– ضمان الطبيب.
– خطأ الطبيب.
الطب علم وفن متطور يقصد به نفع البشرية، فعلى الطبيب أن يؤدي واجبه بإخلاص حسب الأصول العلمية والفنية، فإذا ترتب على فعله ضرر بالمريض، فهل يكون ضامنًا لما نشأ عن فعله أم لا؟ هذا هو ما يسمى بالمسؤولية الطبية.
كما أن أي نشاط، سواء كان بالفعل أو بالترك، لا يتفق مع القواعد المهنية وينتج عنه ضرر، فإنه يسمى خطأ الطبيب، أو خطأ طبي.
قرر المجمع الفقهي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي سابقا) في دورته الخامسة عشرة أن الطبيب يضمن إذا ترتب على فعله ضرر بالمريض في الحالات الآتية:
1-إذا تعمد إحداث الضرر.
2-إذا كان جاهلًا بالطب، أو بالفرع الذي أقدم على العمل الطبي فيه.
3-إذا كان غير مأذون له من قبل الجهة الرسمية المختصة.
4-إذا أقدم على العمل دون إذن من المريض أو من يقوم مقامه.
5-إذا غرر بالمريض.
6-إذا ارتكب خطأ لا يقع فيه أمثاله ولا تقره أصول المهنة، أو وقع منه إهمال أو تقصير.
7-إذا أفشى سر المريض بدون مقتضى معتبر.
8- إذا امتنع عن أداء الواجب الطبي في الحالات الإسعافية (حالات الضرورة).
أركان المسؤولية الطبية:
للمسؤولية الطبية أربعة أركان هي:
الركن الأول: السائل. وهو الشخص الذي يملك الحق في مساءلة الطبيب ومساعديه كالقاضي ونحوه.
الركن الثاني: المسؤول. وهو الذي يوجه إليه السؤال ويكلف الجواب عن مضمونه سواء كان فردًاكالطبيب، أو جهة كالمستشفى.
الركن الثالث: المسؤول عنه. وهو محل المسئولية -والمراد به الضرر وسببه – الذي ينشأ عن فعل الطبيب، أو مساعديه، أو عنهما معًا.
الركن الرابع: صيغة السؤال. وهي العبارة المتضمنة للسؤال الوارد من السائل إلى المسؤول.
فإذا وجدت هذه الأركان الأربعة وجدت المسؤولية.
وذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى أن المسؤولية الطبية تقوم على ثلاثة أركان هي:
الخطأ الطبي، والضرر، والرابطة السببية بين الخطأ والضرر.
ويرى أصحاب الاتجاه الأول أن هذه ليست أركانًا للمسؤولية الطبية: أما الخطأ فهو سبب موجب للمسؤولية، لا ركنًا من أركانها؛ لعدم توقف ماهية المسؤولية عليه، والركن ما تتوقف ماهية الشيء عليه،وأما الضرر فهو أثر من آثار الخطأ الطبي يقوي من اعتبار السبب الموجب للمسؤولية وهو بهذه الصورة لا تتوقف عليه ماهية المسؤولية، وأما الرابطة السببية بين الخطأ والضرر فهي شرط في اعتبارهما وليست من أركان المسؤولية.
أقسام المسؤولية الطبية:
قسم الباحثون مسؤولية الطبيب إلى قسمين:
- مسؤولية جنائية.
- مسؤولية مدنية.
ويقصد بالمسؤولية الجنائية: تحمل الشخص تبعة جريمة معينة أو عمل معين شريطة أهلية الشخص لتحمل الجزاء، وتوافر الشروط المكونة للجريمة، وهي تقوم على أساس الضرر بالمجتمع،وجزاؤها العقوبة، وتتمثل العقوبة ابتداء في منعه، والحجر عليه،ويوقع هذه العقوبة الإمام أو الحاكم.
وأما المسؤولية المدنية فيقصد بها الضمان، وهذه المسؤولية قررتها الشريعة للحفاظ على حرية أموال الآخرين وأنفسهم وجبرًا للضرر، ومبدأ التضمين لا يحقق إلا بتوافر أمرين هما: الاعتداء والضرر.
فالركن الأول: الاعتداء أو التعدي، ومعناه: تجاوز الشيء إلى غيره، ويراد به عند الفقهاء: معنى الظلم والعدوان ومجاوزة الحق، وضابطه: أنه العمل الضار دون حق أو جواز شرعي، ويفهم من كلمة التعدي: أنه عمل غير مباح ولا مأذون به شرعًا أو من صاحب الحق.
وأما الركن الثاني: وهو الضرر، فهو إلحاق مفسدة بالآخرين، أو هو كل إيذاء يلحق الشخص، سواء كان في ماله أو جسمه، أو عرضه أو عاطفته.
فإذا توافر الركنان: الاعتداء والضرر ووجدت رابطة السببية بينهما: بأن كان الضرر بسبب الاعتداء وجب الضمان، وهذا ما اتفق عليه الفقهاء.
وهذا متحقق في فعل من يمارس الطب دون علم فهو متعد،ويلحق الضرر بالآخرين.
ودليل ذلك قوله ﷺ : (من تطبب ولا يُعلم منه طب فهو ضامن) (أخرجه أبو داود ح4586، والنسائي ح4830، وابن ماجه ح3466)، وهذا الحديث هو الأصل في إثبات المسؤولية الطبية، وتقديره: فما أتلف فهو ضامن، كقوله سبحانه وتعالى :(فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 185]، التقدير: فأفطر فعليه عدة.
وأساس هذه المسؤولية:الضرر الذي يصيب الفرد. ولهذا فهو الذي يملك الحق في طلب الجزاء وله أن يصالح عليه أو يتنازل عنه.
وقسم بعض الباحثين المسؤولية الطبية إلى قسمين:
أحدهما: المسؤولية الأخلاقية (الأدبية) .
والقسم الثاني: المسؤولية المهنية (العملية).
فأما القسم الأول: فإنه يسأل فيه الطبيب ومساعدوه عن القضايا المتعلقة بسلوكهم وآدابهم، ومن أمثلته: قضايا الغش والكذب التي تصدر ضد الأطباء ومساعديهم، فيتهم الطبيب بغش المريض بأن يدعي إصابته بمرض جراحي، أو يقوم المحلل أو المصور بالأشعة أو المناظير الطبية بالتزوير والكذب في التقارير التي قام بكتابتها، كل ذلك يقع في الغالب طلبًا لأغراض ومطامع شخصية.
فهذه القضايا وأمثالها تجب فيها مساءلة الطبيب ومساعديه عن صحة دعواها، وعند ثبوتها يحكم بإدانتهم أخلاقيًا، فيتم تعزيرهم بما يستحقون، كما يحكم بتغريمهم أو القصاص منهم، إذا ترتبت أضرار على تزويرهم وكذبهم.
وأما القسم الثاني: فإنه يسأل فيه الطبيب ومساعدوه عن القضايا المتعلقة بأعمالهم الطبية وما ترتب عليها من أضرار، ومن أمثلته: قضايا الخطأ الطبي سواء كان واقعًا من الطبيب الفاحص أو الطبيب الجراح أو من المساعدين لهما، أو كان مشتركًا من الجميع، فيتهم هؤلاء مثلًا بكونهم خرجوا في أثناء قيامهم بمهامهم عن الأصول المتبعة عند أهل الاختصاص، فنتج عن خروجهم الضرر الموجود في جسم المريض المدعي. فهذه القضايا وأمثالها تجب فيها مساءلة الأطباء ومساعديهم عن صحة الدعوى، وإذا ثبتت يحكم بالقصاص منهم، أو تضمينهم..
شروط انتفاء المسؤولية الطبية
يشترط لانتفاء المسؤولية عن الطبيب المعالجما يلي:
الشرط الأول: أن يعرف منه صفة حذق الصنعة، بأن يكون عالمًا بالطب مجيدًا فيه، فإن لم يكن له حذق لم يجز له مباشرة المداواة أو المعالجة، فإن فعل فتلف المريض بمداواته أو معالجته أو أحدث به ضررًا، ضمن سراية فعله.
الشرط الثاني: أن يأذن له المريض المكلف في مباشرة الفعل أو يأذن له ولي غير المكلف، فإلم يأذن له المكلف أو ولي غير المكلف فيلزمه الضمان.
الشرط الثالث: إذن الحاكم أو السلطات للطبيب في الأفعال المتضمنة للغرر أو العمليات الجراحية المشتملة على المخاطرة، إذا كان القيام بها مقيدًا بالحصول على إذن سابق من الحاكم أو السلطات.
الشرط الرابع: ألا تجن يده، فإن جنت يده بأن تجاوز الموضع الذي يعالجه إلى غيره فأضرَّ به أو استعمل آلة يكثر ألمها، أو في وقت لا يصلح، أو في حال ضعف المريض ونحو ذلك ضمن.
وأضاف بعض الباحثين أمرًا آخر وهو: أن يهدف من عمله إلى الشفاء أو تحقيق مصلحة مشروعة، فإلم يهدف إلى أحد الأمرين كان محلًا للمسؤولية، كما في عمليات التجميل التحسينية، وتغيير الجنس، والإجهاض المحرم، ومايسمى ب(موت الرحمة) ونحوها.
1. قرار المجمع الفقهي التابع لمنظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي سابقا) في دورته الخامسة عشرة، في مسقط (عمان) في الفترة من (14-19 محرم عام 1425) قرار رقم 142(8/15) .
2. قضايا طبية من منظور إسلامي، د. عبدالفتاح محمود إدريس، ط أولى: 1414.
3. الأخطاء الطبية في ميزان القضاء، د.هاني بن عبدالله الجبير.العدد 22 من مجلة العدل، الصادرة عن وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية.
4. المسؤولية الجنائية عن الأخطاء الطبية، د. إياد أحمد محمد إبراهيم، ضمن أبحاث السجل العلمي لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني،بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
5. أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها، د. محمد بن محمد المختار الشنقيطي، نشر مكتبة الصحابة، جدة، المملكة العربية السعودية.
6. الأخطاء الطبية،مفهومها وأسبابها،د. عبدالعزيز فهد القباع، ضمن السجل العلمي لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
7. مدى مسؤولية من يمارس الطب بغير علم من منظور إسلامي، د. مصطفى أحمد القضاة، بحث منشور في مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية المجلد 20، العدد الثاني، 2004.
8. المسؤولية الطبية وأخلاقيات الطبيب، د. محمد علي البار، ط.1، 1416، دار المنارة للنشر والتوزيع.
9. معجم مصطلحات الفقه الطبي، د. نذير محمد أوهاب، ط. كرسي الأمير سلطان بن عبد العزيز للدراسات الإسلامية المعاصرة، الرياض، 1434.