قسم المعاملات الماليةباب المضاربة

المضاربة المشتركة

المسألة رقم 149

العناوين المرادفة

المضاربة الجماعية.

صورة المسألة

أن يتعهد فيها مستثمرون عديدون, إلى شخص طبيعي أو معنوي، باستثمار أموالهم، ويطلق له غالبًا الاستثمار بما يراه محققًا للمصلحة، وقد يقيد بنوع خاص من الاستثمار، مع الإذن له صراحة أو ضمنًا بخلط أموالهم بعضها ببعض، أو بماله، أو موافقته أحيانًا على سحب أموالهم كليًّا أو جزئيًّا عند الحاجة بشروط معينة.
وللمضاربة المشتركة ثلاث صور، هي:
الصورة الأولى: أن يكون رب المال واحدا والعامل متعددا،أو يضارب لرب المال واحد, ويأذن رب المال له بالاستعانة بغيره, فيتفق المضارب مع واحد أو أكثر, ليعملوا معه في هذا المال.
الصورة الثانية: أن يكون المضارب واحدًا, ويكون أرباب الأموال متعددين، وقد يكون ذلك منهم جميعا في عقد واحد، أو على التتابع في عقود مختلفة.
الصورة الثالثة: أن يكون كل من رب المال والعامل متعددين( ).

حكم المسألة

ذهب مجمع الفقه الإسلامي الدولي, والمجمع الفقهي الإسلامي, والهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي إلى جواز المضاربة المشتركة.

ويشتمل هذا العقد على أطراف ثلاثة:

الأول: أصحاب الأموال، والثاني: المؤسسة الاستثمارية الإسلامية، التجار المتعاملون مع المؤسسة الإسلامية، الذين يقومون فعلا بتنمية هذه الأموال.

وأما العلاقة بين المؤسسة الإسلامية وبين التجار المتعاملين معها، فهي علاقة مضاربة فردية باتفاق عامة الفقهاء المعاصرين، وهي مشروعة بالاتفاق.

فأما العلاقة بين المؤسسة الإسلامية وأصحاب الأموال، فهي المختلف فيها, وفي سبيل الوصول إلى بيان حكم هذا العقد: لابد من تبيين طبيعة هذا العقد، وتكييفه الفقهي، وقد تعرض الفقهاء المعاصرون لهذا الموضوع، واختلفوا فيه على آراء:

1/اتجه أكثر المعاصرين من الباحثين والفقهاء إلى أن المضاربة المشتركة على النهج المتقدم هي مضاربة فردية مطوَّرة، بين أرباب الأموال والمؤسسة المالية الإسلامية، حيث يقوم أرباب الأموال مقام رب المال في المضاربة الفردية، وتقوم المؤسسة الإسلامية مقام العامل المضارب، ويعطى كل طرف حكمه فيها، ولا تتميز عنها إلا ببعض الفوارق غير المؤثرة، ثم حاول هؤلاء الفقهاء دراسة هذه الفوارق، وبيان عدم تأثيرها في صحة المضاربة.

2/ واتجه آخرون إلى أن أصحاب الأموال شركاء للمؤسسة الإسلامية، والعقد بينهما فيها عقد شركة أموال، وليس عقد مضاربة، حيث إن المؤسسة تضيف أموال أرباب الأموال إلى أموالها، وتخلطها معها، وتتجر بالجميع معا، ثم تقتسم الربح بينها وبينهم.

3/ واتجه فريق ثالث إلى أن العلاقة بين أرباب الأموال والمؤسسة الإسلامية علاقة إجارة، فأرباب الأموال مستأجرون، والمؤسسة أجير مشترك يدير المال لهم بأمرهم، بمقابل ما يأخذه منهم من حصة في الربح.

 

قرارات المجامع الفقهية والهيئات الشرعية والفتاوى العلمية.

أولًا: قرارات المجامع الفقهية: ـ

1/قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الثالثة عشرة بدولة الكويت من 7 إلى 12 شوال 1422، الموافق 22 – 27 كانون الأول (ديسمبر) 2001م، بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة إلى المجمع بخصوص موضوع (القراض أو المضاربة المشتركة في المؤسسات المالية “حسابات الاستثمار”), وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حول الموضوع بمشاركة أعضاء المجمع وخبرائه.قرر ما يلي:

أولًا: تعريف المضاربة المشتركة:

المضاربة المشتركة هي المضاربة التي يعهد فيها مستثمرون عديدون ـ معًا أو بالتعاقب ـ إلى شخص طبيعي أو معنوي، باستثمار أموالهم. ويطلق له غالبًا الاستثمار بما يراه محققًا للمصلحة، وقد يقيد بنوع خاص من الاستثمار، مع الإذن له صراحة أو ضمنًا بخلط أموالهم بعضها ببعض، أو بماله، وموافقته أحيانًا على سحب أموالهم كليًا أو جزئيًا عند الحاجة بشروط معينة.

ثانيًا: مشروعية المضاربة المشتركة:

هذه المضاربة المشتركة مبنية على ما قرره الفقهاء من جواز تعدد أرباب الأموال، وجواز اشتراك المضارب معهم في رأس المال، وإنها لا تخرج عن صور المضاربة المشروعة في حال الالتزام فيها بالضوابط الشرعية المقررة للمضاربة، مع مراعاة ما تتطلبه طبيعة الاشتراك فيها بما لا يخرجها عن المقتضى الشرعي.

ثالثًا: أطراف المضاربة:

المستثمرون بمجموعهم هم أرباب المال، والعلاقة بينهم ـ بما فيهم المضارب إذا خلط ماله بمالهم ـ هي المشاركة. والمتعهد باستثمار أموالهم هو المضارب، سواء أكان شخصًا طبيعيًّا أم معنويًّا مثل المصارف والمؤسسات المالية. والعلاقة بينه وبينهم هي المضاربة (القراض)، لأنه هو المنوط به اتخاذ قرارات الاستثمار والإدارة والتنظيم. وإذا عهد المضارب إلى طرف ثالث بالاستثمار, فإنها مضاربة ثانية بين المضارب الأول وبين مَن عُهد إليه بالاستثمار، وليست وساطة بينه وبين أرباب الأموال (أصحاب الحسابات الاستثمارية ).

رابعًا: خلط الأموال في المضاربة المشتركة:

لا مانع من خلط أموال أرباب المال بعضها ببعض أو بمال المضارب، لأن ذلك يتم برضاهم صراحة أو ضمنًا، كما أنه في حالة قيام الشخص المعنوي بالمضاربة وتنظيم الاستثمار لا يخشى الإضرار ببعضهم, لتعين نسبة كل واحد في رأس المال، وهذا الخلط يزيد الطاقة المالية للتوسع في النشاط وزيادة الأرباح.

خامسًا: لزوم المضاربة إلى مدة معينة، وتوقيت المضاربة:

الأصل أن المضاربة عقد غير لازم, ويحق لأي من الطرفين فسخه. وهنالك حالتألا يثبت فيهما حق الفسخ، وهما إذا شرع المضارب في العمل, حيث تصبح المضاربة لازمة إلى حين التنضيض الحقيقي أو الحكمي([1])، إذا تعهد رب المال أو المضارب بعدم الفسخ خلال مدة معينة, فينبغي الوفاء، لما في الإخلال من عرقلة مسيرة الاستثمار خلال تلك المدة.

سادسًا: توقيت المضاربة:

لا مانع شرعًا من توقيت المضاربة باتفاق الطرفين، بحيث تنتهي بانتهاء مدتها دون اللجوء إلى طلب الفسخ من أحدهما، ويقتصر أثر التوقيت على المنع من الدخول في عمليات جديدة بعد الوقت المحدد, ولا يحول ذلك دون تصفية العمليات القائمة.

سابعًا: توزيع الربح بطريقة (النمر) في المضاربة المشتركة:

لا مانع شرعًا حين توزيع الأرباح من استخدام طريقة النمر القائمة على مراعاة مبلغ كل مستثمر ومدة بقائه في الاستثمار، لأن أموال المستثمرين ساهمت كلها في تحقيق العائد حسب مقدارها ومدة بقائها, فاستحقاقها حصة متناسبة مع المبلغ والزمن هو أعدل الطرق لإيصال مستحقاتهم إليهم، وإن دخول المستثمرين في المضاربة المشتركة بحسب طبيعتها موافقة ضمنًا على المبارأة عما يتعذر الوصول إليه، كما أن من طبيعة المشاركة استفادة الشريك من ربح مال شريكه، وليس في هذه الطريقة ما يقطع المشاركة في الربح، وهي مشـمولة بالرضا بالنسـب الشائعة الناتجة عنها.

ثامنًا: تأليف لجنة متطوعة لحماية حقوق أرباب المال (لجنة المشاركين ):

حيث إن للمستثمرين (أرباب الأموال) حقوقًا على المضارب, تتمثل في شروط الاستثمار المعلنة منه, والموافق عليها منهم بالدخول في المضاربة المشتركة، فإنه لا مانع شرعًا من تأليف لجنة متطوعة تختار منهم لحماية تلك الحقوق، ومراقبة تنفيذ شروط المضاربة المتفق عليها دون أن تتدخل في قراراته الاستثمارية, إلا عن طريق المشورة غير الملزمة للمضارب.

تاسعًا: أمين الاستثمار:

المراد بأمين الاستثمار أي مصرف أو مؤسسة مالية ذات درجة عالية في التصنيف وخبرة وملاءة مالية, يعهد إليه تسلم الأموال والمستندات الممثلة للموجودات, ليكون مؤتمنًا عليها، ولمنع المضارب من التصرف فيها بما يخالف شروط المضاربة، ولا مانع من ذلك شرعًا بشرط أن يكون ذلك مصرحًا به في النظام (المؤسسة والمضاربة), ليكون المساهمون على بينة، وبشرط ألا يتدخل أمين الاستثمار في القرارات, ولكن يقتصر عمله على الحفظ والتثبت من مراعاة قيود الاستثمار الشرعية والفنية.

عاشرًا: وضع معدل لربح المضاربة وحوافز للمضارب:

لا مانع شرعًا من وضع معدل متوقع للربح, والنص على أنه إذا زاد الربح المتحقق عن تلك النسبة, يستحق المضارب جزءًا من تلك الزيادة، وهذا بعد أن يتم تحديد نسبة ربح كل من الطرفين مهما كان مقدار الربح.

حادي عشر: تحديد المضارب في حال إدارة المضاربة من قبل الشخص المعنوي (المصرف أو المؤسسة المالية):

في حال إدارة المضاربة من قبل شخص معنوي: كالمصارف والمؤسسات المالية، فإن المضارب هو الشخص المعنوي، بصرف النظر عن أي تغيرات في الجمعية العمومية أو مجلس الإدارة أو الإدارة التنفيذية، ولا أثر على علاقة أرباب المال بالمضارب إذا حصل تغير في أي منها, ما دام متفقا مع النظام المعلن والمقبول بالدخول في المضاربة المشتركة، كما لا تتأثر المضاربة بالاندماج بين الشخص المعنوي المدير لها مع شخص معنوي آخر، وإذا استقل أحد فروع الشخص المعنوي, وصارت له شخصية معنوية مغايرة, فإنه يحق لأرباب المال الخروج من المضاربة, ولو لم تنته مدتها.

وبما أن الشخص المعنوي يدير المضاربة من خلال موظفيه وعماله, فإنه يتحمل نفقاتهم، كما يتحمل جميع النفقات غير المباشرة, لأنها تُغطى بجزء من حصته من الربح، ولا تتحمل المضاربة إلا النفقات المباشرة التي تخصها، وكذلك نفقات ما لا يجب على المضارب عمله، مثل مَن يستعين بهم من خارج جهازه الوظيفي.

ثاني عشر: الضمان في المضاربة، وحكم ضمان المضارب:

المضارب أمين ولا يضمن ما يقع من خسارة أو تلف إلا بالتعدي أو التقصير بما يشمل مخالفة الشروط الشـرعية أو قيود الاسـتثمار المحددة, التي تم الدخول على أسـاسها، ويستوي في هذا الحكم المضاربة الفردية والمشتركة، ولا يتغير بدعوى قياسها على الإجارة المشتركة، أو بالاشتراط والالتزام. ولا مانع من ضمان الطرف الثالث, طبقًا لما ورد في قرار المجمع رقم 30 (5/4) فقرة (9).

 

2/قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السادسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة من 21-26/10/1422هـ الذي يوافقه 5-0/1/2002م، قد نظر في موضوع التنضيض الحكمي، والمراد بالتنضيض الحكمي: تقويم الموجـودات من عروض، وديون، بقيمتها النقدية، كما لو تم فعلًا بيع العروض وتحصيل الديون، وهو بديل عن التنضيض الحقيقي، الذي يتطلب التصفية النهائية، للمنشآت وأوعية الاستثمار المشتركة، كالصناديق الاستثمارية، ونحوها وبيع كل الموجودات، وتحصيل جميع الديــون، وبعد استعراض البحوث التي قدمت، والمناقشات المستفيضة حول الموضوع، قرر المجلس ما يأتي:

أولًا: لا مانع شرعًا من العمل بالتنضيض الحكمي(التقويم) من أجل تحديد أو توزيع أرباح المضاربة المشتركة، أو الصناديق الاستثمارية، أو الشركات بوجه عام، ويكون هذا التوزيع نهائيًا، مع تحقق المبارأة بين الشركاء صراحة أو ضمنًا,ومستند ذلك النصوص الواردة في التقويم كقوله صلى الله عليه وسلم: “تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا، أو فيما قيمته ربع دينار فصاعدًا ” متفق عليه، وقوله عليه الصلاة والسلام: ” من أعتق شقصًا له في عبد فخلاصه في ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال قُوِّمَ عليه العبد قيمة عدل، ثم يستسعى في نصيب الذي لم يعتق غير مشقوق عليه” [أخرجه البخاري (رقم 2360) ومسلم (رقم 1503) ] ويستأنس لذلك بما ذكره صاحب المغني في حالة تغير المضارب، (لموته أو لزوال أهليته)، مع عدم نضوض البضائع، فيجوز تقويمها لاستمرار المضاربة بين رب المال ومن يخلف المضارب، فضلًا عن التطبيقات الشرعية العديدة للتقويم، مثل تقويم عروض التجارة للزكاة، وقسم الأموال المشتركة وغير ذلك0

ثانيًا: يجب إجراء التنضيض الحكمي من قبل أهل الخبرة في كل مجال، وينبغي تعددهم بحيث لا يقل العدد عن ثلاثة، وفي حالة تباين تقديراتهم يصار إلى المتوسط منها، والأصل في التقويم اعتبار القيمة السوقية العادلة. والله ولي التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد.

 

ثانيًا: قرارات وفتاوى الهيئات الشرعية:

1/ الهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي.

سئلت الهيئة عن موضوع المضاربة المشتركة ([2]).

فأجابت بما يلي:

إن مبدأ المشاركة في أسهم شركات صناعية تجارية أو زراعية مبدأ مسلم به شرعًا, لأنه خاضع للربح والخسارة, وهو من قبيل المضاربة المشتركة, التي أيدها الشارع على شرط أن تكون هذه الشركات بعيدة عن المعاملة الربوية: أخذا وعطاء, ويفهم من استفتاء سيادتكم أنه ملحوظ عند الإسهام أن هذه الشركات تتعامل بالربا: أخذا وعطاء, وعلى هذا فإن المساهمة فيها تعد مساهمة في عمل ربوي, وهو ما نهى عنه الشارع, والله سبحانه وتعالى أعلم.


[1]) ينظر : كشاف القناع (3/506) والوسيط (4/122) وحاشية البجيرمي (3/154-155) وروضة الطالبين (5/137-141) .

[2]) ينظر : نص السؤال في فتوى رقم: (31) .

المراجع

1/مجمع الفقه الإسلامي الدولي, قرار رقم: 123 (5/13 ).
2/مجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي, الدورة:(16) قرار رقم: (4).
3/ الهيئة الشرعية لبيت التمويل الكويتي, الفتاوى الشرعيةفي المسائل الاقتصادية, (الجزء الأول), فتوى رقم (31).
4/ بحوث في فقه البنوك الإسلامية، ا.د. علي القره داغي، ط. وزارة الشؤون الإسلامية في قطر 2/532.
5/ الخدمات الاستثمارية في المصارف، د. يوسف الشبيلي، دار ابن الجوزي 1/266-267، 2/121.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى