كثر تخلف الحجاج عن الوصول لمزدلفة قبل طلوع شمس يوم النحر نظرا لكثرة الحجاج وشدة زحام السيارات؛ فما حكم ذلك وهل يوجب شيئا؟
ذهب جمهور أهل العلم من السلف والخلف إلى أن المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج؛ من تركه بدون عذر فعليه دم. وهو المعتمد لدى المذاهب الأربعة([1])، واختيار أكثر المعاصرين.
واستدلوا:
الدليل الأول: حديث عبد الرحمن بن يعمر رضي الله عنه وفيه قول النبي ﷺ: (الحج عرفة، فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه). [أبوداود (1949)، الترمذي (889)، النسائي (3016)، ابن ماجه (3015)].
وجه الاستدلال: من وجهين:
الوجه الأول: أن الرسول ﷺ بين أن الحج عرفة، ولوكان الوقوف بمزدلفة ركنا لما خص عرفة وحدها دون مزدلفة، فعلم أنه ليس بركن بل هو واجب.
الوجه الثاني: أن من أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد فاته المبيت بمزدلفة قطعا، ومع ذلك بين النبي ﷺ أن حجه قد تم؛ فدل ذلك على عدم ركنيته.
الدليل الثاني: أن رسول الله ﷺ قدم ضعفة أهله للخروج من مزدلفة، وقد دل على هذا أحاديث كثيرة منها: حديث ابن عباس رضي الله عنهما : (كنا ممن قدم النبي ﷺ ليلة مزدلفة في ضعفة أهله). [البخاري (1594)، مسلم (1293)].
وجه الاستدلال: أن تقديم النبي ﷺ لضعفة أهله للخروج من مزدلفة يدل على أن المبيت بها ليس ركنا، إذ لو كان ركنا لاشترك الضعفة وغيرهم، فلما عذر الضعفة من أدائه دل على أنه ليس بركن، ولا يقال بأن النبي ﷺ قدمهم بعد أن وقوفوا بمزدلفة؛ لأن من وصل آخر الليل جاز له الانصراف للإذن الشرعي من النبي ﷺ للضعفة، مع عدم المبيت.
وبناء على هذا فإن من لم يستطع دخول مزدلفة حتى طلوع الشمس لتعطل حركة السير أو ازدحامه مع عدم قدرته على ترك وسيلة النقل، فلا يجب عليه الدم لوجود العذر، وبهذا أفتى جماعة من أهل العلم المعاصرين وصدرت به فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء.
([1]) المبسوط (4/63)، الإشراف للقاضي عبدالوهاب (1/483)، المجموع (8/136)، المغني (5/284).
1. الزحام وأثره في أحكام النسك، خالد المصلح ص(67).
2. فتاوى ابن باز (17/277).
3. فتاوى ابن عثيمين (23/65).
4. فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (11/215).