قسم العباداتباب الطهارة

الغسل بسبب التلقيح الصناعي.

العناوين المرادفة

1. الغسل من الحقن الرحمي
2. الحقن الصناعي للحمل
3. التلقيح الصناعي الداخلي
4. الاغتسال بسبب عملية حقن السائل المنوي
5. أثر الطهارة في استدخال اللقيحة أو مني الرجل في رحم المرأة
6. التلقيح الصناعي والاغتسال
7. الاغتسال بعد التلقيح الصناعي

صورة المسألة

المراد بالتلقيح الصناعي الداخلي هو: أخذ عينة من السائل المنوي للزوج، وغسلها وتحضيرها، ثم حقنها داخل رحم المرأة عن طريق أداة لينة، وتسمى هذه العملية أيضا بالحقن الرحمي، وقد أطلق عليها الفقهاء الأقدمون اسم الاستدخال.
فهل يجب الغسل على الرجل والمرأة بسبب إجراء عملية التلقيح الصناعي؟

حكم المسألة

إن مسألة التلقيح الصناعي لها شقّان، شقٌّ يتعلق بالجواز،وقد سبق بحثه في الإصدار الأول من الموسوعة في القسم الطبيّ، وشقٌّ يتعلق بمدى لزوم الطهارة به باعتبار أن خروج المني من الرجل موجب له من حيث الجملة.

ومسألة إخراج المني من الزوج وإدخاله في رحم الزوجة عن طريق التلقيح الصناعي أو الحقن الرحمي مخرَّجة على مسألتين فقهيتين قديمتين بناء على أن عملية التلقيح مركبة منهما:

إحداهما: خروج المني في اليقظة من غير شهوة بالنسبة للرجل الذي استعمل ماؤه في عملية التلقيح الصناعي لزوجته بناء على أن هذه العملية تتطلب إخراج منيّه من غير لذّة.
والثانية: استدخال المرأة المني في فرجها بغير إيلاج، فذلك يتعلق بمدى وجوب الغسل على المرأة التي أجريت لها تلك العملية.
فقد اختلف الفقهاء في حكم الاغتسال منهما وبيان ذلك في الآتي:

المسألة الأولى: الغسل بخروج المني في اليقظة بغير شهوة
تحرير محل النزاع:
لا خلاف بين فقهاء المذاهب الفقهية الأربعة في وجوب الاغتسال إذا خرج المني من الإنسان دفقاً بلذة؛ لقوله-صلى الله عليه وسلم-: (إذا فضخت الماء فاغتسل) [رواه أبو داود (1/ 148) رقم (206)، والنسائي سنن النسائي (1/ 111) رقم (193) وصححه الألباني في إرواء الغليل (1/ 162) (125)].
وفضح المني أي: تدفقه. قال ابن الجوزي في غريب الحديث: (فضحت الماء يعني دفقته).
أما خروج المني من غير دفق بلذّة فللفقهاء في إيجاب الغسل اتجاهان:
الاتجاه الأول: ذهب إلى عدم وجوب الغسل بذلك، وهو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة، وعليه فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
واستدلوا بما يأتي:
1. قول الله تعالى: {فَلْيَنظُرِ ٱلْإِنسَـٰنُ مِمَّ خُلِقَ(٥)خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ}: [٥ – ٦].
وجه الاستدلال: أن الماء الذي يجب منه الغسل إنما هو الماء الذي يكون منه الولد، وصفته الدفق كما قد بيّنه الله تعالى بقوله:{خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ} فإذا خرج بدون دفق فلا يعدّ ماءً يكون منه الولد، فلا يجب به الغسل.

يناقش:
أن خروج المني دافقا إنما هو باعتبار الغالب؛ لأن صفة الدفق أو العجلة هي الغالبة في خروجه، وعلى هذا يحمل ما جاء في الآية؛ لأن ما خرج مخرج الغالب لا يتمسك بمفهومه.
كما أن الماء الذي يحدث به الخلق –إذا قدر الله ذلك- لا يتوقف على صفة معينة.
2. عن علي -رضي الله عنه- قال: كنت رجلا مذاء فقال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأيت المذي فاغسل ذكرك، وتوضأ وضوءك للصلاة، وإذا فضخت الماء فاغتسل»[سبق تخريجه في المسألة نفسها].
وجه الاستدلال: أن النبي -صلى الله عليه وسلم – وصف المني الموجب للغسل بكونه أبيض غليظا، وقال لعلي «إذا فضخت الماء فاغتسل» والفضخ: خروجه على وجه الشدة، فهذا يدلّ على عدم وجوب الغسل مما لم تكن صفته كذلك.

