تأثير الديون المؤجلة على زكاة المدين
نشأت في عصرنا الحاضر صور من العقود الجديدة, من ضمنها عقود المعاوضات التقسيطية وما يترتب عليها من ديون استثمارية, فيقوم بعض الناس بتمويل مشاريعهم التجارية والسكنية بالديون التي تنشأ من هذه العقود, وفي هذه العقود يستفيد المدين من الأجل, ويستفيد الدائن من زيادة ثمن السلعة نتيجة الأجل.
فما تأثير هذا الدين الناشئ من المعاوضة على نصاب المدين الزكوي, وهل يخصم منه أم يكتفى بإنقاص ما حل من الدين على المدين؟
وهل تخصم تلك الديون من قدر المال الزكوي للمدين, بحيث يترتب على ذلك عدم وجوب الزكاة أو نقص القدر المخرج من المال؟
هذه المسألة مبنية على مسألة ذكرها الفقهاء السابقون وهي أثر الدين على الزكاة من مال المدين, وقد اتفق الفقهاء على أنه إذا ثبت الدين في ذمة المدين بعد وجوب الزكاة فلا أثر للدين على الزكاة مطلقا، واختلفوا فيما إذا كان الدين ثابتا في ذمة المدين قبل وجوب الزكاة وإذا خصم مقدار الدين من المال الذي حال عليه الحول أصبح القدر المتبقي دون النصاب، فهل هذا الدين يمنع من وجوب الزكاة على المدين ؟
اختلف الفقهاء في هذه المسألة والسبب في اختلافهم اختلافهم هل الزكاة عبادة أو حق مرتب في المال للمساكين، فمن رأى أنها حق لهم قال: لا زكاة في مال من عليه الدين لأن حق صاحب الدين متقدم بالزمان على حق المساكين، وهو في الحقيقة مال صاحب الدين لا الذي المال بيده.
ومن قال هي عبادة قال: تجب على من بيده مال لأن ذلك هو شرط التكليف وعلامته المقتضية الوجوب على المكلف سواء كان عليه دين أو لم يكن، وأيضا فإنه قد تعارض هنالك حقان: حق لله وحق للآدمي وحق الله أحق أن يقضى.
وللفقهاء في هذه المسألة ثلاثة أقوال([1]):
القول الأول: أن الدين يمنع وجوب الزكاة مطلقا في الأموال الظاهرة والباطنة, سواء كان الدين حالا أو مؤجلا, وسواء كان لله أو للعباد, وسواء كان من جنس المال الذي تجب فيه الزكاة أو لا. وهذا هو القول القديم للشافعي, والرواية الأصح عند الحنابلة, وهو مشروط عند بعض الشافعية والحنابلة بحلول الدين.
القول الثاني: أن الدين لا يمنع وجوب الزكاة مطلقا, وهذا القول هو الأظهر عند الشافعية, ورواية عند الحنابلة. القول الثالث: أن الدين يمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة (ما أمكن إخفاؤه كالذهب والفضة وعروض التجارة) دون الظاهرة (ما لا يمكن إخفاؤه من الزروع والثمار والمواشي), وهو مذهب المالكية, وقول عند الشافعية, ورواية عند الحنابلة.
ويستدل كل من أصحاب هذه الأقوال بأدلة مبسوطة في كتب الفقهاء..
وأخذت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية بالقول الثاني وهو أن الدين لا يمنع من الزكاة مطلقا..
فقد جاء في الفتوى رقم (4650):
“الصحيح من أقوال العلماء أن الدين لا يمنع الزكاة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يرسل عماله لقبض الزكاة وخراصه لخرص الثمار، ولم يقل لهم انظروا هل أهلها مدينون أم لا، وعليه فيجب عليك أن تخرج زكاة مالك دون أن تحتسب ما يقابل دين البنك.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء”.
وبعد هذا العرض للمسألة, يمكن بناء مسألة تأثير الديون الاستثمارية المؤجلة في بلوغ النصاب وإخراج الزكاة على ما تقدم بيانه من أثر الدين المؤجل على زكاة المدين، فعلى فتوى اللجنة الدائمة لا أثر لتلك الديون في بلوغ النصاب ولا تخصم تلك الديون من قدر المال الزكوي للمدين.
وعلى القول بأن الدين المؤجل له أثر على زكاة المدين يكون لتلك الديون الاستثمارية أثر على الزكاة، وقد أخذ بنحو هذا الرأي الندوة الأولى لقضايا الزكاة المعاصرة.
([1]) بدائع الصنائع (2/12), بداية المجتهد (1/246)، التاج والإكليل (3/199), الحاوي الكبير للماوردي (3/309), الشرح الكبير (6/336), الأموال (443), البيان للعمراني (3/146), الأحكام السلطانية (115).
1. فتاوى وتوصيات ندوات قضايا الزكاة المعاصرة (28).
2. نوازل الزكاة للغفيلي (72-73).