الأطعمة المستوردة.
أكل اللحوم المستوردة من غير بلاد المسلمين.
إن مما تميز به عصرنا توفر وسائل النقل والتواصل بين الدول والبلدان، مما سهل عملية التبادل التجاري بين المسلمين أنفسهم وبينهم وبين غيرهم من الكفار، كتابيين وغيرهم.
وإن الأمة الإسلامية تعيش ضعفا بينا في المجال الاقتصادي، حتى غدت تعتمد في طعامها وشرابها على ما تستورده من بلاد غير المسلمين، ومن ذلك اللحوم الحمراء والبيضاء بكميات كبيرة جدا، وصاحب ذلك إشكالات شرعية عدة منها: أنه يصعب معرفة من يتولى ذبح الحيوانات في بلاد غير المسلمين، فضلا عن الطرق الحديثة في الذبح وذلك كالاستعانة بالآلات لتقوم بالذبح بدلا عن الإنسان.
لقد بحث فقهاء العصر مسألة اللحوم المستوردة من بلاد غير المسلمين، وفيما يلي ملخص لمجمل ما جاء في كلامهم.
أولاً: التذكية الشرعية تتم بإحدى الطرق التالية:
- الذبح، ويتحقق بقطع الحلقوم والمريء والودجين. وهي الطريقة المفضلة شرعًا في تذكية الغنم والبقر والطيور ونحوها، وتجوز في غيرها.
- النحر، ويتحقق بالطعن في اللبة، وهي الوهدة (الحفرة) التي في أسفل العنق، وهي الطريقة المفضلة شرعًا في تذكية الإبل وأمثالها، وتجوز في البقر.
- العقر، ويتحقق بجرح الحيوان غير المقدور عليه في أي جزء من بدنه، سواء الوحشي المباح صيده، والمتوحش من الحيوانات المستأنسة، فإن أدركه الصائد حيًّا وجب عليه ذبحه أو نحره.
ثانيًا: يشترط لصحة التذكية ما يلي:
- أن يكون المذكي بالغًا أو مميزًا، مسلمًا أو كتابيًّا (يهوديًّا أو نصرانيًّا)، فلا تؤكل ذبائح الوثنيين واللادينيين والملحدين والمجوس والمرتدين وسائر الكفار من غير الكتابيين.
- أن يكون الذبح بآلة حادة تقطع وتفري بحدها، سواء كانت من الحديد أم من غيره مما ينهر الدم، ما عدا السن والظفر. فلا تحل المنخنقة بفعلها أو بفعل غيرها، ولا الموقوذة، وهي التي أزهقت روحها بضربها بمثل (حجر أو هراوة أو نحوهما)، ولا المتردية، وهي التي تموت بسقوطها من مكان عال، أو بوقوعها في حفرة، ولا النطيحة، وهي التي تموت بالنطح، ولا ما أكل السبع، وهو ما افترسه شيء من السباع أو الطيور الجارحة غير المعلمة المرسلة على الصيد. على أنه إذا أدرك شيء مما سبق حيًّا حياة مستقرة فذكي جاز أكله.
- أن يذكر المذكي اسم الله تعالى عند التذكية، ولا يكتفي باستعمال آلة تسجيل لذكر التسمية، إلا أن من ترك التسمية ناسيًا فذبيحته حلال.
ثالثًا: للتذكية آداب نبهت إليها الشريعة الإسلامية للرفق والرحمة بالحيوان قبل ذبحه، وفي أثناء ذبحه، وبعد ذبحه. فلا تحد آلة الذبح أمام الحيوان المراد ذبحه، ولا يذبح حيوان بمشهد حيوان آخر، ولا يذكى بآلة غير حادة، ولا تعذب الذبيحة، ولا يقطع أي جزء من أجزائها، ولا تسلخ ولا تغطس في الماء الحار، ولا ينتف الريش إلا بعد التأكد من زهوق الروح.
رابعًا: ينبغي أن يكون الحيوان المراد تذكيته خاليًا من الأمراض المعدية، ومما يغير اللحم تغييرًا يضر بآكله، ويتأكد هذا المطلب فيما يطرح في الأسواق، أو يستورد.
خامسًا: الأصل في التذكية الشرعية أن تكون بدون تدويخ للحيوان؛ لأن طريقة الذبح الإسلامية بشروطها وآدابها هي الأمثل رحمة بالحيوان، وإحسانًا لذبحته، وتقليلاً من معاناته، ويطلب من الجهات القائمة بالذبح أن تطور وسائل ذبحها بالنسبة للحيوانات الكبيرة الحجم، بحيث تحقق هذا الأصل في الذبح على الوجه الأكمل.
- مع مراعاة ما هو مبين في البند (أ) من هذه الفقرة، فإن الحيوانات التي تذكى بعد التدويخ ذكاة شرعية يحل أكلها إذا توافرت الشروط الفنية التي يتأكد بها عدم موت الذبيحة قبل تذكيتها، وقد حددها الخبراء في الوقت الحالي بما يلي:
- أن يتم تطبيق القطبين الكهربائيين على الصدغين أو في الاتجاه الجبهي القذالي (القفوي).
- أن يتراوح الفولطاج ما بين (100-400 فولت).
- أن تتراوح شدة التيار ما بين (0.75 إلى 1.0 أمبير) بالنسبة للغنم، وما بين (2 إلى 2.5 أمبير) بالنسبة للبقر.
- أن يجري تطبيق التيار الكهربائي في مدة تتراوح ما بين (3 إلى 6 ثوان).
- لا يجوز تدويخ الحيوان المراد تذكيته باستعمال المسدس ذي الإبرة الواقذة أو بالبلطة أو بالمطرقة، ولا بالنفخ على الطريقة الإنجليزية.
- لا يجوز تدويخ الدواجن بالصدمة الكهربائية؛ لما ثبت بالتجربة من إفضاء ذلك إلى موت نسبة غير قليلة منها قبل التذكية.
- لا يحرم ما ذكي من الحيوانات بعد تدويخه باستعمال مزيج ثاني أكسيد الكربون مع الهواء أو الأكسجين أو باستعمال المسدس ذي الرأس الكروي بصورة لا تؤدي إلى موته قبل تذكيته.
سادسًا: على المسلمين المقيمين في البلاد غير الإسلامية أن يسعوا بالطرق القانونية للحصول على الإذن لهم بالذبح على الطريقة الإسلامية بدون تدويخ.
سابعًا: يجوز للمسلمين الزائرين لبلاد غير إسلامية أو المقيمين فيها أن يأكلوا من ذبائح أهل الكتاب ما هو مباح شرعًا بعد التأكد من خلوها مما يخالطها من المحرمات، إلا إذا ثبت لديهم أنها لم تذك تذكية شرعية.
ثامنًا: الأصل أن تتم التذكية في الدواجن وغيرها بيد المذكي، ولا بأس باستخدام الآلات الميكانيكية في تذكية الدواجن ما دامت شروط التذكية الشرعية المذكورة في الفقرة (ثانيًا) قد توافرت، وتجزئ التسمية على كل مجموعة يتواصل ذبحها، فإن انقطعت أعيدت التسمية.
تاسعًا:
(أ) إذا كان استيراد اللحوم من بلاد غالبية سكانها من أهل الكتاب وتذبح حيواناتها في المجازر الحديثة بمراعاة شروط التذكية الشرعية المبينة في الفقرة (ثانيًا) فهي لحوم حلال؛ لقوله تعالى: ( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ ) [المائدة:5].
(ب) اللحوم المستوردة من(المذبوحة في) بلاد غالبية سكانها من غير أهل الكتاب محرمة؛ لغلبة الظن بأن إزهاق روحها وقع ممن لا تحل تذكيته.
(ج) اللحوم المستوردة من البلاد المشار إليها في البند (ب) من هذه الفقرة إذا تمت تذكيتها تذكية شرعية تحت إشراف هيئة إسلامية معتمدة وكان المذكي مسلمًا أو كتابيًّا فهي حلال.
(د) اللحوم المستوردة من الخارج إن كانت من ذبائح أهل الكتاب اليهود والنصارى ولم يعرف عنهم أنهم يقضون على الحيوانات بالصرع الكهربائي ونحوه فتؤكل، وإن عرف عنهم أنهم يخنقونها أو يصرعونها بالكهرباء مثلاً حتى تموت فلا تؤكل؛ لأنها ميتة، وإن كانوا من غير المسلمين وأهل الكتاب كالشيوعيين والملحدين ومشركي العرب ومن في حكمهم فلا تؤكل ذبائحهم.
1. أحكام الذبائح واللحوم المستوردة في الشريعة الإسلامية للدكتور/عبدالله بن محمد الطريقي423.
2. فتاوى اللجنة الدائمة: السؤال الثاني من الفتوى رقم: (949) 22/364.
3. مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، قرار رقم: (95) 10/3.