلية,عرض طبي ودراسة فقهية مفصلة، د.صالح بن محمد الفوزان،دار التدمرية، الرياض،ط.1، 1428.
2.العمليات التجميلية،إبراهيم بن أحمد بن محمد الشطيري, بحثمنشور في مجلة السجل العلمي لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني، قضايا طبية معاصرة،جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المجلد الثالث، 1431.
3. عمليات تجميل الوجه بين الشريعة والواقع، د. شفيقة الشهاوي رضوان محمد، بحث منشور في مجلة السجل العلمي لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني، قضايا طبية معاصرة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المجلد الثالث، 1431.
4.تجميل أعضاء الوجه أحكام وضوابط شرعية، د.يوسف بن عبد الله الشبيلي، بحث منشور في ندوة العمليات التجميلية بين الشرع والطب في الفترة من11-12ذو القعدة -1427، وزارة الصحة، المديرية العامة للشئون الصحية بمنطقة الرياض، إدارة التوعية الدينية.
5.فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء، فتوى رقم 9204,5408 .
6. الفتاوى المتعلقة بالطب وأحكام المرضى ص259 إشراف الدكتور صالح الفوزان، طبع ونشر رئاسة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض-المملكة العربية السعودية،ط.1.