ظهر في الأزمان المتأخرة ازدحام شديد في مشاعر الحج بحيث تمتلئ بالحجاج، فهل يعفي هذا الزحام الشديد الحاج من الوقوف بعرفة، ويكتفي بالوقوف بنمرة أو عرنة مما يقرب من عرفة؟
اتفقت جماهير أهل العلم من السلف والخلف على أن الوقوف بعرنة لا يجزئ، وأن نمرة ليست من عرفة فلا يجزئ الوقوف بها لا مع الزحام ولا مع عدمه([1]).
واستدلوا:
الدليل الأول: ما رواه جابر رضي الله عنه قال: قال النبي ﷺ : (كل عرفة موقف وارتفعوا عن بطن عرنة، وكل مزدلفة موقف، وارتفعوا عن بطن محسر…)، [مالك في الموطأ (1/388)، وابن ماجه (3012)، وابن خزيمة (4/254)، وابن حبان (9/166)].
وجه الاستدلال: أن فيه نصا على منع الوقوف في بطن عرنة، والنهي عنه يقتضي عدم إجزاء الوقوف فيه.
الدليل الثاني: إجماع أهل العلم على أن الوقوف بعرنة لا يجزئ.
الدليل الثالث: أن اتجاه حركة النبي ﷺ في يوم عرفة يدل على أن نمرة قبل عرفة، ففي حديث جابر رضي الله عنه (فأجاز رسول الله ﷺ حتى أتى عرفة، وجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء، فرحلت، فأتى بطن الوادي، فخطب الناس، ثم ركب حتى أتى الموقف…) [مسلم (1218)].
فالحديث يدل على أن نمرة قبل عرفة؛ لأنه توقف فيها، ثم سار متجها شرقا إلى الوادي، ثم إلى الموقف، ولو كانت نمرة بعد عرنة من جهة عرفة لكان مسيره شرقا إلى نمرة، ثم رجع غربا إلى عرنة ثم رجع شرقا إلى الموقف، وهذا غير متجه.
الدليل الرابع: ماذكره أهل المعرفة بمكة من أن نمرة تقع قبل عرفة غربا، وهي بينها وبين مزدلفة، وأما تسمية مسجد عرفة الذي يقع جزء منه بمسجد نمرة فهي تسمية حادثة، وقد كان مسجد عرنة يسمى سابقا مسجد إبراهيم.
الدليل الخامس: أن وقت الوقوف بعرفة يمتد من بعد الزوال حتى طلوع فجر يوم النحر، وعليه فيمكن للحاج الوقوف خلال هذا الوقت الطويل ولو كان الزحام شديدا.
الدليل السادس: أن الوقوف بعرفة يكفي فيه المرور؛ حتى ولو لم يبق فيها، إلا إذا وقف نهارا لزمه أن يقف إلى غروب الشمس، ولذا لا يتصور ترك الوقوف بعرفة لأجل الزحام.
([1]) المبسوط (4/17)، تبيين الحقائق (2/23)، المفهم للقرطبي (2/343)، بداية المجتهد (1/349)، المجموع (8/105)، أسنى المطالب (1/486)، المغني (5/267)، كشاف القناع (2/492)، مجموع فتاوى ابن تيمية (26/129)، فتاوى محمد بن إبراهيم (6/29)، مفيد الأنام لابن جاسر ص(295)، فتاوى ابن عثيمين (23/21)، أخبار مكة للأزرقي (1/180)، أخبار مكة للفاكهي (4/328).