1. العقوبة بالسجن.
2. العقوبة بالأعمال الشاقة.
3. العقوبة بالخدمة الاجتماعية.
تطلق العقوبة بالأشغال الشاقة، ويراد بها أحد المعاني الآتية:
الأول: عقوبة السجن لمدد طويلة، وتبدأ بخمس أو سبع سنوات في الأشغال الشاقة المؤقتة، وبعشرين إلى خمس وعشرين في الأشغال الشاقة المؤبدة، وقد تزيد أو تنقص حسب اختلاف الدول في تقدير هذه السنوات، وهذا الإطلاق واقعٌ في قانون العقوبات الجزائية لبعض البلاد الإسلامية؛ كمصر وسوريا والأردن.
الثاني: تشغيل الجاني ببعض الأعمال داخل المؤسسات العقابية؛ كالإشراف على توزيع الوجبات، والقيام بأعمال النظافة… وغيرها، أو العمل في المؤسسات العامة كخدمة المرضى في لجان الإسعاف، وحفر القبور… ونحوها.
وهناك نمط آخر من العقوبة بالأشغال الشاقة – كتكليف الجاني بكسر الأحجار، وحمل الأثقال – مبالغة في التنكيل به حتى لا يفكر في تكرار الجريمة، فهذا مما كان يمارس في عدد من البلدان قبل عقود من الزمن؛ لكنه اختفى بضغط من منظمات حقوق الإنسان التي ترعاها الأمم المتحدة، ومراجعة الدول لكثير من سياساتها العقابية إزاء مرتكبي الجرائم.
أولا: تجوز العقوبة بالأشغال الشاقة بالمفهوم الأول (السجن) باعتبار أنه مشروع من حيث الجملة؛ ولكن يراعى في تطبيقها مكافأة الجناية للعقوبة، وتحقيقها لمقصود الزجر، وإسهامها في تأهيل الجاني واستصلاحه إلى جانب مراعاة المآلات… والأصل في ذلك:
- قوله تعالى ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [التوبة:5].
وجه الدلالة: أن الله – عز وجل – أمر بأخذ المشركين وإحصارهم في معاقلهم، ورصد طرقهم ومسالكهم حتى يضيّقوا عليهم الواسع، ويضطروهم إلى القتل أو الإسلام، وفي هذا دليلٌ على مشروعية الحبس.
- حديث أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: “بعث رسول الله – ﷺ – خيلا قبل نجد، فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له: ثمامة بن أثال، فربطوه بسارية من سواري المسجد” [أخرجه البخاري برقم: (469) 1/101، ومسلم برقم: (1764) 3/1386].
- ما ثبت أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – اتخذ دارا للسجن بمكة”. [أخرجه البخاري برقم: (2422) 3/123].
ثانيا: أن العقوبة بالأشغال الشاقة بالمفهوم الثاني تعود إلى التعزير بالخدمة الاجتماعية، ولا خلاف بين المعاصرين في جواز التعزير بخدمة المجتمع؛ وذلك كتنظيف المرافق العامة، وجمع المساعدات العينية بالطرق النظامية وتوزيعها، والمشاركة في الإسعاف، والإنقاذ في الحوادث، وتنظيم حركة المرور في الأعياد، والحراسة الليلية…؛ وسندهم في ذلك:
- ما رواه ابن عباس – رضي الله عنه – قال: (…كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول اللهr–فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة)] أخرجه أحمد برقم: (2216) 4/92[.
وجه الدلالة: أن في طلبه –ﷺ– تعليم بعض أبناء المسلمين من بعض أسارى بدر بدلا من الفدية: استبدال العقوبة المالية بخدمةٍ تنفع المسلمين؛ فيكون ذلك أصلا في التعزير بالأعمال التطوعية ذات النفع المتعدي.
- القياس على إطعام عدد من المساكين في بعض الكفارات الواردة في ارتكاب بعض المحظورات الشرعية؛ كإطعام ستين مسكينا في كفارتي الجماع في نهار رمضان، والظهار، وإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم في كفارة اليمين.
وتحرير القياس: أن التعزير بخدمة المجتمع ومشروعية الإطعام والكسوة في بعض الكفارات يشتركان في الإلزام بتقديم خدمة للفئة المحتاجة بسبب الوقوع في مخالفة شرعية، فهذا وإن كان حكما من الله لتكفير معصية إلا أن فيه معنى العقوبة باعتبار أن الكفارات زواجر.
- أن التعزير بخدمة المجتمع يتفق مع مقاصد الشارع في التعزير من جهة: أنه يؤدب الجاني، ويحقق مصلحة الزجر ويحمي الجماعة من شره، ويحقق النفع العام للمجتمع، وفي هذا جمع بين مقصود الشارع في التعزير، ومقصوده في تحصيل المصالح العامة.
- أن التعزير بخدمة المجتمع ينسجم مع قاعدة: “جلب المصالح ودفع المفاسد” من جهة ما يترتب عليه من تخفيف الأضرار النفسية عن الجاني من القلق الناتج عن العزلة، وترسيخ قيم العمل التطوعي، وتقليل أعداد المساجين التي تكلف الدولة… .
ولكن يجب اعتبار مبادئ التعزير في هذه العقوبة؛ من مناسبتها للجريمة، وعدم إخلالها بالكرامة الإنسانية المقررة، وتقدير المآلات باعتبار المصالح والمفاسد… .
وأما معاقبة الجاني بأعمال شاقة – كحمل الأثقال، وحفر المجاري ونحوها – فهذا مما يخل بضوابط التعزير، ومن جملتها:
- أنه يتضمن تعذيب الجاني؛ وذلك يخل بمراعاة مبدأ الكرامة الإنسانية المقررة في الشريعة في تنزيل العقوبة التعزيرية، والرحمة والشفقة بالجاني حماية له من الفساد.
يقول ابن تيمية – رحمه الله تعالى – :”العقوبات الشرعية إنما شرعت رحمة من الله لعباده؛ فهي صادرة عن رحمة الخلق، وإرادة الإحسان إليهم؛ ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم، والرحمة لهم، كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض”([1])
- أنه يفضي إلى القسوة، ويفرّغ التعزير من مقصوده في التأديب والاستصلاح؛ فيتروّض الجاني على الأعمال الشاقة بحيث لا ينزجر من العقوبات؛ مما يؤدي إلى تفويت مقصود الشارع في التعزير.
يقول العز بن عبدالسلام – رحمه الله تعالى -: (وكل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل”([2])
1. العقوبة البدلية – دراسة مقارنة، لسليمان بن محمد العمرو، ماجستير بقسم السياسة الشرعية، المعهد العالي للقضاء، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
2. أحكام السجناء وحقوقهم في الفقه الإسلامي- دراسة مقارنة، د. محمد راشد العمر.
3. مفهوم العقوبة وأنواعها في الأنظمة المقارنة، د. فؤاد عبدالمنعم أحمد، شبكة الألوكة : (https://www.alukah.net).
4. قانون العقوبات رقم: (16) 1960 وجميع تعديلاته المنشور في الجريدة الرسمية رقم: (1487) وتاريخ: 11/1960، والمعدل بآخر قانون رقم: (8/2011) والمنشور في الجريدة رقم: (5090) وتاريخ: 2/5/2011م.
5. العقوبات البديلة بين الفقه الإسلامي والتشريعات المعاصرة لمحمد رفيق، منشورات مجلة الحقوق، سلسلة المعارف القانونية والقضائية – المغرب.