أن يوظف شخص في مصرف يتعامل بالربا في أي وظيفة: كالمحاسبة والأمور الإدارية الاستشارية وغيرها, فما حكم هذا التوظيف, وما حكم المال الذي يكتسبه جراء هذا العمل؟.
فيه قولان:
القول الأول: الأصل أنه لا يجوز العمل في المصارف الربوية إلا في حال الضرورة, أو الأعمال التي لا تتعلق بالربا من كتابة وغيرها, وممن قال به مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا, واللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة ولجنة الفتوى بالكويت, ودار الإفتاء المصرية (فتوى الشيخ عبدالمجيد سليم) وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.
القول الثاني: جواز العمل في المصارف الربوية, وقال بذلك بعض المعاصرين ([6]).
من أدلة المجيزين:
1/ عموم قول الله تعالى: ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ ) [البقرة: 173].
2/ إنها من قبيل الضرورات التي يجوز للمسلم عند الاضطرار إليها أن يفعلها بناء على قاعدة “الضرورات تبيح المحظورات”، وقاعدة “الحاجة تنزل منزل الضرورة عامة كانت أو خاصة”([1]).
أدلة المانعين:
1/ عموم الأدلة في تحريم الربا, وعدم التعاون على الإثم.
2/ إن هذا العمل ليس من باب الضرورة؛ إذ الضرورة تعرف شرعًا بأنها: ما لم يتناولها الإنسان هلك أو قارب على الهلاك.
قرارات المجامع الفقهية والهيئات الشرعية والفتاوى العلمية.
أولًا: قرارات المجامع الفقهية: ـ
يرى مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا في البيان الختامي للمؤتمر الخامس المنعقد بالمنامة – مملكة البحرين في المدة من 14 – 17 من شهر ذي القعدة 1428 الموافق 24 – 27 من شهر نوفمبر 2007 حكم العمل في المصارف الربوية, وهذا نصه:
الأصل في العمل في المصارف الربوية أنه غير مشروع، لأن النبي ﷺ لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه, وقال: (هم فيه سواء) [أخرجه البخاري مختصرًا (5617) ومسلم (1598) ]. إلا في المجالات التي لا تتعلق بمباشرة الربا كتابة أو إشهادا أو الإعانة على شيء من ذلك، وقد فصل قرار المجمع هذه المجالات، مع اعتبار الضرورات الملجئة أو الحاجات التي تنزل منزلتها، على أن تقدر بقدرها, ويسعى في إزالتها.
ثانيًا: قرارات وفتاوى الهيئات الشرعية:
1/ فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء([2]):
أولا: صدر منا فتوى في حكم العمل في البنوك الربوية برقم (4961) هذا نصها: إذا كان البنك غير ربوي فما يأخذه الموظف به من مرتب أو مكافأة أجرا على عمله من الكسب الحلال لاستحقاقه إياه مقابل عمل جائز، وإذا كان البنك ربويا فما يأخذه الموظف من مرتب أو مكافأة أجرا على عمله به حرام؛ لتعاونه مع أصحاب البنك الربوي على الإثم والعدوان، وقد قال الله تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ ) [المائدة: 2]، ولأن النبي ﷺ : (لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء)، رواه مسلم.
2/ قطاع الإفتاء والبحوث الشرعية بالكويت.
سئلت لجنة الإفتاء عن موضوع العمل في المصارف الربوية ([3]).
فأجابت بما يلي:
العمل في المصارف الربوية إذا كان في الوظائف التي يقوم عليها الربا من الإقراض والاقتراض، وكتابة عقوده، ووثائقه، والشهادة عليه، وكفالته فإنه حرام، وكذلك حسابه وتحصيله إذا علموا أنهم يسهمون بجهودهم في تحصيل الفائدة الربوية.
أما الأعمال الأخرى التي لا علاقة لها بالربا مباشرة كالحساب الجاري والشيكات والحوالات فإنها جائزة.
أما الوظائف التي يكون أصل العمل فيها مشروعًا, وليس لها صلة مباشرة بالربا: كالحراسة والمراسلة والسكرتارية, فنرجو ألا يكون بها بأس ؛ لأنها مما عمت به البلوى، ويتعذر على القائم التحري في تفاصيل ما يقوم به من الأعمال.
3/ دار الإفتاء المصرية.
سئلت لجنة الإفتاء عن موضوع العمل في المصارف الربوية ([4]).
فأجابت بما يلي:..
مباشرة الأعمال التي تتعلق بالربا من كتابة وغيرها إعانة على ارتكاب المحرم، وكل ما كان كذلك فهو محرما شرعًا.
ثالثًا: الفتاوى العلمية:
1/ فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز([5]):
لا ريب أن العمل في البنوك التي تتعامل بالربا غير جائز؛ لأن ذلك إعانة لهم على الإثم والعدوان، وقد قال الله سبحانه: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) [المائدة: 2]، وثبت عن النبي ﷺ (أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال: هم سواء)، أخرجه مسلم في صحيحه.
أما وضع المال في البنوك بالفائدة الشهرية أو السنوية فذلك من الربا المحرم بإجماع العلماء، أما وضعه بدون فائدة فالأحوط تركه إلا عند الضرورة إذا كان البنك يعامل بالربا لأن وضع المال عنده ولو بدون فائدة فيه إعانة له على أعماله الربوية فيخشى على صاحبه أن يكون من جملة المعينين على الإثم والعدوان وإن لم يرد ذلك، فالواجب الحذر مما حرم الله والتماس الطرق السليمة لحفظ الأموال وتصريفها، وفق الله المسلمين لما فيه سعادتهم وعزهم ونجاتهم، ويسر لهم العمل السريع لإيجاد بنوك إسلامية سليمة من أعمال الربا إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
[1]) ينظر : الأشباه والنظائر لابن نجيم (1/91) والأشباه والنظائر للسيوطي (1/88) .
[2]) ينظر نص السؤال في السؤال الرابع من الفتوى رقم (9452).
[3]) ينظر : نص السؤال في فتوى رقم (309) .
[4]) ينظر : فتاوى دار الإفتاء المصرية في المعاملات عام 1363هـ فتوى فضيلة الشيخ عبد المجيد سليم .
[5]) ينظر نص السؤال في مجموع فتاوى ابن باز (4/ 310).
[6]) ينظر: مجلة الوعي الإسلامي (مجلة كويتية تصدر عن وزارة الاوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت) العدد (532).