أن تقوم بعض مراكز التسوق بعرض بعض السيارات كدعاية لها, من خلال إجراء سحب على هذه السيارات، يدخل هذه السحوبات مَن يحصل على كوبونات , يتم الحصول على هذه الكوبونات بشرط الشراء بقيمة معينةٍ من أحد محلات هذا المركز
هذه المسألة مما اختلف فيها العلماء المعاصرون على اتجاهين:
الاتجاه الأول: تحريمها، وهو ما ذهب إليه سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز –رحمه الله-, وذلك لما فيه من الغرر وهو قمار, وهو الميسر الذي حرمه الله، والمذكور في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)[سورة الأنعام].
الاتجاه الثاني: إباحة هذه المعاملة بقيدين, وهما: أولهما: ألا يزاد على سعر السلعة في السوق. والثاني: أن تشترى السلعة للحاجة إليها, لا من أجل الجائزة؛ وممن قال بهذا القول الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بالإمارات , وفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
الفتاوى الصادرة عن الهيئات الشرعية والفتاوى العلمية:
أولًا: الفتاوى الصادرة عن الهيئات الشرعية:
1/ الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف (الإمارات).
سئلت هيئة الفتوى عن موضوع السحب على سيارة ([1]).
فأجابت بما يلي:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
وفقك الله للأعمال الصالحات، ورزقك من الطيبات، واعلم أن جواب ما سألت عنه، هو مايلي:
– من اشترى كوبونا لمجرد الحصول على سيارة عرضها أهلها بشرط الشراء من محلهم بسعر محدد, على أن تتم القرعة بعد ذلك بين أصحاب الكوبونات، ومن وقعت القرعة عليه أعطي السيارة، فهذه الصيغة لا تجوز، لما تحتوي من الغرر, لأن صاحب الكوبون قد لا تخدمه القرعة، ويصبح وقد دفع مالا معلوما في مجهول, وقد أكل الطرفُ الآخر مالَه بغير وجه حق، وهذا من القمار الذي حرمه الله في كتابه، حيث قال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 90]، وجاء في الموطإ وغيره (أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) [مسلم ( 1513)] وهو أصل من أصول البيع المُحرَّمِ, فيدخل فيه الكثير من صيغ البيوع المنهي عنها: قال الحافظ ابن عبد البر في التمهيد: “الأصل في هذا الباب كله النهي عن القمار والمخاطرة، وذلك للميسر المنهي عنه”([2]).
أمَّا من حصل على الكوبون بهبة كأن اشترى من المحل الذي عنده عرض معين ولم يكن يقصد العرض, وإنما اشترى لحاجة غير السحب, وكافأه أصحاب المحل بالكوبون, فيجوز له أن يدخل به ذلك السحب، والله أعلم.
ثانيًا: الفتاوى العلمية:
1/ فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله.
سئل فضيلة الشيخ رحمه الله عن موضوع السحب على سيارة.
فأجاب رحمه الله بما يلي:
هذه المعاملة تعد من القمار؛ وهو الميسر الذي حرمه الله، والمذكور في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) [المائدة: 90- 91].
فالواجب على ولاة الأمر وأهل العلم في مدينتكم وغيرها إنكار هذه المعاملة، والتحذير منها؛ لما في ذلك من مخالفة كتاب الله العزيز، وأكل أموال الناس بالباطل.
رزق الله الجميع الهداية والاستقامة على الحق.
2/ فتوى فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
سئل فضيلة الشيخ رحمه الله عن موضوع السحب على سيارة ([3]).
فأجاب رحمه الله بما يلي:
هذا نوع من البيوع نخاطب به البائع والمشتري، نقول للبائع: هل أنت ترفع سعر السلعة من أجل هذه الجائزة أو لا ؟ إن كنت ترفع السعر فإنه لا يجوز، لأنه إذا رفع السعر، واشترى الناس منه، صاروا إما غارمين وإما غانمين، يعني إما رابحين، وإما خاسرين.
فإذا كانت هذه السلعة في السوق مثلًا تساوي عشرة فجعلها باثني عشر من أجل الجائزة، فهذا لا يجوز، لأن المشتري باثني عشر: إما أن يخسر الزائد على العشرة، وإما أن يربح أضعافًا مضاعفة بالجائزة، فيكون هذا من باب الميسر والقمار المحرم، هذه واحدة.
فإذا قال البائع: أنا أبيع بسعر الناس، لا أزيد ولا أنقص، فله أن يضع تلك الجوائز تشجيعًا للناس على الشراء منه.
ثم نتجه إلى المشتري فنقول له: هل اشتريت هذه السلعة لحاجتك إليها، وأنك كنت ستشتريها سواء كان هناك جائزة أم لا ؟ أم أنك اشتريتها من أجل الجائزة فقط ؟
فإن قال الأول، قلنا: لا بأس أن تشتري من هذا أو من هذا، لأن السعر ما دام كسعر السوق، وأنت ستشتري هذه السلعة لحاجتك، فحينئذ تكون إما غانمًا وإما سالمًا، ففي هذه الحال لا بأس أن تشتري من صاحب الجوائز.
وأما إذا قال: أنا أشتري ولا أريد السلعة, وإنما أشتري لأجل أن أحصل على الجائزة، قلنا: هذا من إضاعة المال، لأنك لا تدري أتصيب الجائزة أو لا تصيبها.
وقد بلغني أن بعض الناس يشتري علب اللبن وهو لا يريدها، يشتريها ويريقها، لعله يحصل على الجائزة، فهذا يكون من إضاعة المال، وقد ثبت أن النبي ﷺ نهى عن إضاعة المال [البخاري (6108) ومسلم (593)] بقي شيء ثالث: إذا قال قائل: هذه المعاملة تضر بالبائعين الآخرين، لأن هذا البائع إذا جعل جوائز للمشترين, وكان سعره كسعر السوق، اتجه جميع الناس إليه, وكسدت السلع عند التجار الآخرين، فيكون هذا ضررًا على الآخرين، فنقول هذا يرجع إلى الدولة، فيجب على الدولة أن تتدخل إذا رأت أن هذا الأمر يوجب اضطراب السوق، فإنها تمنعه إذا رأت المصلحة في منعه، أو إذا رأت أنه من التلاعب في الأسواق – والتلاعب في الأسواق يجب على ولي الأمر أن يمنعه.
[1]) ينظر : نص السؤال في فتوى رقم (13761) .
[2]) التمهيد (13/12) .
[3]) ينظر : نص السؤال في “لقاءات الباب المفتوح” (3/72).
1/ الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف (الإمارات), فتوى رقم (13761).
2/ فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله مجموع فتاوى ومقالات متنوعة الجزء التاسع عشر , نشر في كتاب (فتاوى إسلامية)، من جمع الشيخ / محمد المسند، ج2، ص: 367.
3/ فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله. “لقاءات الباب المفتوح”(3/72).
4/ الحوافز المرغبة في الشراء في الفقه الإسلامي (رسالة ماجستير), د. خالد بن عبدالله المصلح, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, كلية الشريعة.