الطهارة بالغسيل الجاف – التنظيف الجاف.
ظهر في العصور المتأخرة نوع من غسيل الثياب، يعتمد على البخار في التنظيف بديلا عن الماء، تغسل به الملابس التي تتضرر من الماء، كملابس الصوف والحرير…
وقد عرّفته الموسوعة العربية العالمية بقولها: هو أحد الوسائل لإزالة الأوساخ والبقع عن الأقمشة، وتستخدم فيه كميات قليلة من الماء وقد لا يستخدم الماء مطلقاً، وتستخدم فيه سوائل كيميائية خاصة تعرف بالمذيبات لإزالة الأوساخ والبقع([1]).
فإذا أصابت هذا النوعَ من الملابس نجاسةٌ وغُسل بالبخار فهل تزول النجاسة بذلك؟
مسألة تطهير النجاسات بغير الماء تكلم فيها الفقهاء قديما، ولهم فيها ثلاثة أقوال معروفة:
الأول: أنه يتعين استعمال الماء المطلق لإزالة النجاسة.
الثاني: يجوز إزالة النجاسة بكل مائع طاهر.
الثالث: يجوز إزالة النجاسة بكل ما يزيل عينها، لونا ورائحة وطعما، حتى لو كان بالشمس أو الهواء أو الريح.
وقد اختلف المعاصرون في حكم تطهير النجاسات بالبخار على اتجاهين:
الأول: جواز إزالة النجاسة بالبخار، وهو ما أفتى به ابن عثيمين([1])، والهيئة العامة للشؤون الإسلامية بدولة الإمارات العربية المتحدة([2]).
ووجهه: أن إزالة النجاسة من التروك التي لا تفتقر إلى نية، فهو ليس من العبادات، والمطلوب فيها إزالة عين النجاسة بأي وسيلة طاهرة، ولا يتعين استعمال الماء المطلق في ذلك، ويشهد لهذا:
حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: (ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد تحيض فيه، فإذا أصابه شيء من دم قالت بريقها فقصعته([3]) بظفرها). [رواه البخاري (306)]
وأجيب عنه: بأنه معارض بحديث أسماء – رضي الله عنها – قالت: (جاءت امرأة إلى النبي ﷺ فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع؟ فقال: تحُتُّه ثم تقْرِصه بالماء، ثم تنضحه، ثم تصلي فيه)، [رواه البخاري (227) ومسلم (291)].
ويجمع بين الحديثين بأن يحمل حديث عائشة – رضي الله عنها – على أنه في الدم اليسير.
ويقوي هذا الاتجاه مجموع النصوص التي فيها جواز إزالة النجاسة بغير الماء، ككون التراب يُطهر نعلَ الرجل مما لصق به من أذى، وثوبَ المرأة تمر به على المكان القذر إذا مرت بعده بأرض طاهرة.
الاتجاه الثاني: أن الغسيل بالبخار لا يزيل النجاسة، بل يتعين التطهير بالماء المطلق، وهو مقتضى كلام الشيخ ابن باز في وجوب غسل بول الغلام بالماء إذا أكل الطعام، وأنه لا يجزئ في الغسل غير الماء([4])، وبه أفتت لجنة الفتوى في موقع إسلام ويب([5]).
ووجهه: أن الماء أصل في التطهير؛ لوصفه بذلك كتابا وسنة وصفا مطلقا من غير قيد، قال الله تعالى: ( وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ) [الفرقان: 48]، وقال تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ) [الأنفال: 11]، وقال النبي ﷺ في ماء البحر: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته)، ولم تجعل هذه المزية لغيره، وحتى وصف التراب بالطهورية مقيد بعدم وجدان الماء بنص القرآن.
([1]) فتاوى أركان الإسلام ص(307-308).
([2]) فتاوى الهيئة العامة للشؤون الإسلامية، دولة الإمارات: http://www.awqaf.gov.ae
([4]) موقع الشيخ الرسمي http://www.binbaz.org.sa/node/16887
وقد نقل غير واحد في الشبكة العنكبوتية عن الشيخ رحمه الله في شرحه على الروض المربع أنه سئل عن المسألة عينها فأجاب بتعين الماء لإزالة النجاسة، غير أننا لم نجده موثقا.
http://www.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=25753
1. التطهير بالبخار دراسة فقهية، عبدالله بن عبدالواحد الخميس، مجلة الجمعية الفقهية السعودية، 1427هـ، ع1، ص ص(19-78).
2. فتاوى أركان الإسلام، ابن عثيمين ص(208-207)، سؤال (122).
3. فتاوى الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بالإمارات العربية المتحدة، رقم الفتوى (5380). http://www.awqaf.gov.ae
4. فقه القضايا المعاصرة في العبادات، عبد الله بن بكر أبو زيد، ص(120).
5. فقه النوازل، خالد المشيقح، ص(18).
6. موقع إسلام ويب: http://www.islamweb.net
7. موقع الشيخ ابن باز – رحمه الله -: http://www.binbaz.org.sa
8. النوازل في الطهارة والصلاة، باسم القرافي، (1/226-241).