قسم العباداتباب الصيام

الصيام في البلاد ذات خطوط العرض العالية

مسألة رقم 110

صورة المسألة

البلدان التي تنعدم فيها العلامات الكونية للأوقات بحيث يستمر النهار أو الليل أكثر من 24 ساعة وقد تصل إلى ستة أشهر كما في أعلى القطبين الشمالي والجنوبي كيف يكون صومهم؟ وهكذا البلدان التي لا تنعدم فيها العلامة فمجموع ساعات الليل والنهار 24 ساعة، لكن يطول فيها الليل أو النهار طولا مفرطا قد يصل إلى 20 ساعة أو أكثر فكيف يكون صومهم؟

حكم المسألة

لا تخلو أن تكون هذه البلدان تنعدم فيها العلامات الكونية للأوقات بحيث يستمر النهار أو الليل أكثر من 24 ساعة أو لا تنعدم، فإن كانت تنعدم فيها العلامات وهي البلدان الواقعة فوق خط عرض (66 ْ) شمالاً وجنوباً حتى تصلّ إلى نهاية القطبين الشمالي والجنوبي، فلا خلاف بين العلماء فـي أنَّ أوقات الصلاة فـي هذه البلدان تقدر تقديراً قياساً على التقدير الوارد فـي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله ﷺ الدجال ذات غداة.. وساق حديثاً طويلاً وجاء فيه: قلنا يا رسول الله: ما لبثه فـي الأرض؟ قال: (أربعون يوماً، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله: فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم قال: لا، اقدروا له قدره) [مسلم (2937)].

 

ومع اتفاق العلماء على تقدير أوقات الصلوات والصيام فـي هذه البلدان إلا أنهم اختلفوا فـي كيفية هذا التقدير على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنَّ التقدير يكون بأقرب البلدان إليهم مما يتميز فيها الليل من النهار وتعرف فيها أوقات الصلاة والصيام بعلاماتها الشرعية فـي اليوم والليلة. وإليه ذهب جمهور العلماء.

وقد علل أصحاب هذا القول لقولهم بأن التقدير يكون بأقرب البلدان إليهم بأنه لما تعذر معرفة أوقات الصلوات والصيام فـي هذه المناطق اعتبر بأقرب الأماكن شبهاً بها وهي أقرب البلاد إليها مما تظهر فيها علامات التوقيت الشرعية.

وهذا القول هو الذي أقره المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي فـي دورته الخامسة والتاسعة. جاء فـي القرار الثالث من الدورة الخامسة للمجمع: “… تلك التي يستمر فيها الليل أو النهار أربعاً وعشرين ساعة فأكثر بحسب اختلاف فصول السنة ففي هذه الحال تقدَّر مواقيت الصلاة والصيام وغيرهما فـي تلك الجهات على حسب أقرب الجهات إليها مما يكون فيه ليل ونهار متمايزان فـي ظرف أربع وعشرين ساعة” اهـ.

وجاء فـي القرار السادس من الدورة التاسعة: “والحكم فـي المنطقة الثالثة ـــ التي تقع فوق خط عرض (66) درجة شمالاً وجنوباً إلى القطبين وتنعدم فيها العلامات الظاهرية للأوقات فـي فترة طويلة من السنة نهاراً أو ليلاً ـــ أن تقدر جميع الأوقات بالقياس الزمني على نظائرها فـي خط عرض (45 ْ) درجة ـــ باعتباره أقرب الأماكن التي يتيسر فيها التمييز ـــ وذلك بأن تقسم الأربع والعشرون ساعة فـي المنطقة من (66 ْ) درجة إلى القطبين كما تقسم الأوقات الموجودة فـي خط عرض (45 ْ) درجة، فإذا كان طول الليل فـي خط عرض (45 ْ) درجة يساوي (8) ساعات وكانت الشمس تغرب فـي الساعة الثامنة وكان العشاء فـي الساعة الحادية عشرة جُعِل نظير ذلك فـي البلدان المراد تعيين الوقت فيه، وإذا كان وقت الفجر فـي خط عرض (45 ْ) درجة فـي الساعة الثانية صباحاً كان الفجر كذلك فـي البلد المراد تعيين الوقت فيه وبدئ الصوم منه حتى وقت المغرب المقدَّر” اهـ.

وبنحو هذا صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية (القرار رقم 61).

 

القول الثاني: أنه يقدر بالزمن المعتدل، فيقدر الليل باثنتي عشرة ساعة وكذلك النهار، وبه قال بعض الحنابلة، وقد علل أصحاب هذا القول لقولهم بأن التقدير يكون بالزمن المعتدل (12 ساعة لليل و12 ساعة للنهار) بأنه لما تعذر اعتبار هذا المكان بنفسه اعتبر بالمكان المتوسط كالمستحاضة التي ليس لها عادة ولا تمييز.

 

القول الثالث: أنه يقدر بتوقيت مكة وقال به بعض الفقهاء، وعلل أصحاب هذا القول لقولهم بأن التقدير يكون بتوقيت مكة بأن مكة هي أم القرى وقبلة المسلمين ومنها انطلق نور الإسلام فاعتبر بتوقيتها عند انعدام العلامات الكونية لأوقات الصلوات.

أما إذا كانت لا تنعدم العلامة الفلكية للأوقات لكن يطول النهار أو الليل طولا مفرطا كما في البلدان التي تقع ما بين خطي عرض (45 ْ ــــ 66 ْ) شمالاً وجنوباً وتتميز فيها العلامات الظاهرية للأوقات فـي أربع وعشرين ساعة لكن قد تطول فترة بعض أوقات الصلوات وتقصر بعضها، فللعلماء في هذه المسألة قولان:

القول الأول: يجب على القاطنين في هذه البلاد الإمساك مع طلوع الفجر إلى غروب الشمس ولو كان النهار طويلا جدا، أو قصيرا جدا، لكن إن كان النهار طويلا جدا وعجز عن إتمام صوم يوم لمرضه، أو يفضي إلى زيادة مرضه، أو بطء برئه أو لكبر سنه أو لنحو ذلك من الأسباب جاز له أن يفطر، ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء. وهذا ما أخذ به المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، جاء فـي القرار الثالث من الدورة الخامسة للمجمع:

البلدان التي يظهر فيها الليل والنهار خلال أربع وعشرين ساعة، وتتمايز فيها الأوقات إلا أن الليل يطول فيها في فترة من السنة طولاً مفرطاً ويطول النهار في فترة أخرى طولاً مفرطاً. على المكلفين أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب، وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم، ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل، وكان مجموع زمانهما أربعاً وعشرين ساعة، ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط، وإن كان قصيراً فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد، وقد قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة: 187]، ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله، أو علم بالأمارات أو التجربة، أو إخبار طبيب أمين حاذق، أو غلب على ظنه، أن الصوم يفضي إلى مرضه مرضاً شديداً، أو يفضي إلى زيادة مرضه، أو بطء برئه، أفطر، ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء. قال الله تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) [البقرة: 185]، وقال الله تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286]، وقال: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) [الحج: 78]. والله ولي التوفيق”.

 

وأخذ به أيضا مجلس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، حيث جاء في قراره رقم (61):

“من كان يقيم في بلاد يتمايز فيها الليل من النهار بطلوع فجر وغروب شمس إلا أن نهارها يطول جدا في الصيف ويقصر في الشتاء على المكلفين القاطنين في تلك البلاد أن يمسكوا كل يوم منه عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس في بلادهم، ما دام النهار يتمايز في بلادهم من الليل، وكان مجموع زمانهما أربعا وعشرين ساعة، ويحل لهم الطعام والشراب والجماع ونحوها في ليلهم فقط، وإن كان قصيرا، فإن شريعة الإسلام عامة للناس في جميع البلاد، وقد قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة: 187].

ومن عجز عن إتمام صوم يوم لطوله أو علم بالأمارات أو التجربة أو إخبار طبيب أمين حاذق أو غلب على ظنه أن الصوم يفضي إلى إهلاكه أو مرضه مرضا شديدا، أو يفضي إلى زيادة مرضه أو بطء برئه أفطر ويقضي الأيام التي أفطرها في أي شهر تمكن فيه من القضاء”.

وجاء في فتوى للشيخ محمد العثيمين رحمه الله: “إذا كان هناك ليل ونهار فإنه يعتبر الليل والنهار طال أو قصر، حتى لو فرض أن الليل أربع ساعات والنهار عشرون ساعة اعتبر الليل ليلاً والنهار نهاراً، وأما إذا لم يكن هناك ليل ونهار كالمناطق القطبية فإنه يقدر تقديراً”.

 

القول الثاني: ما دادم أن النهار أو الليل طوله مفرط جدا فيؤخذ بالتقدير للنهار والليل كما في القسم الأول (المناطق التي يستمر فيها النهار أو الليل أكثر من 24 ساعة) ثم اختلف أصحاب هذا القول في كيفية التقدير.

فذهب بعضهم إلى التقدير بالليل والنهار في مكة المكرمة، وهذا ما أخذت به لجنة الفتوى بالأزهر، حيث جاء في فتوى لها بتاريخ 24/4/1983 م: (من يعيش في مثل هذه البلاد التي يطول فيها النهار طولاً بعيداً لا يستطاع معه الصيام طول النهار، عليه أن يبدأ الصيام من أول طلوع الفجر في البلد الذي يعيش فيه، ويستمر صيامه ساعات تساوي الساعات التي يصومها من يعيش في مكة المكرمة، ثم يفطر بعد هذه الساعات، فمثلاً إذا كان زمن صيام أهل مكة من فجرهم إلى غروب شمسهم يتم ثلاث عشرة ساعة كان على أهل هذه البلاد أن يبدأوا صيامهم من فجر بلدهم ويستمروا صائمين ثلاث عشرة ساعة ثم يفطرون ولو كان النهار موجودا)، وأخذت به دار الإفتاء الأردنية عام 1399هـ.

ومنهم من ذهب إلى أنهم يصومون على أقرب البلاد المعتدلة التي لا يطول فيها النهار أو الليل طولا مفرطا، فيقدرون يومهم وليلهم بأقرب البلاد التي يشهد أهلها الشهر، ويعرفون وقت الإمساك والإفطار، والتي تتميز فيها الأوقات، ويتسع ليلها ونهارها لما فرض الله من صوم وقيام على الوجه الذي يحقق حكمة التكليف دون مشقةأو حرج.

المراجع

1. أبحاث هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، قرار رقم (61).
2. أوقات الصلوات في البلاد ذات خطوط العرض العالية، سعد بن تركي الخثلان.
3. قرارات المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي، القرار السادس من الدورة التاسعة.
4. فتاوى الأزهر.
5. مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ/ محمد بن صالح العثيمين (12/206).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى