النسيج هو: كل مجموعة من الخلايا متشابهة البنيان تؤدي وظائف خاصة متشابهة فبنوك الأنسجة قد تشتمل على أحد البنوك التالية: كبنوك العيون وبنوك الشحم وبنوك الخلايا الجذعية،وهذه البنوك من أهم بنوك الأنسجة.
وتوجد بنوك للأنسجة أخرى: كبنوك اللعاب وبنوك الأربطة، وهي عبارة عن خيوط من النسيج الضام، قوية عصية، تجمع ما بين العظام عند المفاصل ذوات الحركة، أو تحفظ بعض الأعضاء الداخلية في مواضعها.
وأيضًا بنوك الأعصاب: وهي ألياف شبيهة بالخيوط، تخرج من الجهاز العصبي المركزي، وتمر خلالها الدفعات العصبية بين مختلف أجزاء الجسم والجهاز العصبي المركزي،والعصب يتألف من ألياف عصبية وأوعية دموية وأوعية ليمفاوية وأنسجة ضامة وأغماد عصبية.
وأيضًا بنوك الأوتار العضلية: وهي عبارة عن حبل من نسيج ضام قوي قابل للانثناء تنتهي فيه خيوط العضلة ويربطها بعظم أو بنيان آخر.
وأيضا بنوك صمامات القلب: وهي عبارة عن بنيان أو ثنية من نسيج غشائي في عضو أو وعاء يمنع ارتداد المائع عند سيلانه في هذا العضو أو الوعاء.
وأيضا بنوك الغضروف وهو نسيج ضام مرن يربط بين العظام في كافة أنحاء الجسم يقوم بوقاية العظام من الإجهاد عن طريق امتصاص الثقل أثناء الحركة.
وأيضا بنوك غشاء الجنين والعروق واللفافة، واللفافة: عبارة عن نسيج ليفي متين يقع تحت الطبقة الرقيقة تحت الجلد.
والخلاصة: أن بنوك النسيج قد تشتمل على أحد البنوك السابقة، والتي تكون عبارة عن خلايا متشابهة تؤدي وظائف متشابهة، فأنسجة الجسم التي تحفظ في البنوك كثيرة ومتعددة، فما حكم إنشاء هذه البنوك؟
اختلفت أقوال الفقهاء في حكم بنوك الأنسجة على حسب اختلافهم في حكم نقل الأعضاء بين مجوز بشروط ومانع ولكل أدلته.
وسنذكر على سبيل المثال لا الحصر – نظرًا لكثرة بنوك الأنسجة – حكم بنوك العيون والقرنية لأنها الأوسع انتشارًا في بنوك الأنسجة،وغيرها يأخذ حكمها.
أولا:بنوك العيون
تعريفها: عبارة عن معمل يتم حفظ العيون المستأصلة فيه بطرق عديدة؛لتكون تحت الطلب؛ففيه يتم حفظ القرنية والصلبة من طبقات العين إذ هي الأجزاء التي يتم استخدامها في عمليات الزرع فقط، لذا قد يسمى هذا البنك بنك القرنيات.
تاريخ ظهور هذا النوع من البنوك:
أنشئ أول بنك للعيون في العالم سنة 1944م في الولايات المتحدة الأمريكية، ثم فتحت كثير من بنوك العيون في المدن والبلدان المختلفة.
وقد بلغ إجمالي عدد عمليات زراعة القرنية في عام 2002م التي أجريت في مستشفى الملك خالد بالمملكة العربية السعودية 616 عملية.
دواعي إنشاء بنوك العيون:
تتمثل دواعي إنشاء بنوك العيون في وجود عدد كبير من المكفوفين نتيجة لأمراض قرنية العين، وهم بحاجة إلى زرع قرنية سليمة عوضًا عن القرنية التالفة، وأيضًا المساعدة في البحوث التي تخدم أمراض العيون.
الحكم الشرعي لإنشاء بنوك العيون:
اختلف العلماء في هذه المسألة على اتجاهين:
الاتجاه الأول:جواز إنشاء البنوك البشرية للعيون، وهو قول جمهور المعاصرين.
وأدلة جواز إنشاء هذه البنوك هي أدلة جواز إنشاء البنوك لغرس الأعضاء وغيرها، والمتمثلة فيما يلي:
الدليل الأول: أن زرع الأعضاء يعتبر نوعًا من التداوي،وحفظ النفس الذي حث عليه الشارع الحكيم، وفيه إنقاذ للنفوس من الهلكة لقول الله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [سورة:البقرة:195] وقوله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ) [سورة المائدة: 32].
الدليل الثاني: أن في نقل الأعضاء تفريجا للكربات، وتأكيدا على مبدأ التراحم والتكافل والتعاطف بين أفراد المجتمع، والإحسان إلى المحتاجين والمضطرين، ومن الأحاديث الواردة في ذلك:
- عن ابن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ مَنْ كَانَ فِى حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِى حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».أخرجه مسلم، (ح 2580).
- عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ».أخرجه مسلم (ح 2585).
وجه الدلالة في الحديثين: أن التبرع إيثار وعمل خير، وعملية نقل الأعضاء تعبر عن أسمى معاني الأخوة الإيمانية،وفيها تفريج لكرب المؤمنين، وإنقاذ لحياتهم كما دلت عليه هذه الأحاديث.
الدليل الثالث: أن الله تعالى مدح الأنصار في كتابه العزيز بقوله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ) [سورة الحشر: 9]. وما الخصاصة إلاَّ شدة الحاجة وهي تتمثلفي أجزاء البدن أكثر من غيره من المنافع الدنيوية، والإيثار يكون بالمال وبغيره، بشرط ألاَّ يؤدي إلى هلاك المؤثر، أو حصول ضرر بالغ به؛لأن قتل النفس محرم أشد التحريم في الإسلام.
الدليل الرابع:أن الله تعالى أباح للمضطر ارتكاب بعض المحرمات لحفظ النفس وصيانتها عنالتلف، قال تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) [البقرة:173] وقال تعالى: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [سورة الأنعام:145]فهذه المحرمات أبيحت لضرورة حفظ النفس عن الهلاك.
الاتجاه الثاني:منع إنشاء بنوك للعيون، وقال به بعض المعاصرين.
واستدلوا بالأدلة التالية:
الدليل الأول:أن الجسد الذي بين جنبينا ليس ملكًا لنا، وإنما هو ملك لله تعالى،قال تعالى: ( أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ ) [سورة يونس: 31].فلا يصح من الإنسان التصرف بجسمه.
والإنسان مع أنه أشرف من الجميع، لكنه ليس بمالك لجسمه وروحه،بل الإنسان إنما هو أمين كالمستعير في ماله وجسمه، فلا يجوز أن يستعمله في محل نهى الله عنه، فالتصرف فيه من غير إذن المالك الحقيقي يعتبر خيانة، والمالك الحقيقي هو الله سبحانه وتعالى.
الدليل الثاني:أن قطع أعضاء الإنسان –حيًا كان أو ميتًا-وفصلها من موضعها: مثلة، وهو حرام عند عامة العلماء والفقهاء،كما بينه غير واحد من العلماء؛لأن النبي ﷺ بعد وقعة عُكل وعرينة كان ينهى عن المثلة أخرجه البخاري (ح 4192)،فثبت من ذلك كله أن استعمال أعضاء الإنسان –حيا كان أو ميتًا- لا يجوز عند عامة الفقهاءإلا بحق.
الدليل الثالث: الأصل في الأنفس التحريم،فلا يجوز إتلاف النفس المعصومة إلا بوجود الحق الذي يبيح إتلافها أو إتلاف جزء منها، وقد قال تعالى:( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ )[سورة:البقرة:195] وقال الله تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء:29] وغير ذلك من الآيــات.
الدليل الرابع: عن جابر بن سمرةtأَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِىَّ أَتَى النبي ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لَكَ فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ؟ – قَالَ حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ- فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِي ﷺ لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلأَنْصَارِ، فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِي ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ فَقَالَ غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ ﷺ فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟قَالَ: قِيلَ لِي لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ.فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ « اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ»”.أخرجه مسلم (ح 116).
وبناءً على ما تقدم –وغيره كثير- فإن نفس الإنسان ليست ملكًا خالصًا له، وإنما هي أمانة من الله تعالى، الذي خلقها وأوجدها، وأمدها بما تتمكن به من إعمار الكون وخلافة الأرض، فلا يباح للإنسان أن يتصرف بنفسه ولا يتلفها أو يلقيها فيما يهلكها، بل يجب عليه الحفاظ عليها واجتناب كل ما يضرها أو يعرضها للخطر والهلاك.
حكم نقل القرنية:
صدر بشأن نقل القرنية فتاوى عدة منها:
- فتوى لجنة الفتوى بالجامع الأزهر المنشورة بمجلة الأزهر 20/ 744 حيث جاء فيها ما نصه: (ترى اللجنة جواز نقل جزء من عين الميت؛لإصلاح عين الحي إذا توقف على ذلك إصلاحها وقيامها بما خلق الله له،هذا هو ما تفتي به اللجنة، والله الهادي إلى سواء السبيل).
- قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية رقم 62 الصادر في 1398هـ والذي جاء فيه: (بعد دراسة ومناقشة وتبادل وجهات النظر قرر المجلس بالأكثرية ما يلي:
أولا: جواز نقل قرنية عين من إنسان بعد التأكد من موته، وزرعها في عين إنسان مسلم مضطر إليها وغلب على الظن نجاح عملية زرعها، ما لم يمنع أولياؤه ذلك بناء على قاعدة تحقيق أعلى المصلحتين وارتكاب أخف الضررين، وإيثار مصلحة الحي على مصلحة الميت، فإنه يرجى للحي الإبصار بعد عدمه والانتفاع بذلك في نفسه ونفع الأمة به، ولا يفوت على الميت التي أخذت قرنية عينه شيء.
ثانيًا: جواز نقل قرنية سليمة من عين قرر نزعها من إنسان بتوقع خطر عليه من بقائها وزرعها في عين مسلم آخر مضطر إليها، فإن نزعها إنما كان محافظة على صحة صاحبها أصالة ولا ضرر يلحقه من نقلها إلى غيره، وفي زرعها في عين آخر منفعة له، فكان ذلك مقتضى الشرع وموجب الإنسانية).
3-قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورة مؤتمره الرابع بجدة سنة 1408هـ حيث جاء فيه:
( تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.)
وفيه أيضا: (يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها كنقل قرنية العينين كلتيهما).
1- البنوك البشرية في الفقه الإسلامي، د. قمر الزمان غزال، ط دار طيبة،ط.1، 1432هـ.
2- البنوك الطبية البشرية وأحكامها الفقهية، د. إسماعيل مرحبا، ط دار ابن الجوزي،ط.1، سنة 1429.
3- البنوك الطبية واقعها وأحكامها، د. عبد الرحمن محمد أمين طالب، بحث منشور بمجلة مؤتمر الفقه الإسلامي بجامعة الإمام المجلد الثاني 1431.
4- حقوق الجنين في الشريعة الإسلامية والقانون والاتفاقات الدولية، خليل إبراهيم محمد إبراهيم، الجامعة الأردنية، 2005م.
5- الفكر الإسلامي والقضايا الطبية المعاصرة، د. شوقي الساهي، ط1، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1411.
6- حكم العلاج بنقل دم الإنسان أو نقل أعضاء أو أجزاء منها، د. أحمد فهمي أبو سنة، مجلة المجمع الفقهي، العدد:1، سنة: 1408.
7- التشريح الجثماني والنقل والتعويض الإنساني، د. بكر بن عبدالله أبو زيد، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد:4، 1408.
8- المسائل الطبية المعاصرة وموقف الفقه الإسلامي منها، د. عليداود الجفَّال، دار البشير.
9- مصير الأجنة في البنوك، د. عبدالله باسلامة، ضمن ندوة: الرؤية الإسلامية لبعض المشكلات الطبية المعاصرة، المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، 1407.
10- الموسوعة الفقهية للأجنة والاستنساخ البشري: من الناحية الطبية والشرعية والقانونية، د. سعيد بن منصور موفع، دار الإيمان، مصر، 2005م.
11- قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي سابقا).من القرار 1 – 174، من الدورة الأولى في عام 1406- إلى الدورة الثامنة عشرة في عام 1428.