هذه المسألة مما بحثه الفقهاء قديما, ولكن طرأ ما يستدعي إعادة بحثها في هذه الأزمان المتأخرة؛ نظرا لكثرة الحجاج والزحام الشديد, فهل لهذا أثر في حكم المسألة؟
تحرير محل النزاع:
- اتفق أهل العلم على أن رمي جمرة العقبة قبل نصف الليل من ليلة العيد لا يجزئ.
- اتفق أهل العلم على أن رمي جمرة العقبة بعد طلوع الشمس مجزئ وأنه الأفضل.
- اختلف أهل العلم في حكم رمي جمرة العقبة من بعد منتصف ليلة العيد إلى طلوع الفجر, على أقوال([1]):
القول الأول: وقت رمي جمرة العقبة يبدأ من نصف ليلة العيد, وهو مذهب الشافعية والحنابلة, وقال به من المعاصرين ابن باز, وابن عثيمين وضبطه بغياب القمر.
واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: (أرسل النبي ﷺ أم سلمة رضي الله عنها ليلة النحر, فرمت الجمرة قبل الفجر, ثم مضت فأفاضت). [أبوداوود (1942)، والحاكم (1/641) وقال: صحيح على شرطهما، والبيهقي (5/133) وقال: إسناده صحيح].
الدليل الثاني: ما رواه عبدالله مولى أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي فصلت ساعة ثم قالت: هل غاب القمر؟ قلت: نعم, قالت: فارتحلوا, فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة, ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها, فقلت لها يا هنتاه, ما أرانا إلا قد غلسنا, قالت: (يا بني إن رسول الله ﷺ أذن للظعن). [البخاري (1595)، ومسلم (1291)].
الدليل الثالث: أن وقت الدفع من مزدلفة يبدأ بعد نصف الليل، فيكون وقتا للرمي كبعد الفجر.
القول الثاني: وقت رمي جمرة العقبة يبدأ من طلوع الفجر يوم العيد ولا يجزئ قبله. وهو قول الحنفية, والمالكية, ورواية عن أحمد.
واستدلوا: بما رواه ابن عباس رضي الله عنهما , قال: (كان النبي ﷺ يقدم ضعفة أهله, لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس). [أبوداوود (1941), والترمذي (893), والنسائي (3065)].
القول الثالث: لا يجوز للأقوياء رمي جمرة العقبة قبل طلوع الشمس أما الضعفة فيجوز. وهو اختيار ابن القيم, والصنعاني, والشوكاني.
واستدلوا: بأن الأحاديث الواردة دلت صراحة على أن الرخصة للضعفة ونحوهم, كحديث أسماء وأم سلمة رضي الله عنهما , ويدل مفهوم هذه الأحاديث على أنه لم يرخص لسواهم, فيبقى الأصل على الوقت الذي رمى فيه رسول الله ﷺ وهو بعد طلوع الشمس.
([1]) المبسوط (4/21), التمهيد (7/279), التفريع (1/343), الحاوي (4/185), البيان (4/331), المغني (5/295), زاد المعاد (2/248), سبل السلام (2/430), نيل الأوطار (5/144).
1. أبحاث هيئة كبار العلماء (2/296).
2. فتاوى ابن باز (17/293).
3. فتاوى ابن عثيمين (23/81).