قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب الجنايات

انتحال الشخصية

مسألة رقم 25

صورة المسألة

انتحال الشخصية: هو أن يقوم شخص بالاستيلاء على بعض البيانات الشخصية لشخص آخر سواء أكان الشخص حقيقيًا أم معنويًا ثم يقوم باستخدام تلك المعلومات من أجل تقمص شخصية الشخص الآخر؛ لأغراض مالية أو غيرها.
غالبًا ما يكون الغرض من انتحال الشخصية هو الغرض المادي، وأكثر ما يكون ذلك في البطاقات الائتمانية.
ولكن انتحال الشخصية قد يكون الغرض منه غير مادي:
كتشويه صورة اُلمنْتَحَل شخصيته، بأن ينشر المنتحِل أفكارًا أو مقالات فيها أفكار مغلوطة لا يتبناها من نسبت إليه، أو قد تكون أفكارًا مبتورة، أو معلومات محرفة، أو كلامًا أخرج من سياقه، إلى غير ذلك من الطرق الكثيرة المنتشرة لتشويه صورة بعض الشخصيات.
أو قد يكون الهدف من انتحال الشخصية: الترويج لبعض الأفكار، وذلك كأن يقوم بعضهم بانتحال شخصية أحد المشاهير الذين أعطاهم الله قبولا بين الناس، وينسب إليه بعض الأفكار لكي يروج بين الناس أن فلانًا يتبنى هذه الفكرة فيكون لهذه الفكرة قبولاً بينهم.
أو قد يكون الهدف من انتحال الشخصية: نشر بعض الأخبار المزيفة، فإذا انتحل من يريد نشر تلك الأخبار شخصية لها مكانتها، ونسب إليها خبرًا ما، فإن الخبر سيكون له رواج بين الناس.
وفي بعض الأحيان يكون الهدف من انتحال الشخصية: تشويه شخصية أخرى، فإذا قام أحدهم بانتحال شخصية بعض المشاهير، ثم نسب إليه كلامًا ضد شخصية أخرى، فإن تلك الشخصية تتأثر سلبًا بهذا القدح، مما يقلل من مكانتها بين الناس.
وإذا كان انتحال الشخصية يتم في المجال غير الإلكتروني، فإنه أيضًا يتم في المجال الإلكتروني البحت، ولذلك صور منها:
انتحال البريد الإلكتروني:
يقوم بعض الأشخاص بإرسال رسائل إلكترونية باستخدام البريد الإلكتروني لأناس آخرين، فإذا قام شخص بسرقة مجموعة من المعرفات البريدية ثم قام بإرسال رسائل إلكترونية إلى الأشخاص الموجودين في قائمة العناونين الخاصة بأصحاب تلك المعرفات، فإنه من خلال ذلك يستطيع أن يروّج لسلع، أو ينشر بعض الأفكار، أو يشوّه بعض الشخصيات.
وبعضهم لا يقوم بسرقة المعرفات، بل يقوم باختراقها، أو اختراق أجهزة أصحابها، ثم يقوم بإرسال تلك الرسائل من غير أن يشعر أصحابها، فيكون أثرها أقوى؛ لأنه لو قام بسرقة المعرّف فإن صاحبه سيرسل إلى من يعرفهم أنه قد تم سرقة بريده، ويتبرأ مما يرسل عن طريق هذا المعرف، ولكن لو استخدمه أثناء استخدام صاحبه، فإن صاحبه لن يشعر، والمرسل إليهم سيثقون غالبًا بتلك الرسائل.
انتحال الشخصية الاعتبارية للمواقع الإلكترونية:
المواقع الإلكترونية لها شخصية اعتبارية، وبعض المواقع تتمتع بمصداقية قوية، والأخبار التي تنشرها، والمعلومات التي تضعها في موقعها لها مصداقيتها عند كثير من متصفحي الإنترنت، فقد يخترق بعض القراصنة بعض تلك المواقع، ويبث فيها بعض الأخبار المكذوبة، أو المعلومات المغلوطة، لتشويه صورة ذلك الموقع.
انتحال المعرفات الإلكترونية:
هناك في عالم الإنترنت شخصيات تكتب بأسماء مستعارة في المنتديات، أو أسماء تمتلك حسابات إلكترونية في بعض المواقع وخاصة المواقع الاجتماعية، وبعض هذه الشخصيات تمتلك جمهورًا عريضًا، وقرّاء كثرًا، فقد يقوم بعض الناس بانتحال تلك الشخصية الإلكترونية، والكتابة بذلك الاسم لسبب من الأسباب التي سبق ذكرها.
أو قد تقوم تلك الشخصيات الإلكترونية بانتحال أسماء بعض الشخصيات المشهورة، ثم الكتابة باسمه في المنتديات الإلكترونية.

حكم المسألة

انتحال الشخصية مع استخدامها بما يضر بصاحبها أدبيًا لاشك في حرمته، وخاصة إذا كان ذلك مضرًا بمن انتحلت شخصيته، وهذا هو الغالب، ويدل لذلك عدة أدلة، منها:

أولاً: الأدلة الدالة على وجوب الصدق وحرمة الكذب.

ثانيًا: الأدلة الدالة على حرمة الضرر.

ثالثًا: الأدلة الدالة على حرمة الغش والتدليس.

رابعًا: أن انتحال الشخصية يؤدي إلى مفاسد كثيرة، ومنها:

الإضرار ببعض الشخصيات، وعدم الثقة فيما يكتب في الإنترنت وغيرها، والترويج للكذب والأخبار المغلوطة، والترويج لبعض الأفكار المنحرفة من خلال استخدام بعض الشخصيات العلمية.

وأمرٌ يؤدي إلى تلك المفاسد فإن قواعد الشرع تقتضي تحريمه.

 

أما العقوبة التي يستحقها من قام بانتحال شخصية بما يضر بصاحبها فهي ما يلي:

أولاً: التعزير، فيعزر القاضي منتحل الشخصية بما يراه رادعًا له، مانعًا لغيره.

ثانيًا: التعويض عن الضرر، فقد يؤدي انتحال الشخصية إلى أضرار مادية وأدبية بالشخصية، وعند ذلك يُشْرَع تعويضُ صاحب الشخصية عن الضرر الذي لحق به.

وأما انتحال الشخصية مع استخدامها بما لا يضر بصاحبها أدبيًا حيث ينتحل بعض الأشخاص إحدى الشخصيات العامة لكي يقوم للترويج لبعض الأفكار، وقد يفعل بعضهم يفعل ذلك بحسن نية، من أجل إشاعة الخير، أو التحذير، وإذا كان بعض جهلة الوعاظ الزهاد وضع أحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم من أجل حث الناس على الخير، فلا عجب أن نجد بعض الكتبة ينتحل بعض الشخصيات للترويج لبعض ما يراه صحيحًا، ولكن الغاية لا تبرر الوسيلة.

أو قد ينتحل الشخصية من أجل أن يضخم نفسه ببعض التزكيات من بعض المشاهير، أو يكتب ببعض الأسماء لكي يكون له قبول، إلى غير ذلك من الطرق التي لا يكون فيها ضرر على صاحب الشخصية المنتحلة، فما حكم مثل هذا الفعل؟

 

فهذا الفعل محرمٌ أيضًا، ويدل للتحريم عدة أمور:

الأمر الأول: أن هذا الفعل داخل في عموم الكذب، والكذب لا شك في تحريمه.

الأمر الثاني: أن هذا الانتحال للشخصية إلم يضر بالشخصية المنتحلة فإنه يضر بالمجتمع، إما بترويج أفكار خاطئة، أو أخبار مكذوبة، أو تصدير لبعض الشخصيات التي لا تستحق التصدير، أو غير ذلك.

الأمر الثالث: أن هذا الفعل قد يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: «المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور» [رواه البخاري (5209)، مسلم (2130)].

ووجه الدلالة من الحديث: أن من انتحل شخصية غيره، فهو قد تظاهر وتزين بشيء ليس له، ولم يحصل عليه، فهو كلابس ثوبي زور، وهذا فيه دلالة على تحريم هذا الفعل وما يماثله.

المراجع

• الاعتداء الإلكتروني دراسة فقهية (رسالة دكتوراه ـ الفقه ـ كلية الشريعة)، د. عبد العزيز الشبل (479) فما بعدها.
• قضايا أمن المعلومات في التجارة الإلكترونية، نورة محمد الراشد.
• فتاوى الشبكة الإسلامية ( فتوى رقم 95368 ).

مسائل ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى