القذف والشتم عبر وسائل التواصل المعاصرة
مسألة رقم 275
1. الشتم الإلكتروني.
2. القذف الإلكتروني.
3. عقوبة القذف الإلكتروني.
4. انتهاك حرمة الحياة الخاصة.
5. جرائم القذف والشتم الإلكترونيين.
يعيش العالم في الفترة الراهنة تطورا مذهلا بشأن وسائل التواصل بين الناس، والتي ساهمت في تبادل الأخبار ونقل الأحداث اليومية في ثوان معدودة من لحظة وقوعه؛ ليصل بعد ذلك إلى جميع أنحاء العالم في ظرف وجيز.
كما أن هذا التطور أدى إلى ظهور تقنيات عديدة لتركيب الصور ومعالجتها لتكون على وفق الرغبة بحيث أصبح بالإمكان تعديل صورة ملتقطة لشخص ما بقصّ رأسه وتركيب جسد شخص آخر له، أو تركيب صورة ملفقة للشخص في حال ممارسة الجنس.
فإذا قذف شخص غيره في هذه الوسائل برميه بالزنا، أو نفي نسبه عن أبيه، أو نشر صورة فاضحة له، أو شتمه، أو نشر ما يسيء لكرامته يرد السؤال في الأحكام المترتبة عليه؟
أولا: يحرم الاعتداء على كرامة الإنسان والنيل من عرضه بالقذف أو الشتم ونحوهما؛ وذلك للأدلة الآتية:
- قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) ]النور: ١٩[.
- قول الله تعالى:(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ] النور: ٤ [.
- قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) ]النور: 23[.
- حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي-ﷺ- قال: (اجتنبوا السبع الموبقات”، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال:” الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) ] أخرجه البخاري برقم (2766) 5/462، ومسلم برقم: (145) 1/92 [.
- أن الشريعة الإسلامية جاءت لحماية الأعراض، واعتبرها من الضروريات الخمس التي تجب صيانتها، والقذف تعدٍ على عرض المقذوف، وجناية على كرامته وسمعته العامة.
ثانياً: ينقسم القذف الإلكتروني بالنظر إلى وسيلته إلى نوعين:
الأول: أن يكون القذف في هذه الوسائل بالصور المخلة، ويمكن تقسيم هذه الصور التي يتم نشرها في هذه الوسائل بالنظر إلى مدى مطابقتها للواقع إلى قسمين:
القسم الأول: أن تكون صورًا حقيقية؛ وذلك لا يخلو من إحدى حالتين:
الحالة الأولى: أن تكون هذه الصور والمقاطع منشورة بإذن صاحبها – كما هو الحال في الشركات الإباحية – التي تحترف في هذا المجال الخسيس، وتدر على محترفيه أموالا طائلة.
فهذا محرم تحريما قاطعا؛ لما فيه من إشاعة الفحشاء والمنكر بنشر العورات المغلظة والصور والمقاطع الجنسية، مما يشمل محرمات شتى من الإعانة على المنكر، ونشر الفساد في الأرض.
الحالة الثانية: أن تكون هذه الصور والمقاطع الجنسية منشورة بغير إذن صاحبها، وهذا أيضا محرم قطعا لاشتماله على المعاني المقتضية للتحريم التي سبق إيرادها، ولما فيه من الأذية والاعتداء.
ويستحق الناشر في كلتا الصورتين العقوبة التعزيرية بما يراه الإمام رادعا من اقتراف الجريمة.
القسم الثاني: أن تكون الصور المنشورة ملفقة، وهذا القسم يشتمل على جملة من المعاني المقتضية للتحريم، من الإعانة على المنكر، والاعتداء على الكرامة والعرض، والكذب والتزوير… وكل ما يؤدي إلى هذه المعاني على سبيل القطع كان موجبا للتحريم القاطع.
فإذا ما ثبت كونه محرما، والتصوير ليس طريقا شرعيا لإثبات الزنا، وإنما يثبت بالإقرار المعتبر أو الشهود إذا شاهدوا الواقعة على الوجه المعتبر كان ذلك قذفا صريحا لأمرين:
الأول: أن تركيب الصور الملفقة لحالة ممارسة الزنا أبلغ في الدلالة على القذف من جهة تجاوزه لنطاق التهمة بالزنا بالقول المجرد إلى تشخيص واقعته بالصور المشاهَدة.
الثاني: أن ذلك أبلغ في الإيذاء وأشد اعتداء على كرامة المقذوف؛ لأن القذف باللفظ ينتهي بانتهائه؛ لكن الصورة تنتشر في الشبكات والمواقع الإلكترونية فلا تقف عند حد.
النوع الثاني من أصل التقسيم: القذف الإلكتروني بواسطة الكتابة؛ وذلك مثل: أن ينعته في هذه الوسائل بالزنا بعبارات صريحة أو كنائية، فيكون ذلك موجبا لحد القذف بالاتفاق في الصورة الأولى، ويتوقف ذلك في الصورة الثانية على القرائن الدالة على إرادة القذف.
وبناءً على ما سبق فإن الفقهاء مجمعون على أن من قذف محصناً عبر وسائل التواصل المعاصرة بنشر الصور أو الكتابة يثبت عليه حد القذف إذا توافرت شروطه لدخول هذا النوع من القذف في عموم الآيات المتقدمة.
ثالثا: الشتم عبر وسائل التواصل المعاصرة
يحرم الاعتداء على كرامة الإنسان بالشتم والسباب؛ وذلك للأدلة الآتية:
- حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (أتدرون ما المفلس؟” قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: ” إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار) ]أخرجه مسلم برقم: (2581) 4/1997[.
- حديث عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- أن النبي- ﷺ – قال: (سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر) ] أخرجه مسلم برقم: (64) 1/81 [.
- حديث: ( كل المسلم على المسلم حرام ماله ودمه وعرضه) ] أخرجه مسلم برقم: (2563) 4/1986[. والشتم انتهاك لعرض المسلم فيدخل في التحريم الوارد في الحديث.
كما أن الاعتداء على كرامة المسلم بالشتم يوجب التعزير بما يراه الحاكم ينسجم مع مبادئه، ويحقق مقاصده العامة.
1. أحكام رسائل التقنية د. خلود المهيزع، بحث منشور في مجلة الجمعية الفقهية السعودية، العدد 25.
2. الاعتداء الإلكتروني- دراسةً فقهيةً- د. عبد العزيز بن إبراهيم الشبل.
3. الاعتداءات الإلكترونية، د. عبد العزيز بن إبراهيم الشبل، بحث منشور ضمن بحوث ندوة تقنية المعلومات والعلوم الشرعية والعربية.
4. جرائم الشبكة العالمية للمعلومات (الإنترنت) – دراسة فقهية، إعداد: سعيد بن حسن الزهراني، ماجستير في الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء – جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عام: 1429 ه.
5. نوازل جريمة القذف- وتطبيقاتها القضائية، إعداد: عبد الله بن إبراهيم المزروع ماجستير بقسم الفقه المقارن – المعهد العالي للقضاء، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عام: 1429 ه.