بعد التوسعة السعودية للمسجد الحرام دخل المسعى في مبنى المسجد؛ ومع ازدياد الحجاج عاماً بعد عام, يحصل الزحام والضيق, فهل يجوز المرور بالمسعى حال الطواف؟
اختلف العلماء المعاصرون في المسجد الحرام بعد التوسعة السعودية ودخول المسعى فيه؛ هل يدخل المسعى في حكم المسجد الحرام، أو أنه مستقل بأحكامه كما كان؟ على اتجاهين:
الاتجاه الأول: أن المسعى مشعر مستقل له أحكامه الخاصة, ولو دخل في مبنى المسجد الحرام وأصبح ضمن جدرانه فلا يأخذ أحكامه؛ على أن هذا الاستقلال لا يمنع الطائف من المرور فيه أثناء طوافه في حال الحاجة الملحة, والزحام الشديد, وذلك بقدر الحاجة؛ أما في حال عدم الحاجة فلا يجوز مرور الطائف فيه. وهو قول كثير من العلماء ومنهم ابن باز وابن عثيمين. واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا) [البقرة: 158].
وجه الاستدلال: أن هذه الآية أثبتت أن الصفا والمروة مشعران مستقلان عن غيرهما, ولهما أحكامهما الخاصة, ولهما عبادة خاصة, ولا يلزم من ملاصقتهما لمشعر آخر أن يأخذا أحكامه.
الدليل الثاني: ما حصل من اتفاق بين كثير من أهل العلم؛ بل عده بعضهم إجماعا على أن المسعى يعتبر مستقلاً عن المسجد الحرام في أحكامه, وأنه يجوز دخوله والمكث فيه للحائض والجنب؛ بل يجوز لهما السعي بين الصفا والمروة؛ لما في حديث عائشة رضي الله عنها لما حاضت فقال النبي ﷺ: (إن ذلك شيء كتبه الله على بنات آدم, فافعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت حتى تطهري) [البخاري (299), ومسلم (1211)].
وجه الاستدلال: أن النبي ﷺ لم يمنعها إلا من الطواف بالبيت؛ فدل على جواز ما سواه, وهذا يدل على أن أحكام المسعى تختلف عن أحكام البيت.
الاتجاه الثاني: أن المسعى بعد التوسعة أصبح ضمن المسجد الحرام, وله حكمه؛ فيجوز الطواف فيه, وهو قول بعض الفقهاء المعاصرين. وصدر به قرار المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي. واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: أن الزيادة تأخذ حكم المزاد فيه, كما أجمع على ذلك الصحابة حين وسعوا المسجد النبوي, وأعطوا الزيادة حكم المسجد في المضاعفة والفضيلة, وكذا الزيادة في المسجد الحرام في جواز الطواف فيها في زمن عمر ومن بعده.
الدليل الثاني: أن ما اتصل من الزوائد بالأصل اتصال قرار وتماس يشمله حكم واحد في الجملة؛ ومن أمثلة ذلك:
الصفوف إذا اتصلت صحت المتابعة ولو امتدت خارج المسجد, وكذا من لم يجد مكاناً بمنى يبيت فيه له أن يبيت بأقرب مكان لمنى يجد فيه مبيتا، وكذا المسعى عندما اتصل بالمسجد الحرام يأخذ حكمه.
1. فتاوى ابن عثيمين (22/289).
2. فقه القضايا المعاصرة في العبادات، عبدالله أبوزيد (2/1535).
3. المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي, العدد التاسع.
4. النوازل في الحج للشلعان ص(284).