يناقش:
بما نوقش به الاستدلال بالآية المذكورة في الدليل السابق.
الاتجاه الثاني: يرى أصحابه وجوب الغسل على من خرج منه المني ولو بغير شهوة أو دفق، وهو مذهب الشافعية. واستدلوا بما يأتي:
1- قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «الماء من الماء» [رواه مسلم(1/ 269) رقم الحديث: (343)].
وجه الاستدلال: أنه صلى الله عليه وسلم- لم يفرّق في إيجاب الغسل بين من خرج منه المني بشهوة ومن خرج منه بغير شهوة، وإنما علق الحكم بخروج المني وحده.

نوقش:
أن هذا الدليل ورد مطلقاً وجاء تقييده في الآية بالدفق، والمطلق يحمل على المقيد عند بعضهم دون اعتبار قضية الوحدة بين الحكم والسبب.
2- أنه آدمي خرج المني من مخرجه المعتاد، فأوجب الغسل، كما لو خرج بدفق وشهوة.
3- القياس على إيلاج الحشفة، فكما أن إيلاج الحشفة يجب به الغسل، سواء كان بلذة أما بغير لذة، فكذلك نزول المني موجب للغسل، سواء كان ذلك بلذة أم بغيرها.
4- القياس على خروج المني حال النوم، فكما أنه يجب عليه الغسل إذا استيقظ ورأى ماء، ولو كان خروجه بدون لذة، فكذلك رؤيته حال اليقظة لا تشترط فيها اللذة.
وسبب الخلاف في هذه المسألة ما ذكره ابن رشد في البداية حيث قال: “اختلف العلماء في الصفة المعتبرة في كون خروج المني موجبا للطهر. فذهب مالك إلى اعتبار اللذة في ذلك. وذهب الشافعي إلى أن نفس خروجه هو الموجب للطهر سواء أخرج بلذة أو بغير لذة، وسبب اختلافهم في ذلك هو شيئان:
أحدهما: هل اسم الجنب يطلق على الذي أجنب على الجهة غير المعتادة أو ليس يطلق عليه؟ فمن رأى أنه إنما يطلق على الذي أجنب على طريق العادة، لم يوجب الطهر في خروجه من غير لذة، ومن رأى أنه يطلق على خروج المني كيفما خرج أوجب منه الطهر وإن لم يخرج مع لذة.
والسبب الثاني: تشبيه خروجه بغير لذة بدم الاستحاضة، واختلافهم في خروج الدم على جهة الاستحاضة هل يوجب طهرا، أم ليس يوجبه؟”.
وبناء على هذا فإن الاغتسال بالنسبة للرجل الذي يجرى بمائه تلقيح زوجته يكون من حيث الوجوب وعدمه حسب طبيعة خروج المني منه على الخلاف بين الجمهور والشافعية. والله تعالى أعلم.

المسألة الثانية: استدخال المرأة المني في فرجها بغير إيلاج.
للفقهاء في حكم الغسل بسبب هذ الاستدخال ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الأول: يرى عدم وجوب الغسل عليها مطلقا ما لم تنزل، وهو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وعليه فتوى اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء في المملكة العربية السعودية ومقتضى فتوى المجلس الإسلامي للإفتاء بفلسطين، وبه أفتى الشيخ عبد العزيز ابن باز.
واستدلوا بما يأتي:
أن موجب الغسل أحد أمرين: الإيلاج بالفعل وهو تغييب الحشفة في القبل ولو لم يحصل إنزال، أو حصول الإنزال ولو لم يقع إيلاج؛ ولذا فلا يجب الغسل عليها لعدم وقوع شيء من الأمرين.

الاتجاه الثاني: يرى وجوب الغسل على المرأة مطلقا سواء خرج منها المني المستدخل أو لم يخرج، وهو قول بعض المالكية، ولكنهم قيدوا ذلك بحصول الالتذاذ بدخول المني.
وحجتهم: أن التذاذها قد يحصل به الإنزال ولا يبرز، وغالب حالها الإنزال عند ذلك، فتغتسل من باب الاحتياط.

الاتجاه الثالث: يرى وجوب الغسل عليها إن خرج منها المني المستدخل ، وإن لم يخرج فلا يجب، وهو وجه شاذ عند الشافعية، وقال به بعض الحنابلة، وحجتهم:
1- أنه إذا استدخلت المرأة المني في قبلها فهناك احتمال أنها تلذذت فأنزلت منيها فاختلط به، فإذا خرج المني منها، فهو مني مختلط من منيها والمني المستدخل فوجب الغسل بذلك.
2- أنه خرج من المرأة بعد استدخال المني في فرجها مني، فأشبه ماءها .
وعلى هذا لا يجب الاغتسال على المرأة بعد إجراء عملية التليقح الصناعي عند أصحاب الاتجاه الأول؛ وذلك لانعدام موجب الغسل، ويجب عليها الغسل عند أصحاب الاتجاه الثاني احتياطاً، ولا يجب على قول أصحاب الاتجاه الثالث إلا إذا خرج المني بعد إدخاله.

