قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب العقوبات

العقوبة بالترحيل عن البلد

مسألة رقم 298

العناوين المرادفة

1. عقوبة التغريب.
2. عقوبة النفي تعزيرا.
3. العقوبة بالنفي عن البلد.

صورة المسألة

هل يجوز للقاضي ترحيل الجاني من مكان جنايته إلى مكان آخر يبعد عن بلده إذا خيف من سراية ضرره إلى العامة؛ ليكون ذلك أبلغ في تحقيق الزجر وصيانة الأمن العام؟
أو هل يجوز ترحيل المقيم إذا خالف القوانين العامة التي تمس الأخلاق والأمن العام إذا رأى ذلك ولي أمر المسلمين سبيلا لتحقيق الردع والزجر وحماية المجتمع من الفساد؟

حكم المسألة

لا خلاف بين الفقهاء أن التعزير بالإبعاد أو الترحيل عن البلد مشروع من حيث الجملة إذا تعين ذلك طريقا لاستصلاح الجاني، وحماية المجتمع من سراية الفساد، وسندهم في ذلك جملة من الأدلة، أبرزها ما يأتي:

  1. قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ) [المائدة: 33] .

وجه الدلالة: أن النفي الوارد في الآية – على قول جماعة من أهل العلم – يقصد به إخراج المحارب من بلده إلى بلد آخر، وأن ذلك موقوف على اجتهاد الحاكم باعتبار سكوت الشارع عن تقديره؛ فيكون ذلك تعزيرا.

  1. حديث زيد بن خالد رضي الله عنه عن رسول الله – ﷺ -: (أنه أمر فيمن زنى، ولم يحصن بجلد مائة، وتغريب عام) [أخرجه البخاري برقم: (2649) 3/171، ومسلم برقم: (1690) 3/1316].
  2. حديث ابن عباس- رضي الله عنهما – قال: “لعن النبي – ﷺ – المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: (أخرجوهم من بيوتكم) قال: فأخرج النبي – ﷺ – فلانا، وأخرج عمر فلانا”. [أخرجه البخاري برقم: (5886) 7/159].

يقول ابن حجر – رحمه الله تعالى – بعد أن ساق جملة من الآثار: “تفيد هذه الأحاديث مشروعية إخراج كل من يحصل به التأذي للناس عن مكانه إلى أن يرجع عن ذلك ويتوب”([1])

  1. نفَى عمر وعثمان وعلي – رضي الله عنهم – الزاني البكر بعد جلده؛ وذلك محمول عند الحنفية على سبيل التعزير إذا رآه الحاكم، وإن اعتُبر عقوبة أساسية في الحد على قول الجمهور، فهو دليلٌ على مشروعيته من حيث الجملة.
  2. وقد نقل عن الصحابة التعزير به في بعض الجرائم التعزيرية، منها:
  3. نفي محتكر الطعام: وقد ثبت أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أخرج أمية بن يزيد الأسدي ومولى مزينة من المدينة لما احتكرا الطعام فيها.([2]) فتح الباري 12/160.
  4. نفي من يقوم بالتزوير لعموم ضرره، فقد عزّر عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – معن بن زائدة بالنفي بعد جلده وحبسه حين بلغه أنه زوّر خاتما على نقش خاتم بيت المال.
  5. نفي المخنث: ثبت ذلك عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – في حديث البخاري المتقدم.

وبناء على ما سبق – من بيان مشروعية العقوبة بالإبعاد والترحيل عن البلد، والعمل بها من الخلفاء الراشدين – رضي الله عنهم – في بعض الجرائم التعزيرية – يجوز للحاكم باعتبار مسؤوليته في رعاية كليات الدين والمحافظة على الضروريات الخمس: حفظِ الدين والنفس والمال والعرض أن يعاقب من يُخلّ بالقيم الإسلامية أو يخالف أنظمة الإقامة من المقيمين.


([1]) فتح الباري 10/334.

([2]) فتح الباري 12/160.

المراجع

1. بدائع الصنائع لعلاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي (ت 587 هـ)
2. الحاوي الكبير أبي الحسن علي بن محمد بن محمد الماوردي الشافعي (ت 450 هـ).
3. الذخيرة لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي المالكي (ت 684 هـ).
4. ضوابط تقدير العقوبة التعزيرية، للشيخ عبد الله بن محمد بن سعد آل خنين، منشور في المجلة القضائية، العدد الأول، محرم 1432هـ.
5. عقوبة النفي – دراسة مقارنة في الفقه الإسلامي والقانون، للدكتور أسامة محمد المنصور الحموي، منشور في مجلة جامعة دمشق، المجلد 19، العدد الثاني عام 2003م.
6. عقوبة النفي والتغريب حدا أو تعزيرا – دراسة مقارنة، إعداد: عطية عبد الله المالكي، ماجستير بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة أم القرى، عام: 1405 ه الموافق: 1085 م.
7. العقوبة في الفقه الإسلامي، للدكتور أحمد فتحي بهنسي.
8. فتح الباري لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي (ت 852 هـ).
9. المغني لأبي عبدالله أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي(ت 620 هـ).
10. الوظيفة الإدارية للشرطة وأثرها على الحريات العامة، بكيل بن محمد البراشي.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى