المقصود بالمرض الوراثي (Hereditary disease): المرض الذي ينتج كليًا أو جزئيًا، بسبب غياب بعض الجينات، أو بسبب جينات لا تعمل كما ينبغي.
والوراثة (Heredity): هي عملية نقل المعلومات من جيل إلى جيل، فهي عملية تتضمن انـتقال خصيصة أو أكثر إلى الطفل، من الأب والأم.
ويمكن أن تقسم الأمراض الوراثية باعتبار متعلقها إلى عدة أنواع:
النوع الأول: الاعتلالات الصبغية (الكروموسومات ):
والكروموسوم (Chromosomes): هو جسيم خيطي في نواة الخلية، يحتوي على مقومات عمليات الحياة في شكل جينات. وهناك (46) ستة وأربعون كروموسومًا في جميع خلايا الإنسان باستثناء بييضة الأنثى والمني، فكل منهما يحوي (23) ثلاثة وعشرين كروموسومًا، والكروموسومات الستة والأربعون منتظمة في (23) ثلاثة وعشرين زوجًا، ومن أمثلة الأمراض الوراثية الناتجة عن اعتلال الصبغات (الكروموسومات): متلازمة داون (الطفل المنغولي) (Down Syndrome)، ومنها كذلك متلازمة كلينفلتر (Klinefelter syndrome)، ومتلازمة إدوارد (Edwardssyndrome).
النوع الثاني: اعتلالات المورث الآحادي (خلل في الجينات ):
والجينات: عبارة عن التعليمات التي تجعل البشر والحيوانات والنباتات تعمل، وهي موجودة داخل الخلايا التي تتكون منها كل الكائنات الحية، وتتكون الجينـات من مادة كيميائية تسمـى الحمض النووي.
وينتج عن اعتلال المورث الآحادي عدد من الأمراض الوراثية من أبرزها ما يلي:
مرض الخلية المنجلية (فقر الدم المنجلي ) (Sickle cell anaemia)،والثلاسيميا (أنيميا البحر المتوسط ) (Thalassemia)بنوعيها الألفا ثلاسيميا والبيتا ثلاسيميا، ومنها التليف الكيسي (CysticFibrosis)، ومنها: مرض ويلسون (Wilsons Diseases)، ومرض الودانة (Achondroplasia).
النوع الثالث: الاعتلالات متعددة العوامل:
ومن أمثلتها: مرض السكري (Diabetes)، وارتفاع ضغط الدم (High Blood pressure)، ومرض السرطان (cancer).
عافانا الله وسلمنا والقراء وجميع المسلمين من جميع الأمراض ومن كل سوء، وشفى الله مرضانا ومرضى المسلمين.
هناك عدد من الوسائل الشرعية لحماية الأسر والمجتمعات من الأمراض الوراثية، وهذه الوسائل منها ما هو قبل حصول النكاح ومنها ما هو بعده.
فأما التي قبل حصول النكاح فمنها ما يلي:
الوسيلة الأولى: الفحص الطبي قبل الزواج، وقد اختلف الفقهاء في حكمه على قولين سبق بيانهما.(راجع مادة: الوقاية من الأمراض المعدية والوبائية)
الوسيلة الثانية: الحث على عدم الزواج من الأقارب، وقد اختلف الفقهاء فيه على قولين:
القول الأول: أن الأفضل نكاح الأجنبيات، وقد ذهب إليه جمهور فقهاء الشافعية والحنابلة، وبعض الفقهاء والباحثين المعاصرين، واستدل أصحاب هذا القول فيما ذهبوا إليه بأدلة منها مايأتي:
- ما جاء في بعض الآثار الضعيفة التي تنهى عن نكاح القريبة وتحث على نكاح الأجنبية ومنها: حديث: (لا تنكحوا القرابة القريبة فإن الولد يخلق ضاويًا)(قال الألباني – في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة ح 5365: لاأصل له).
- أن ولد الأجنبية يكون أنجب من ولد القريبة.
- أنه لا يؤمن من حصول عداوة في النكاح، فيفضي ذلك إلى الطلاق، وقد ينتج عنه قطيعة الرحم.
- أن زواج الأجنبية وسيلةٌ إلى توسيع دائرة التعارف الأسرية، وتمتين الروابط الاجتماعية، والتي هي من مقاصد النكاح.
القول الثاني: أن الأمر في ذلك مباح، والمباح مستوي الطرفين: الفعل والترك،فلا كراهة في زواج الأقارب، وهذا قول عند الشافعية، وبعض الفقهاء والباحثين المعاصرين، وقد استدل أصحاب هذا القول بأدلة منها:
- أن الله سبحانه وتعالى بعد أن بين المحرمات في النكاح قال: (وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَٰلِكُمْ) جزء من الآية 24 من سورة النساء مما يدل على أن ما عدا ما ذكرن من المحرمات فهن حلال ومنهن القريبة.
- ومن الأدلة قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ … ) جزء من الآية 50 من سورة الأحزاب،و هذا نص قرآني يدل على إباحة القريبات من النساء للرجل دون كراهة.
- أنه لم يثبت عن رسول الله ﷺ نهي عن الزواج من القريبات أو ترغيب في نكاح الأجنبيات، بل تعلق الأمر والنهي بأشياء غير القرابة والبعد.
- أن النبي ﷺ تزوج من أقاربه، وزوج أقاربه.
وأما التي بعد النكاح فمنها ما يلي:
أولاً: إمكان فسخ النكاح بسبب المرض الوراثي: حيث يعتبر المرض الوراثي عيبًا يجوز به فسخ النكاح قياسًا على عيوب النكاح الأخرى، فإن عيوب النكاح لا تخرج بالجملة عن ثلاثة أمور: كونها مانعة من الوطء، أو مخلة بالاستمتاع أو كماله، أو يخشى تعديها إلى النفس أو النسل، ومن الأمراض الوراثية ما يمكن تعديه، ولكن إذا أقدم الزوج على العقد عالمًا بالعيب فليس له أن يفسخ النكاح لذلك العيب، كما أن الإصابة بهذا المرض الوراثي أمر محتمل، فإذا كانت زوجته مناسبة له، وهو مناسب لها، فخيار الفسخ لا يلائم حالتهما.
ثانيًا: منع الإنجاب بسبب المرض الوراثي: ومنع الإنجاب على نوعين: مؤقت، ودائم. فأما المؤقت فلا مانع منه، متى كان الزوجان حريصين على العلاج وتلافي المرض الوراثي، أما الدائم فلا يجوز إلا أن تدعو إلى ذلك ضرورة يثبتها الأطباء ويفتي فيها أهل العلم بالجواز.
ثالثًا: إجهاض الجنين بسبب المرض الوراثي: فيجوز إجهاض الجنين المشوه قبل نفخ الروح فيه، أما بعد نفخ الروح فيه فلا يجوز إجهاضه إلا إذا خشي على حياة أمه، أو تحقق الأطباء من أن حياته غير ممكنة أو أن تشوهه لا يمكن -طبيًا- أن يعيش صاحبه.
(راجع مادة:إجهاض)
رابعا: اختيار جنس الجنين بسبب المرض الوراثي: حيث إن هناك عددًا من الأمراض الوراثية تتأثر بجنس الجنين فمرض النقرس مثلًا يكثر عند الذكور، ومرض السلسلة المشقوقة وغياب المخ يكثر عند الإناث، وبالتالي متى أمكن تفادي حدوث هذه الأمراض الوراثية بطرق طبية يمكن من خلالها اختيار جنس الجنين جاز.(راجع مادة: تحديد جنس الجنين).
1. فقه النوازل، محمد حسين الجيزاني، دار ابن الجوزي، ط.1، 1426.
2. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ترتيب: أحمد الدويش، نشر الرئاسة العلمية للبحوث والإفتاء.
3. قضايا الصحة الإنجابية، ناصر الدين الشاعر، مجلة النجاح، العدد الثاني، السنة 2005م.
4. أهمية الثقافة الطبية للخطاب وفحصهم قبل الزواج، ياسين غادي، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية الكويتية، العدد الأربعون، السنة 1420.
5. الكشف الإجباري عن الأمراض الوراثية، محمد عبدالغفار الشريف،مجلة الشريعة والقانون بالأزهر، العدد الثاني والعشرون.
6. إجهاض الجنين المشوه وحكمه في الشريعة الإسلامية، مسفر علي القحطاني مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية الكويتية، العدد الرابع والخمسون، السنة 1424.
7. أثر الأمراض الوراثية على الحياة الزوجية، منال محمد العشي، بحث ماجستير غير منشور من كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية بغزة، السنة 1429هـ.
8. الأحكام الطبية المتعلقة بالنساء في الفقه الإسلامي، محمد خالد، ط.1، 1419هـ
9. الفحص الطبي قبل الزواج والأحكام الفقهية المتعلقة به، عبدالفتاح أحمد أبو كيلة، دار الفكر الجامعي، ط.1، 2008م.
10. زواج الأقارب بين العلم والدين، د. علي السالوس، دار السلام، الطبعة الرابعة، 1429.
11. منهج الإسلام في سلامة الذرية من الأمراض الوراثية، محمد الصالح، العبيكان، الطبعة الثانية، 1425.
مقدمة عن الجينات والحمض النووي، آنا كلاينورن ترجمة: ليلى سعدو، شركة نهضة مصر للطباعة، ط.1، 2007م.
12. الجنين المشوه والأمراض الوراثية، د. محمد البار، دار القلم، ط.1، 1411.
13. أخلاقيات الاسترشاد الوراثي، محسن الحازمي، العبيكان، ط.1، 1424.
14. اختبارات علم الوراثة، كلودين، ترجمة: شاهين، عويدات للنشر، ط1، 2002م