ملاحق المسألة:
فتوى اللجنة الدائمة رقم (17344):
“س: مشكلتي هي أنني يخرج مني المني 5 أو 6 مرات في اليوم، وأغتسل مرتين في اليوم، وأصلي بالوضوء صلاتين، ولكن سمعت أن صلاتي لا تجوز ، وبسبب هذا أصبت بزكام شديد مدة 4 أشهر، حتى الآن ما زلت مصابة بزكام، والآن لا أعرف ماذا أفعل هل أغتسل لكل صلاة، أم أغتسل في كل صباح، وأصلي باقي صلوات اليوم بوضوء عادي؟
ج : إذا كان خروج المني دفقًا بلذة، فإنه يجب عليك الاغتسال لكل مرة يخرج فيها على هذه الصفة، ولا تصح الصلاة بدونه، وإن كان خروج المني بدون لذة، فإنه يوجب الاستنجاء والوضوء فقط، لقوله- صلى الله عليه وسلم-: إذا فضخت الماء فاغتسل، وإن لم تكن فاضخًا فلا تغتسل رواه أحمد وأصله في ( الصحيحين ) وغيرهما. والفضخ خروجه بالغلبة، إلا إذا خرج المني من نائم، فإنه يجب عليه الاغتسال بكل حال.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بكر أبو زيد صالح الفوزان عبد العزيز آل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز”.

المراجع

1- استئجـار الأرحـام والرحم البديل، للأستاذ الدكتور حميد لحمر ، بحث مقدم في “ندوة تطور العلوم الفقهية” -الدورة الرابعة عشرة بسلطنة عمان. nadwa.mara.gov.om/wp-content/uploads/2015/…/muotmr-alsltdntt-astaejar-alrhm.doc
2- الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي لأبي الحسن علي بن سليمان المرداوي (المتوفى: 885هـ)، دار إحياء التراث العربي (1/ 196).
3- بداية المجتهد ونهاية المقتصد لأبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي الشهير بابن رشد الحفيد (المتوفى: 595هـ)، دار الحديث – القاهرة، عام: 1425هـ – 2004 م، (1/ 54).
4- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، (1/ 36).
5- البناية شرح الهداية لأبي محمد بدر الدين العينى (المتوفى: 855هـ)، دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى، 1420 هـ / 2000م، (1/ 334).
6- البيان في مذهب الإمام الشافعي لأبي الحسين يحيى بن أبي الخير بن سالم العمراني الشافعي (المتوفى: 558هـ، تحقيق: قاسم محمد النوري، دار المنهاج – جدة الطبعة الأولى، عام :1421 هـ- 2000 م،(1/ 238).
7- التجريد لأبي الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن حمدان القدوري (المتوفى: 428 هـ)، تحقيق: مركز الدراسات الفقهية والاقتصادية، أ. د محمد أحمد سراج … أ. د علي جمعة محمد، الناشر: دار السلام – القاهرة، الطبعة الثانية،عام: 1427 هـ – 2006 م (1/ 207).
8- الذخيرة، لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن المالكي الشهير بالقرافي (المتوفى: 684هـ)، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي- بيروت، الطبعة الأولى، 1994م، (1/ 293).
9- روضة الطالبين وعمدة المفتين لأبي زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي (المتوفى: 676هـ)، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثالثة، عام: 1412هـ / 1991م (1/ 85) .
10- الطبيب أدبه وفقهه زهير لـ:أحمد السباعي ومحمد علي البار، طبع دار القلم دمشق عام 1431/1993م، (ص:338).
11- عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة، لأبي محمد عبد الله بن نجم بن شاس بن نزار الجذامي المالكي (المتوفى: 616هـ)، دراسة وتحقيق: أ. د. حميد بن محمد لحمر، دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة الأولى، 1423 هـ – 2003م، (1/ 52).
12- غريب الحديث، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي المعروف بـ:ابن الجوزي (المتوفى: 597هـ)، تحقيق: الدكتور عبد المعطي أمين القلعجي، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة الأولى، 1405 – 1985 (2/ 197).
13- فتاوى اللجنة الدائمة، رقم (17344)،ورقم(6109)،ورقم ( 8891).
14- كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور بن يونس بن صلاح الدين ابن حسن بن إدريس البهوتى الحنبلى (المتوفى:1051هـ) دار الكتب العلمية(1/123).
15- المجلس الإسلامي للافتاء بيت المقدس-فلسطين: رقم الفتوى: (411) http://www.fatawah.net/
16- المجموع شرح المهذب، (2/ 151).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى