أن تقوم شركة بإدارة عملية البيع والشراء على العملات الورقية, وأسهم الشركات، وسندات القروض التجارية والحكومية، والبضائع، سواءً ماكان من هذه العقود على معجل، وماكان منها على مؤجل.
ذهب مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي, ودار الإفتاء المصرية إلى أن الحكم على البورصة لا يمكن أن يعطى حكمًا واحدًا , ولكن الحكم يتعلق بكل مسألة على حداها, وقد فصّل مجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي الحكم في ذلك، وخلاصته ما ذكرته دار الإفتاء المصرية: بأن التعامل في البورصة جائز شرعًا, ما دام بنية التجارة لا التلاعب بالأسواق، على أن يكون نشاط الشركة مباحًا، وأن يكون للشركة أصول وأوراق ثابتة ومعلومة، فإذا توافرت تلك الشروط فالبيع فيها جائز؛ لأن البورصة في الأصل هي وسيلة للتمويل, وليست سوقًا للقِمار، فمَن حَوَّلها عن مقصودها فهو آثم شرعًا.
قرارات المجامع الفقهية والهيئات الشرعية والفتاوى العلمية.
أولًا: قرارات المجامع الفقهية: ـ
قرر مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في جلسته السابعة المنعقدة في المدة من 11 – 16 ربيع الثاني من عام 1404، قرر ما يلي:
إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، قد نظر في موضوع سوق الأوراق المالية والبضائع (البورصة)، وما يعقد فيها من عقود: بيعا وشراء على العملات الورقية وأسهم الشركات، وسندات القروض التجارية والحكومية، والبضائع، وماكان من هذه العقود على معجل، وماكان منها على مؤجل. كما اطلع مجلس المجمع، على الجوانب الإيجابية المفيدة لهذه السوق في نظر الاقتصاديين والمتعاملين فيها، وعلى الجوانب السلبية الضارة فيها.
(أ) فأما الجوانب الإيجابية المفيدة فهي:
أولًا : أنها تقيم سوقا دائمة، تسهل تلاقي البائعين والمشترين، وتعقد فيها العقود العاجلة والآجلة، على الأسهم والسندات والبضائع.
ثانــيًا: أنها تسهل عملية تمويل المؤسسات الصناعية، والتجارية، والحكومية، عن طريق طرح الأسهم وسندات القروض للبيع.
ثالـثًا: أنها تسهل بيع الأسهم، وسندات القروض للغير، والانتفاع بقيمتها، لأن الشركات المصدرة لها، لا تصفي قيمتها لأصحابها.
رابعـًا: أنها تسهل معرفة ميزان أسعار الأسهم، وسندات القروض والبضائع، وتموجاتها في ميدان التعامل، عن طريق حركة العرض والطلب.
(ب) وأما الجوانب السلبية الضارة في هذه السوق فهي:
أولًا: أن العقود الآجلة التي تجري في هذه السوق، ليست في معظمها بيعا حقيقيًا، ولا شراء حقيقيًا، لأنها لا يجري فيها التقابض بين طرفي العقد, فيما يشترط له التقابض في العوضين أو في أحدهما شرعًا.
ثانيـًا: أن البائع فيها غالبا يبيع ما لا يملك، من عملات، أو أسهم، أو سندات قروض، أو بضائع، على أمل شرائه من السوق، وتسليمه في الموعد، دون أن يقبض الثمن عند العقد، كما هو الشرط في السلم.
ثالثـًا: أن المشتري فيها غالبا يبيع ما اشتراه لآخر قبل قبضه، والآخر يبيعه أيضا لآخر قبل قبضه، وهكذا يتكرر البيع والشراء على الشيء ذاته، قبل قبضه، إلى أن تنتهي الصفقة إلى المشترى الأخير, الذي قد يريد أن يتسلم المبيع من البائع الأول، الذي يكون قد باع ما لا يملك، أو أن يحاسبه على فرق السعر في موعد التنفيذ، وهو يوم التصفية، بينما يقتصر دور المشترين والبائعين غير الأول والأخير، على قبض فرق السعر في حالة الربح، أو دفعه في حالة الخسارة، في الموعد المذكور، كما يجري بين المقامرين تماما.
رابعـًا: مايقوم به المتمولون، من احتكار الأسهم والسندات والبضائع في السوق، للتحكم في البائعين, الذين باعوا ما لا يملكون، على أمل الشراء قبل موعد تنفيذ العقد بسعر أقل، والتسليم في حينه، وإيقاعهم في الحرج.
خامسًا: أن خطورة السوق المالية هذه تأتي من اتخاذها وسيلة للتأثير في الأسواق بصفة عامة ،لأن الأسعار فيها لاتعتمد كليا على العرض والطلب, الفعليين من قبل المحتاجين إلى البيع أو إلى الشراء، وإنما تتأثر بأشياء كثيرة بعضها مفتعل من المهيمنين على السوق، أو من المحتكرين للسلع، أو الأوراق المالية فيها، كإشاعة كاذبة أو نحوها، وهنا تكمن الخطورة المحظورة شرعا، لأن ذلك يؤدي إلى تقلبات غير طبيعية في الأسعار، مما يؤثر على الحياة الاقتصادية تأثيرًا سيئًا, وعلى سبيل المثال لا الحصر: يعمد كبار الممولين إلى طرح مجموعة من الأوراق المالية من أسهم أو سندات قروض، فيهبط سعرها لكثرة العرض، فيسارع صغار حملة هذه الأوراق إلى بيعها بسعر أقل، خشية هبوط سعرها أكثر من ذلك وزيادة خسارتهم، فيهبط سعرها مجددًا بزيادة عرضهم، فيعود الكبار إلى شراء هذه الأوراق بسعر أقل، بغية رفع سعرها بكثرة الطلب، وينتهي الأمر بتحقيق مكاسب للكبار، وإلحاق خسائر فادحة بالكثرة الغالبة، وهم صغار حملة الأوراق المالية، نتيجة خداعهم بطرح غير حقيقي لأوراق مماثلة، ويجري مثل ذلك أيضا في سوق البضائع، ولذلك قد أثارت سوق البورصة جدلا كبيرا بين الاقتصاديين، والسبب في ذلك أنها سببت في أوقات معينة، من تاريخ العالم الاقتصادي، ضياع ثروات ضخمة، في وقت قصير، بينما سببت غنى للآخرين دون جهد، حتى إنهم في الأزمات الكبيرة التي اجتاحت العالم، طالب الكثيرون بإلغائها، إذ تذهب بسببها ثروات، وتنهار أوضاع اقتصادية في هاوية، وبوقت سريع، كما يحصل في الزلازل والانخسافات الأرضية.
ولذلك كله، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، بعد اطلاعه على حقيقة سوق الأوراق المالية والبضائع (البورصة), ومايجري فيها من عقود عاجلة وآجلة على الأسهم وسندات القروض، والبضائع والعملات الورقية، ومناقشتها في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية يقرر مايلي:
أولًا: أن غاية السوق المالية (البورصة), هي إيجاد سوق مستمرة ودائمة، يتلاقى فيها العرض والطلب، والمتعاملون بيعا وشراء، وهذا أمر جيد ومفيد، ويمنع استغلال المحترفين للغافلين والمسترسلين، الذين يحتاجون إلى بيع أو شراء، ولا يعرفون حقيقة الأسعار، ولايعرفون المحتاج إلى البيع، ومن هو محتاج إلى الشراء. ولكن هذه المصلحة الواضحة، يواكبها في الأسواق المذكورة (البورصة)، أنواع من الصفقات المحظورة شرعا، والمقامرة، والاستغلال، وأكل أموال الناس بالباطل، ولذلك لا يمكن إعطاء حكم شرعي عام بشأنها، بل يجب بيان حكم المعاملات, التي تجري فيها، كل واحدة منها على حدة.
ثانيًا: أن العقود العاجلة على السلع الحاضرة الموجودة في ملك البائع، التي يجري فيها القبض فيما يشترط له القبض في مجلس العقد شرعًا، هي عقود جائزة، ما لم تكن عقودًا على محرم شرعًا, أما إذا لم يكن المبيع في ملك البائع، فيجب أن تتوافر فيه شروط بيع السلم، ثم لايجوز للمشتري بعد ذلك بيعه قبل قبضه.
ثالثًا: أن العقود العاجلة على أسهم الشركات والمؤسسات، حين تكون تلك الأسهم في ملك البائع جائزة شرعًا، ما لم تكن تلك الشركات أو المؤسسات موضوع تعاملها محرم شرعا، كشركات البنوك الربوية، وشركات الخمور، فحينئذ يحرم التعاقد في أسهمها بيعا وشراء.
رابعًا: أن العقود العاجلة والآجلة، على سندات القروض بفائدة، بمختلف أنواعها غير جائزة شرعًا، لأنها معاملات تجري بالربا المحرم.
خامسًا: أن العقود الآجلة بأنواعها، التي تجري على المكشوف، أي على الأسهم والسلع التي ليست في ملك البائع، بالكيفية التي تجري في السوق المالية (البورصة) غير جائزة شرعًا؛ لأنها تشتمل على بيع الشخص ما لا يملك اعتمادًا على أنه سيشتريه فيما بعد، ويسلمه في الموعد. وهذا منهي عنه شرعًا, لما صح عن رسول الله ﷺ أنه قال: «لا تبع ما ليس عندك» [أخرجه أبو داود (رقم 3503) والنسائي في الكبرى (رقم 6206) وابن ماجه (رقم 2187) والترمذي (رقم 1232) وحسنه البيهقي كما ذكره صاحب خلاصة البدر المنير (2/51 رقم 350)]. وكذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه : أن النبي ﷺ نهى أن تباع السلع حيث تبتاع، حتى يحوزها التجار إلى رحالهم» [أخرجه أبو داود (رقم 3499) وصححه ابن حبان كما ذكره ابن حجر في فتح الباري (4/350)].
سادسًا: ليست العقود الآجلة في السوق المالية (البورصة) من قبيل بيع السلم الجائز في الشريعة الإسلامية، وذلك للفرق بينهما من وجهين:
(أ) في السوق المالية (البورصة) لايدفع الثمن في العقود الآجلة في مجلس العقد، وإنما يؤجل دفع الثمن إلى موعد التصفية، بينما الثمن في بيع السلم يجب أن يدفع في مجلس العقد.
(ب) في السوق المالية (البورصة) تباع السلعة المتعاقد عليها – وهي في ذمة البائع الأول – وقبل أن يحوزها المشتري الأول عدة بيوعات، وليس الغرض من ذلك إلا قبض أو دفع فروق الأسعار بين البائعين والمشترين غير الفعليين، مخاطرة منهم على الكسب والربح، كالمقامرة سواء بسواء، بينما لا يجوز بيع المبيع في عقد السلم قبل قبضه. وبناء على ماتقدم، يرى المجمع الفقهي الإسلامي: أنه يجب على المسؤولين في البلاد الإسلامية، ألا يتركوا أسواق البورصة في بلادهم حرة، تتعامل كيف تشاء من عقود وصفقات، سواء أكانت جائزة أو محرمة، وألا يتركوا للمتلاعبين بالأسعار فيها أن يفعلوا مايشاؤون، بل يوجبون فيها مراعاة الطرق المشروعة في الصفقات, التي تعقد فيها، ويمنعون العقود غير الجائزة شرعا، ليحولوا دون التلاعب, الذي يجر إلى الكوارث المالية، ويخرب الاقتصاد العام، ويلحق النكبات بالكثيرين، لأن الخير كل الخير في التزام طريق الشريعة الإسلامية في كل شيء، قال الله تعالى:( وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) [الأنعام: 153]. والله سبحانه هو ولي التوفيق، والهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثانيًا: قرارات وفتاوى الهيئات الشرعية:
2/ فتوى دار الإفتاء المصرية.
سئلت لجنة الفتوى عن موضوع المضاربة في البورصة ([1]).
فأجابت بما يلي:…
التعامل في البورصة جائز شرعًا, ما دام بنية التجارة لا التلاعب بالأسواق، على أن يكون نشاط الشركة مباحًا، وأن يكون للشركة أصول وأوراق ثابتة ومعلومة، فإذا توافرت تلك الشروط فأموالك حلال, ولا شيء فيها؛ لأن البورصة في الأصل هي وسيلة للتمويل, وليست سوقًا للقِمار، فمَن حَوَّلها عن مقصودها فهو آثم شرعًا.
[1]) ينظر : نص السؤال في فتوى رقم: (35) .