• الطلاق الخطي.
• الطلاق الورقي.
• الطلاق المصلحي.
• الطلاق الإداري.
يلجأ بعض المسلمين إلى استصدار وثيقة طلاق رسمية دون رغبة في إيقاعه حقيقة، وإنما بقصد التحايل على الأنظمة والقوانين لجلب منفعة، أو المحافظة على حق أو امتياز، أو دفع مضرة شخصية، سواء أكان ذلك في بلاد المسلمين أم في غيرها من البلاد.
فما حكم استصدار هذه الوثيقة؟ وهل يقع هذا الطلاق رغم عدم قصده؟
– الحكم التكليفي لاستصدار وثيقة الطلاق الصوري هو التحريم؛ لأنه كذب واحتيال، والكذب محرم شرعاً، إذ دافعه الأغلب تحقيق مآرب دنيوية ومكاسب مادية غير مستحقة نظاماً بالاحتيال، ومن الأدلة على ذلك:
1) قول الله – عز وجل –:( وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا) [البقرة: 231].
وقوله: ( قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) ) [التوبة: 65].
وجه الدلالة: أن حمل الأقوال والأفعال على غير الحقيقة من الاستهزاء والسخرية بآيات الله، فيكون محرماً للنهي عنه.
2) قول النبي ﷺ : “إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً” [رواه البخاري (6094) ومسلم (2607)].
وجه الدلالة: في الحديث التحذير من الكذب والتساهل فيه، لأنه سبب للميل عن الاستقامة والانبعاث في المعاصي الهادية للنار، وما كان متوعداً عليه بالنار فهو محرم.
3) الإجماع على تحريم الكذب وأنه من قبائح الذنوب، وفواحش العيوب.
ولا يستثنى من ذلك ما لو كان الباعث إرضاء إحدى زوجاته، أو أهله أو عشيرته فليس هذا من مداراة الرجل أهله ولا من إصلاح ذات البين للآتي:
1- أن الكذب على الزوجة أو الأهل بادعاء الطلاق واستصدار وثيقة بذلك يوقع الضرر على غيرهم،وإنما يباح من الكذب ما حقق المصالح ولم تترتب عليه مفاسد، وكان هو السبيل الوحيد إليها.
2- أن الطلاق الصوري يُخل باستقرار الأسرة فيؤدي إلى انتقاص الحقوق أو الفرار من الواجبات، والمقصود بالكذب المباح بين الزوجين ما كان سبباً في دوام الألفة واستدامة الصحبة.
3- أن الكذب في الطلاق الصوري يتعلق بأمر خطير، جده جد وهزله جد، فينبغي ألا يستباح حماه ولا يجترأ عليه.
وأما الحكم الوضعي للطلاق الصوري من حيث الوقوع أو عدمه فيمكن تحرير النزاع فيه في الآتي:
أولاً: إذا تم توثيق الطلاق الصوري قضائياً أو مدنياً دون قصد إيقاعه مع تلفظ الزوج به على سبيل الإنشاء أو توكيل غيره بذلك، فإن الطلاق واقع باتفاق المعاصرين؛ وذلك لاتفاق الفقهاء – رحمهم الله – على أن صريح الطلاق لا يشترط لوقوع الطلاق به نية([1]).
وأفتى بهذا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – رحمه الله –، وعليه الفتوى في مركز الفتوى بموقع إسلام ويب، وفي موقع الإسلام سؤال وجواب.
الأدلة على ذلك:
1) قول الله تعالى: ( وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ) [البقرة: 231].
وجه الدلالة: منع الشارع التلاعب بآيات الله وأحكامه وعقوده، والتلفظ بها مع عدم إرادتها داخل في ذلك فيؤاخذ به صاحبه لئلا يعبث بالعقود الشرعية فتكون مظايا لغايات دنيوية.
2) قول النبي ﷺ : “ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة” [رواه أبو داود (2194)، والترمذي (1184) وقال: “هذا حديث حسن غريب والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي ﷺ وغيرهم”، وابن ماجه (2039)، وحسنه الألباني بمجموع طرقه في إرواء الغليل 6/224 – 228].
وجه الدلالة: حكم النبي ﷺ بوقوع الطلاق متى نطق به.
3) أن الطلاق فراق معلق على لفظ، فمتى وجد اللفظ حصل الفراق، والنظر في النية إنما يكون عند تعيين المبهم ولا إبهام في صريح الطلاق، والإحالة على النية قد تكون ذريعة لكل من أراد الرجوع في طلاقه فيحكم بالوقوع مع لفظ الطلاق الصريح دون الافتقار للنظر في النية سداً للذريعة.
4) أن ترتب الأحكام على الأسباب هو من حكم الشارع،وليس للعبد أن يتعاطى السبب الموجب للحكم ويقصد عدم الحكم!
ثانياً: إذا تم توثيق الطلاق الصوري قضائياً أو مدنياً دون قصد إيقاعه مجرداً عن التلفظ به، فللمعاصرين اتجاهان في وقوعه:
الاتجاه الأول: أن الطلاق إذا تم بالكتابة دون تلفظ فلا يقع إلا بنية لأن الكتابة من كنايات الطلاق.
وهذا ما عليه الفتوى في موقع الإسلام سؤال وجواب، ونص عليه في توصيات (نوازل الأسرة المسلمة في المجتمع الأمريكي):
أدلة الاتجاه الأول:
1) أن الطلاق الصوري هو طلاق بالكتابة، وكتابة الطلاق من الكنايات،والكنايات لا يعتد بها إلا مع النية.
المناقشة: نوقش من وجهين:
أ- أن كتابة الطلاق في النماذج الرسمية بجلاء مع التوقيع على ذلك وظهور شخصية الكاتب يخرج الكتابة عن الكناية إلى الصريح، فهي جلية في إرادة الطلاق، والقرائن التي احتفت بها دفعت أي شك في إرادة المطلق لغير الطلاق.
ب- أن تخريج الطلاق الصوري المجرد عن إنشاء لفظ الطلاق على مسألة الإقرار بالطلاق كذباً أليق من التخريج على الكتابة، إذ مبنى الحكم في المسألة على طلاق مكذوب لا على طلاق مكتوب.
الاتجاه الثاني: أن الطلاق الصوري إذا كتب في الأوراق الرسمية أو وقع عليه الزوج أمام الجهات القضائية والنظامية دون أن يتلفظ أو صاحب ذلك تلفظ بحكاية الطلاق والإخبار عنه دون إنشائه فإنه واقع، ويؤاخذ به صاحبه في عدد الطلقات ديانة وقضاءً قال بهذا الشيخ ابن جبرين –رحمه الله- في التوقيع على الطلاق في النموذج الرسمي، وهو قول بعض الباحثين.
أدلة الاتجاه الثاني: استدل على الوقوع بأدلة كثيرة أبرزها:
1) قول الله – عز وجل – ( وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا ) [البقرة: 231].
وقوله – سبحانه –: ( وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (٢١) ) [النساء].
وجه الدلالة: حرم الله سبحانه العبث والاستهزاء بأحكامه، وعقد النكاح عقد وميثاق غليظ فلا يحل لأحد أن يجعله مطية لرغبات نفعية، وإيقاع الطلاق الصوري ظاهراً وباطناً يحفظ لهذا العقد حرمته ويصونه عن التلاعب والعبث.
2) قول النبي ﷺ: “ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة” [أخرجه الترمذي (1184 )، وأبو داود (2194)، وابن ماجه (2039)، والحاكم في المستدرك (2800)، وحسنه الألباني في الإرواء (1826)] .
وجه الدلالة: حكم النبي ﷺ بإيقاع هزل الطلاق، والطلاق الصوري يشارك الهزل في قصد اللفظ دون الحكم فيكون واقعاً.
3) أن ترتب الأحكام على الأسباب هو من حكم الشارع، وليس للعبد أن يتعاطى السبب الموجب للحكم ويقصد عدم الحكم!
فإذا أقر الزوج بالسبب لزمه حكمه، وجرت عليه آثاره.
4) القياس على نكاح التحليل، فكما يعامل المحلل بنقيض قصده، فكذلك يعامل المطلق صورياً بنقيض قصده، بجامع أن كلاً منهما عقد عقداً شرعياً ليحقق به ضد مقصوده.
5) أن الأصل إجراء الكلام على ظاهره، فإذا أقر الزوج بأنه طلق – لفظاً أو كتابة – حمل الكلام على ظاهره ولو كان محتالاً قاصداً لخلاف ذلك.
6) أن إيقاع الطلاق الصوري تنتظم به الأحكام ويغلق باب العبث، والقول بعدم وقوعه رغم أن الوثائق الرسمية تثبته تترتب عليه مفاسد كبيرة كتعذر الإرث بين الزوجين نظاماً، وتعذر مؤخر الصداق، وتعذر نسبة الأولاد لوالدهم،وحصول التهمة والريبة جراء وجود الزوجين معاً، إضافة إلى القلق النفسي الذي يعيشانه، كما يظهر صورة مسيئة للإسلام من خلال تعاطي المسلمين لهذه العقود الصورية في بلاد الكفار رغم مخالفتها للواقع والتحايل بها على الأنظمة، وفي هذا صد عن سبيل الله وفتنة للذين كفروا.
الملاحق :
أولاً : التوصيات (نوازل المرأة المسلمة في المجتمع الأمريكي)
جاء في توصيات (نوازل الأسرة المسلمة في المجتمع الأمريكي) لأئمة المساجد بالساحل الغربي للولايات المتحدة: “ولهذا فإن الطلاق الصوري الذي يوقعه بعض الناس تحقيقاً لبعض المصالح كالزواج بثانية في بلاد لا تجيز التعدد، أو تحصيل بعض المصالح القانونية يؤخذ به صاحبه ما دام قد نطق به أو وكل غيره في إجرائه نيابة عنه سواء أراده أو لم يرده، ويعتد به في عدد الطلقات، ولا عبرة بالصورية في هذه الحالة”…
“أما إذا لم ينطق به ولم تتجه الإرادة إليه فلا يكون معتبراً لعدم توافر أركانه، لأن الكتابة من كنايات الطلاق لا يعتد بها إلا مع النية في الصحيح من أقوال أهل العلم”([2]).
ثانياً : مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا:
في قرارات مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا في المؤتمر الثاني المنعقد بكوبنهاجن – الدنمارك بالتعاون مع الرابطة الإسلامية في الفترة من 4 – 7 من شهر جمادى الأولى لعام 1425هـ: “أن الطلاق الصوري يؤخذ به صاحبه ما دام قد نطق به أو وكل غيره في إجرائه نيابة عنه سواء أراده أم لم يرده، لأن الكتابة هي الوسيلة للإثبات والتوثيق في واقعنا المعاصر، أما في باب الديانة فلا يعتد به في المختار من أقوال أهل العلم”.
([1]) بدائع الصنائع 3/101 ، البحر الرائق 3/269 ، مواهب الجليل4/44 ، التاج والإكليل 5/31 ، العزيز شرح الوجيز 8/507 ، نهاية المطلب 14/28 ، التنقيح المشبع ص236 ، الإنصاف 2/216.
– الطلاق الصوري، حقيقته وحكمه في الفقه الإسلامي، د. هيلة بنت عبدالرحمن اليابس، مركز التميز البحثي في فقه القضايا المعاصرة، 1437هـ/2016م.
– موقع الإسلام سؤال وجواب (171398) (72291) (125215) (178270) (127179) (72860) (126378) (179424) وغيرها. islamqa.info
– موقع إسلام ويب، مركز الفتوى (43626) (2455) (28042) (15814) (8632). fatwa.islamweb.net
وفي نص توصيات الدورة التدريبية الأولى لأئمة المساجد بالساحل الغربي للولايات المتحدة حول: (نوازل الأسرة المسلمة في المجتمع الأمريكي) والمنعقدة بمدينة سكرمنتو بولاية كاليفورنيا بتاريخ 26 – 28 صفر 1425هـ الموافق 16 – 18 أبريل 2004م.
– موقع د. يوسف الشبيلي. shubily.com
– موقع الشيخ الألباني، شريط رقم (791) الهدى والنور www.alalbany.net.
– فتاوى يسألونك، أ.د حسام الدين بن موسى عفانة، الموسوعة الشاملة. www.onislam.net
– موقع د. عبدالغفار الشريف. www.dralsherif.net
– موقع شبكة الفتوى الشرعية، الطلاق الصوري على الورق فقط، د. أحمد الحجي لكردي. www.islamic-fatwa.com
– قرارات مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا في المؤتمر الثاني المنعقد بكوبنهاجن – الدنمارك، بالتعاون مع الرابطة الإسلامية في الفترة من 4 – 7 من شهر جمادى الأولى لعام 1425هـ الموافق 22 – 25 من يونيو 2004م.
– موقع رسالة الإسلام، الملتقى الفقهي. figh.islammessage.com
– الأسرة المسلمة في الغرب بين الالتزام بالإسلام والقوانين الحاكمة، الملتقى العالمي الثاني لخريجي الأزهر 1 – 3 أبريل 2007م، جامعة الأزهر الشريف تحت عنوان (التحديات الحضارية للأمة الإسلامية).
– نوازل فقه الأسرة للأقليات المسلمة في غير النكاح، منال بنت محمد الدغيم 209، رسالة ماجستير، كلية الشريعة، جامعة الإمام محمد بن سعود، ص209 – 227.