أن يباع الذهب المصوغ بعملة أخرى بأقساط شهرية أو سنوية على حسب الاتفاق.
اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: الجواز, وقال به شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم؛ لأن الذهب المصوغ, خرج من الثمنية إلى كونه سلعة، فلا تجري الربا بينه وبين الأثمان , وهو الذي أفتت به دار الإفتاء المصرية: إن الذهب المصوغ يجوز بيعه بالأقساط, لأنها بالصناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان, وأعدت للتجارة، فلا محذور في بيعها بجنسها.
أدلة هذا القول:
الدليل الأول: حاجة الناس إلى بيع الذهب والفضة بعد الصياغة، ولا وسيلة إلى ذلك إلا بالزيادة في مقابل الصنعة.
الدليل الثاني: القياس على العرايا، وهي بيع الرطب بالتمر في حدود خمسة الأوسق؛ للتفكه بالرطب، والحاجة في المصوغ أكبر.
القول الثاني: التحريم، وهو مذهب الفقهاء في المذاهب الأربعة، وحكي الإجماع عليه، وهو الذي ذهب إليه سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله.
أدلة هذا القول:
الدليل الأول: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها، والبر بالبر مدي بمدي، والشعير بالشعير مدي بمدي، والتمر بالتمر مدي بمدي، والملح بالملح مدي بمدي، فمن زاد أو ازداد فقد أربى، ولا بأس ببيع الذهب بالفضة والفضة أكثرهما يدا بيد، وأما نسيئة فلا، ولا بأس ببيع البر بالشعير، والشعير أكثرهما يدا بيد، وأما نسيئة فلا. [رواه أبو داود (ح 3349)] دل الحديث على تحريم ربا النسيئة في بيع الربوي بجنسه ولو كان مضروبا أو مصوغا، ومن تبويبات البيهقي: (باب: لا يباع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه بأكثر من وزنه استدلالا بما مضى من الأحاديث الثابتة في الربا) السنن الكبرى للبيهقي (5/ 477).
الدليل الثاني: عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثني عشر دينارا، فيها ذهب وخرز، ففصلتها، فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا، فذكرت ذلك للنبي ﷺ، فقال: «لا تباع حتى تفصل» [رواه مسلم (ح1591)].
الدليل الثالث: عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله ﷺ، قال: «الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما» [ذكره مالك في باب بيع الذهب بالفضة تبرا وعينا ح2332].
الدليل الرابع: عن مجاهد، أن صائغا سأل ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني أصوغ، ثم أبيع الشيء بأكثر من وزنه، وأستفضل من ذلك قدر عملي، أو قال عمالتي، فنهاه عن ذلك، فجعل الصائغ يرد عليه المسألة، ويأبى ابن عمر حتى انتهى إلى بابه، أو قال: باب المسجد، فقال ابن عمر: «الدينار بالدينار، والدرهم بالدرهم، لا فضل بينهما، هذا عهد نبينا ﷺ إلينا وعهدنا إليكم» [رواه مالك كما سبق وهذا لفظ عبد الرزاق (ح14574)].
القرارات والفتاوى الصادرة عن الهيئات الشرعية والفتاوى العلمية:
أولًا: قرارات وفتاوى الهيئات الشرعية:
1/ فتوى دار الإفتاء المصرية (فضيلة الأستاذ الدكتور علي جمعة محمد).
سئلت اللجنة عن موضوع بيع الذهب بالتقسيط ([1]).
فأجابت بما نصه:
ورد النهي النبوي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة نسيئة في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه [أخرجه مسلم (رقم 1584) ], وفي حديث غيره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلا الْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إِلا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلا تُفَضِّلُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» [ أخرجه البخاري (رقم 2068) ومسلم (رقم 1584)]، واتفق العلماء على أن المبيعين الربويين إذا اختلف جنسهما , ولكن جمعتهما علة واحدة: كالنقدية في الذهب والفضة, فإنه يشترط كذلك فيهما الحلول والتقابض, فيحرم النسيئة -البيع الآجل- نصًّا في العقد, أو فعلا في الواقع.
أما الذهب والفضة المصوغان فإنهما خرجا بذلك عن كونهما أثمانًا -وسيطًا للتبادل- وانتفت عنهما علة النقدية, التي توجب لهما كونهما ربويين، ويترتب عليها تحريم بيع الجنس منهما بمثله أو بالآخر آجلا، فصارا كأي سلعة من السلع التي تباع وتشترى بالحالِّ والآجل؛ إذ من المعلوم أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدما، وهذا ما ذهب إليه الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما, بشرط ألا تكون صياغته محرمة: كالأشياء الذهبية, التي من شأنها ألا يلبسها إلا الذكور, من غير أن يُرَخَّص لهم فيها، يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كتابه إعلام الموقعين: “الحلية المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان، ولهذا لم تجب فيها الزكاة، فلا يجري الربا بينها وبين الأثمان, كما لا يجري بين الأثمان وبين سائر السلع وإن كانت من غير جنسها، فإن هذه بالصناعة قد خرجت عن مقصود الأثمان وأعدت للتجارة، فلا محذور في بيعها بجنسها”.
وبناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: لا مانع شرعًا من بيع الذهب المصوغ بالتقسيط، ولا يجب دفع القيمة نقدًا عند البيع. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثانيًا: الفتاوى العلمية:
1/ فتوى الشيخ عبدالله المطلق حفظه الله
سئل فضيلة الشيخ حفظه الله عن موضوع بيع الذهب بالتقسيط.
فأجاب حفظه الله بقوله:
بيع الذهب بالتقسيط والعربون: أولًا الذهب إن كان غير حُلي فلا يجوز بإجماع العلماء أن يُباع مُقسطا ولا بالعربون، لكن إن كان الذهب حُليًا بعض العلماء يرى أنه خرج من الذهب إلى صنعة، أصبح مصنوعًا, فيجوز حينئذ أن يُباع بالتقسيط وأن يُباع مؤجلًا، والصواب إن شاء الله أن ذلك لا يجوز وأنه يبقى ذهبًا،سواء كان حُليًا أو كان سبائك ذهبية.
[1]) ينظر : نص السؤال في فتوى رقم (3672) .
1/ دار الإفتاء المصرية , فتوى رقم (3672):
2/ فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز (موقع طريق الإسلام إلكترونيًّا-تسجيل صوتي).
3/ بيع الذهب والفضة وتطبيقاته المعاصرة في الفقه الإسلامي (رسالة ماجستير), صدام عبد القادر عبد الله حسين, المملكة الأردنية الهاشمية (2003م).