الفحص الطبي لإثبات استخدام المتهم المخدر أو المسكر
مسألة رقم 200
اعتبار التحليل الطبي أو الكيميائي في حد الشرب.
التحليل الطبي أو الكيميائي لإثبات شرب المسكر
بناءً على تطور العلوم وتجدد الأبحاث أصبح من المتيسر الآن معرفة ما إذا كان المرء قد تناول شيئاً من المسكرات أو المخدرات من خلال الفحوص الطبية و التحاليل المخبرية ونحوها، فهل يمكن اعتبار هذه الفحوص والتحاليل وسيلة إثبات يعاقب المرء بسببها على فعله؟ وإذا كان الأمر كذلك فهل يجوز اعتبارها دليلاً لإقامة الحد؟
المسألة تحتمل التفصيل الآتي:
أولاً: الاعتماد على نتيجة الفحص في الإثبات.
أياً كان نوع المخدر أو المسكر فإنها تتفق في كونها تؤثر على متناولها تأثيراً ظاهراً، وعند تناولها ووصولها للمعدة يقوم الجسد بامتصاصها.
ويمكن الاستفادة من فحص الدم في التعرف على تناول صاحبه للمخدر أو أي مواد سامة، كما يتم ذلك أيضاً عن طريق البول، بل وحتى عند تحليل اللعاب، لكن حالات البول والسكر العالي المصحوب بوجود أسيتون ومواد كيتونية في الدم – وهي مواد تنتج من التمثيل الغذائي للمواد الدهنية وتزداد نسبتها في مرضى السكر –قد تشتبه بحالات السكر، ومع ذلك فإن ظهور أثر الكحول في البول أدق منه في الدم، ولابد من تحري أهل الخبرة في مثل هذا.
ويكون ذلك بواسطة معرفة نسبة تركيز المسكر أو المخدر في الدم، سواء أكان ذلك بالتحليل داخل المختبرات، أو عن طريق الأجهزة العلمية الحديثة التي تستخدم لتحليل الدم، وتحليل هواء التنفس.
وقد تم إيجاد أجهزة حساسة للكشف عن وجود المسكر أو المخدر في الدم والبول بكل دقة، وتقدر هذه الأجهزة نسبته على وجه التحديد، بل إنه قد أمكن التعرف على حالات الإدمان عند بعض الناس حتى بعد توقفهم عن تعاطي المخدرات منذ زمن من خلال تحليل عينة من الشعر، حيث يلاحظ ترسب المادة المخدرة وثباتها وعدم زوالها من الشعر.
ولذا فإنه يمكن الاعتماد على نتيجة التحاليل المخبرية والفحوص الطبية في إثبات تناول المفحوص للمسكر أو المخدر؛ نظراً لدقة هذه الفحوصات، وقيامها على أسس علمية معتبرة لا يمكن تجاهلها، وإذا كان الفقهاء المتقدمون قد اعتبروا بعض القـرائن في الإثبات وهي أضعف بكثير من التحـاليل المخبرية والفحوص الطبية، فاعتبار مثل هذه التحاليل من باب أولى، إلا أن هذا مقيد بما ذكره بعض أهل الاختصاص من أنه متى وجدت نسبة الكحول في الدم أقل من 50مجم / 100 ملل دم أي (01%) فإن هذا لا يعني تناول المفحوص للكحول؛ لأن الجسم البشري يحتوي على الكحول، كما أن الشخص قد يكون متعاطياً لبعض الأدوية ـ كأدوية السعال مثلاً ـ التي تحتوي على الكحول.
ثانيا: إقامة الحد على المتهم بناء على نتيجة الفحص الطبي.
يمكن أن يخرج للقائلين بجواز إثبات العقوبات الحديثة بالقرائن قول بإمكان إقامة الحد على المتهم بناءً على نتيجة الفحص الطبي، كما يُخرّج للمانعين قول بالمنع هنا.
هذا وقد اختلف الباحثون في حكم إقامة الحد بناء على نتيجة الفحوص الطبية على قولين:
القول الأول: أنه لا يقام عليه الحد، ومع ذلك يجوز للإمام أن يعزره ما يراه مناسباً لردعه.
ومن أدلة هذا القول: عموم الأدلة الدالة على درء الحدود بالشبهات، وقالوا: إن من ثبت تناوله للمسكر أو المخدر لا يلزم منه قصده لذلك، بل يحتمل أنه شربها جاهلاً كونها خمراً، أو أنه أكره على شربها، أو كان مضطراً لذلك، كما يحتمل أنه تناول دواء فيه نسبة كحول وقد زاد في الجرعة على المقرر له، وغير ذلك من الاحتمالات؛ ولذلك يدرء عنه الحد.
القول الثاني: أنه يقام عليه الحد، ومن أصحاب هذا القول من قال به بناء على ما ترجح عنده من إثبات الحدود بالقرائن مطلقاً، ومنهم من يرى أن القرائن التي نص عليها الفقهاء لا يثبت بها الحد، ومع ذلك قال بثبوته بقرينة الفحوص الطبية والتحاليل المخبرية إذا انضم إليها ما يأتي:
1- ظهور السكر على تصرفات المتهم قولاً وفعلاً.
2- ألا توجد قرينة تدل على تناوله المادة المسكرة بإكراه، أو عدم علم.
3- أن يظهر على المتهم علامات الفسق والفساد، ويكون معروفاً بين الناس بتعاطيه لها.
ومن أدلة هذا القول:
1-عموم الأدلة الدالة على إقامة الحد بالقرائن القوية، قالوا: وقرينة تحليل الدم ـ مثلاً ـ قرينة قوية وقاطعة، فهي أولى بالحكم من القرائن التي نص عليها الفقهاء، وحكموا باعتبارها كالرائحة مثلاً، لا سيما وأن احتمال الخطأ فيها قليل جداً، ويقوم بها أناس على جانب كبير من العلم، ويراعى عند القيام بها الحذر الشديد والتأكد من عدم تعفن عينة الدم التي يراد إجراء التحليل عليها.
2-أن إقامة الحد استناداً على الفحوص الطبية سدّ لباب الفساد والشر؛ إذ الغالب أن متعاطي جريمة الشرب لا يتعاطاها إلا في الخفاء، فإذا لم يقم الحد إلا بالشهادة أو الإقرار لم يقم الحد على أغلب مرتكبي هذه الجريمة، وهذا يعد فتحاً لباب الفساد والشر على مصراعيه، ومصادمة لروح الشريعة الإسلامية ومقاصدها التي تقوم على حفظ الضروريات الخمس ومنها: حفظ العقل.
• قرارهيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في دورتها التاسعة والخمسين التي عقدت في مدينة الطائف، ونصت عليه في قرارها ذي الرقم (213) بتاريخ 14/6/1424هـ.
• القرائن المادية وأثرها في الإثبات (رسالة دكتوراه ـ كلية الشريعة ـ جامعة الإمام) د. زيد القرون (337ـ 352).
• القضاء بالقرائن المعاصرة لعبد الله العجلان ص303.
• حجية القرائن في الشريعة الإسلامية لعدنان عزايزة ص206.
• القضاء بقرائن الأحوال للديرشوي ص200.
• الإثبات في الدعوى الجنائية بالقرائن للرويشد ص256.
• حجية الدليل المادي في الإثبات لشحاته حسن ص148.
• أثر التقنية الحديثة في الخلاف الفقهي لهشام آل الشيخ ص823.
• الطب الشرعي في التحقيقات الجنائية لإبراهيم الجندي ص264.
• مشروعية الدليل الجنائي في مرحلة المحاكمة وما قبلها لرمزي رياض ص 225.
• الطب الشرعي في التحقيقات الجنائية لإبراهيم الجندي ص 264-265.
• التحريات والإثبات الجنائي للدغيدى ص159.
• الأدلة الجنائية والتحقيق الجنائي لمنصور المعايطة ص58
• الطب الشرعي والتحقيق الجنائي والأدلة الجنائية لمعوض عبد التواب وسينوت حليم ص1125.
• مسوغات الاتهام في جرائم الحدود (رسالة ماجستير من شعبة الفقه – كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى )، عبد الرحمن بن عثمان المرشد 1421-1422هـ.
• جريمة تعاطي المخدرات في الفقه وعقوبتها (بحث تكميلي لنيل درجة الماجستير في الفقه المقارن، المعهد العالي للقضاء)، لؤي بن عبد الله الخليوي ص 143.