ترقيع غشاء البكارة
غشاء البكارة -بالفتح للباء- هو الجلدة التي تكون على قبل المرأة وتسمى عذرة أيضًا، والعذراء هي المرأة التي لم تفتض بكارتها,والبكر هي التي لم يمسها رجل.
والبكارة كسائر أجزاء الجسد معرضة إلى أن تصاب بتلف كلي أو جزئي نتيجة حادث مقصود أو غير مقصود، بسبب قدري كَمَرَض أو بسبب تصرف إنساني كاعتداء,وقد يكون هذا التصرف في ذاته معصية وقد لا يكون.
ورتق البكارة: إصلاحها وإعادتها على وضعها السابق قبل التمزق,أو إلى وضع قريب منه,وهو عمل الأطباء المتخصصين، فهو داخل في الجراحة الرأبية أو التجميلية الخاصة بالفرج، وتعتبر من الناحية العملية جراحة بسيطة.
ويمكن اختصار تعريف الرتق العذري بأنه: إعادة عذرة المرأة بتدخل جراحي.
أو إغلاق المهبل بواسطة غشاء البكارة.
وهذا العمل له مصالح ومفاسد فأما مصالحه التي يحققها فمنها:
1- الستر في حال كون غشاء البكارة ناشئ عن فعل الفاحشة,والستر مقصد شرعي عظيم قررته النصوص الشرعية كقوله ﷺ: (لو سترته بثوبك كان خيرًا لك) (رواه أبو داود ح4377وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته ح13950).
حماية بعض الأسر التي ستتكون في المستقبل من بعض عوامل الانهيار؛ إذ إن زواج الفتاة وانكشاف أمرها مظنة القضاء على هذه الأسرة الوليدة في مهدها أو على الأقل إضعافها بالشك وفقدان الثقة بين أطرافها,ولا شك أن إيجاد الأسرة المتماسكة بالثقة بين طرفيها مقصد شرعي.
الوقاية من سوء الظن: فإن قيام الطبيب بهذا العمل يساعد على إشاعة حسن الظن بين الناس، ويسد بابًا لو ظل مفتوحًا لاحتمل أن يدخل منه سوء الظن إلى النفوس، والخوض فيما حرم الله تعالى وحذر مجتمع الإيمان منه تحذيرًا شديدًا,وقد يترتب على ذلك ظلم البريئات من الفتيات، وإشاعة حسن الظن بين المؤمنين مقصد شرعي معتبر.
تحقيق المساواة والعدل بين الرجل والمرأة,ذلك أن الرجل مهما فعل الفاحشة لا يترتب على فعله أي أثر مادي ولا يثور حوله أي شك، إن لم يثبت عليه ذلك بوسائل الإثبات الشرعية.
وكذا الحال بالنسبة للمرأة المتزوجة أو التي سبق لها الزواج كالمطلقة والأرملة، فهي لا تتعرض لمثل تلك المؤاخذة,في الوقت التي تؤاخذ المرأة البكر اجتماعيًا وعرفيًا على زوال بكارتها، حتى وإن لم يقم دليل معتبر شرعًا على ارتكابها الفاحشة، وتحقيق العدالة بين الناس أمام النظام في الإسلام مقصد شرعي، إلا ما ثبت استثناؤه بدليل شرعي.
أن قيام الطبيب المسلم بإخفاء تلك القرينة الوهمية (في دلالتها على الفاحشة)، له أثر تربوي عام في المجتمع وخاصة فيما يتعلق بالفتاة نفسها.
فأما الأثر العام فبيانه: أن المعصية إن أخفيت انحصر ضررها في نطاق ضيق جدًا، وقد يقتصر على فاعلها إلم يتب عنها,وإن تاب عنها انمحى أثرها تمامًا، وأما إذا شاعت بين الناس وتناقلتها الأخبار ازداد أثرها السيئ وتناقصت هيبة الناس من الإقدام عليها.
وأما الأثر الخاص بالفتاة فإن هذا العمل يشجعها على التوبة وييسر أمرها، على فرض وقوعها في المعصية.
وأما المفاسد التي يعتبر الرتق مظنة له فمنها:
1- الغش والخداع,: وذلك أن الفتاة التي فقدت بكارتها أيا كان السبب بإعادتها للبكارة توهم أنها لا زالت بكرًا، في حين أن الأمر بخلاف ذلك، وكون البكارة قد زالتن بعذر شرعي يعد ابتلاءً وامتحانًا لها.
2- التشجيع على الفاحشة: وذلك أن مَن أرادت أن تمارس هذه الفاحشة لن تجد خوفًا من الفضيحة؛ لأن بإمكانها رتق بكارتها، وربما أخرت ذلك حتى تمارس رذيلتها في أطول وقت ممكن.
3- كشف العورة: وذلك أنه يستلزم من عملية الرتق العذري كشف العورة المغلظة، والأصل في ذلك التحريم إلا لضرورة.
للعلماء في حكم الرتق العذري ثلاثاتجاهات:
الاتجاه الأول:المنع مطلقا؛ لما يؤدي إليه هذا الفعل من اختلاط الأنساب، ولما فيه من اطلاع على العورة،ولأن هذا الفعل يسهل للفتاة ارتكاب الجريمة لعلمها بإمكان إصلاح ما يفسد، ولما ينطوي عليه من الغش،ويتعارض مع قواعد الشريعة، ومنها قاعدة: لا ضرر ولا ضرار.
الاتجاه الثاني:الجواز مطلقا؛ لأنه لا يوجد ما يدل على عدم مشروعيتها في الفقه الإسلامي سواء أكان رتق الغشاء بسبب غير أخلاقي، أو بسبب أخلاقي تعذر الفتاة به، حيث يجوز إجراء تلك الجراحة في جميع الحالات.
الاتجاه الثالث: التفصيل، وذلك أن أسباب زوال البكارة تنقسم إلى ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: أسباب غير وطء النكاح مما ليس بمعصية شرعًا.
الصنف الثاني: ارتكاب فاحشة الزنى دون إكراه.
الصنف الثالث: وطء النكاح وما يلتحق به.
فأما الصنف الأول فمثل الحوادث والآفات والمصائب التي تصيب الفتاة فتؤدي إلى تمزق البكارة,كالسقطة,والصدمة, والحمل الثقيل,وطول العنوسة,وكثرة دم الحيض,والخطأ في بعض العمليات التي يكون الغشاء محلًا لها، واستعمال كمادات التنظيف، وممارسة بعض الرياضات، ونحو ذلك، وألحق به الاغتصاب، وكذلك الزنا بها وهي نائمة نائمة أو هي صغيرة بناءً على مخادعة أو غير ذلك.
فإن التكليف مرفوع عن الصغار والمكرهين فهنا ينظر: إن غلب على الظن أن الفتاة ستلاقي عنتًا وظلمًا بسبب الأعراف والتقاليد السائدة كان إجراء الرتق واجبًا؛لما فيه من دفع مفاسد يغلب على الظن وقوعها,وإن كان يغلب على الظن عدم وقوع هذه المفاسد كان الرتق مندوبًا، وليس بواجب، أو يكون مباحًا.
الصنف الثاني: ارتكاب فاحشة الزنا دون إكراه وهي بالغة عاقلة.
وهنا فرق بين حالتين: الحالة الأولى: أن يكون زوال البكارة بسبب زنا اشتهر بين الناس سواءً كان اشتهاره نتيجة صدور حكم قضائي على الفتاة، أو نتيجة تكرار الزنى من الفتاة وإعلانها لذلك واشتهارها بالبغاء،فيحرم على الطبيب حينئذٍ رتق غشاء البكارة؛لعدم وجود المصلحة،ولعدم خلوه من المفسدة.
والحالة الثانية: أن يكون زوال البكارة بسبب زنا لم يشتهر أمره، فالطبيب مخير بين إجرائها وعدم إجرائها,وإجراؤها أولى لأنه من باب الستر.
الصنف الثالث: زوال البكارة بسبب وطء في عقد النكاح سواءً أكانت المرأة مطلقة أو أرملة، وإجراء الرتق في هذه الحالة يكون حرامًا؛ لأن هذا الفعل لا مصلحة فيه,ومن باب أولى يحرم إجراؤه لامرأة متزوجة,لأنه عبث ولهو,ولا يجوز للطبيب النظر إلى عورة المرأة دون ضرورة أو حاجة.
1- عملية الرتق العذري في ميزان المقاصد الشرعية، د. محمد نعيم ياسين، مطبوع مع مجموعة أبحاث للمؤلف طبع دار النفائس والبحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية جامعة الكويت العدد العاشر شعبان 1408.
2- أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها، د. محمد بن محمد المختار الشنقيطي،نشر مكتبة الصحابة.
3- الحكم الشرعي لجراحة إصلاح غشاء البكارة، دراسة فقهية مقارنة، ا.د. عبد الله مبروك النجار، بحث مقدم إلى مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية الثالث عشر، 13 ربيع أول 1430.
4-الأحكام الطبية المتعلقة بالنساء في الفقه الإسلامي تأليف:الدكتور محمد خالد منصور،نشر دار النفائس للنشر والتوزيع، ط.1419.