قسم الأقليات المسلمةباب العلاقات الدولية

الحوار بين الأديان

مسألة رقم 85

العناوين المرادفة

التواصل مع مختلف الملل.
اللقاءات مع ممثلي الديانات المختلفة.
صراع الأديان.

صورة المسألة

قيام المسلم خارج ديار الإسلام بالحوار والتواصل مع ممثلي الديانات المختلفة في قضايا ومسائل متنوعة، عن طريق المشاركة في ندوات ومؤتمرات وحوارات بجانب أصحاب الديانات الأخرى، ومن ذلك حضور لقاءات ما يعرف ب (انترفيث ديالوج ).

حكم المسألة

اللقاءات مع ممثلي الديانات المختلفة فيه تفصيل، لأن منها ما هو مشروع، ومنها ما هو ممنوع، فإن قصد بها الدعوة إلى الله وبيان الحق فهو مشروع، وإن قصد به السعي لإيجاد تعايش آمن بين أصحاب الديانات المختلفة تحقن به الدماء، ويتمكن الناس معه من التقلب في أسفارهم آمنين، ويتوصل به إلى صيغة لتحقيق المصالح الحياتية المشتركة بين البشر لا سيما بين من ينتمون إلى إقليم واحد أو تجمعهم روابط مشتركة تمس الحاجة معها إلى مثل هذا التعاون فهذا أيضاً مشروع، ولا حرج فيه، وأما إن قصد به الدمج بين الأديان، والخلط بين الملل، والسعي إلى إيجاد إطار عقدي مشترك يمسخ خصوصياتها العقدية فهذا محرم لا يجوز.

وينبغي ألا يتصدر لمثل هذه اللقاءات والحوارات إلا من لديه علم وقدرة على الحوار، ولا مدخل فيها للعوام وأشباههم، والأصل في الحوار مع أهل الكتاب أن يكون بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم، وأن يكون المقصد إظهار الحق وهداية الخلق، والتأدب بآداب الحوار.

وهذا ما نص عليه مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، والمجلس الأوروبي للإفتاء وأفتى به الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله ([1]).

ويرى المجلس الأوروبي للإفتاء أن الأولى ترك استخدام عبارة: “التقريب بين الأديان ” واستخدام كلمات أخرى مثل: الحوار، والاشتراك والتعاون.

وذكر مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا في قراره رقم 14 / 5 أنه لا حرج في إقامة هذه اللقاءات في مساجد المسلمين أو في معابد غيرهم، على أن تراعى حرمة المساجد، وعدم التشويش على من فيها من المصلين، ولا حرج إذا حضرت الصلاة أن يصلي المسلمون في معابد الملل الأخرى مع تجنب استقبال التماثيل، وأن يأذنوا لغير المسلمين بالصلاة في مساجدهم إذا لم يكن ذلك على وجه الاعتياد، وفي قواعد الشريعة ومقاصدها دليل على ذلك.

ومن رغب في مشاركة المسلمين في صلاتهم من غيرهم فلا يمنع من ذلك إذا ترجحت مصلحة تأليف قلبه بذلك، على أن يكون في صف مستقل أو في طرف الصف حتى لا يقطع اتصال الصف، مع الاتفاق على أن الإيمان شرط في صحة جميع الأعمال وفي قبولها.

ولا حرج فيما قد يقع في بعض هذه اللقاءات من التهادي ما لم تمنع من حق أو تحمل على باطل؛ لأنه من جملة البر والقسط الذي أمرنا به في التعامل مع المسالمين من غير المسلمين.

وأما ما تفتتح به هذه اللقاءات أو تختم به من دعاء مشترك فإنه إذا لم يتضمن دعاء غير الله ولم يشتمل على عبارات شركية فلا حرج فيه؛ لما ورد في بعض الآثار من الإذن لغير المسلمين بشهود صلاة الاستسقاء.

وما يتخلل هذه اللقاءات من أنشطة مشتركة منها ما يكون من جنس العبادات ومنها ما يكون من جنس العادات، فما كان من جنس العبادات لا تشرع المشاركة فيه، لتردده بين كونه عبادة بدعية، أو عبادة شركية، وما كان من جنس العادات فلا حرج في المشاركة فيه عند الاقتضاء تألفا للقلوب واستصلاحا للأحوال.

ولا حرج في التحالف في هذه اللقاءات وغيرها على نصرة المظلوم، والتعاون على أعمال البر العامة، وفي حلف الفضول وصحيفة المدينة دليل على ذلك.

وعلى قادة الجالية الإسلامية العناية بلقاءات الإنترفيث وتدريب الدعاة المتمكنين للقيام بهذا الأمر.

 

أهم الأدلة التي استدلوا بها:

الحوار بين رسالة الإسلام والرسالات السماوية الأخرى له معان مقبولة، لأمر الله تعالى بقوله: (ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل 125)، وقوله عز وجل: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ) (آل عمران 64)

التأسي بسنة رسول الله ﷺ في الحوار مع نصارى نجران وغيرهم.

أن رسالة الإسلام وإن تباينت مع الرسالات السماوية الأخرى في أصول وفروع معروفة، فقد اشتركت معها في أخرى معتبرة، مثل عموم الإيمان بالله تعالى والنبوات واليوم الآخر وأصول الأخلاق، وأسس البناء الاجتماعي كالأسرة والمحافظة على البيئة وقضايا حقوق الإنسان والشعوب المستضعفة والتصدي للطغيان والمظالم على كل المستويات القطرية والدولية، وإشاعة روح التسامح ونبذ التعصب وحروب الإبادة والعدوان، ويؤكد هذه المعاني للحوار مع أهل الملل الأخرى اشتداد عواصف الفلسفة المادية والإباحية والإلحاد والتفكيك لأواصر المجتمعات في ظل ثورة الاتصال التي جعلت من العالم قرية صغيرة توشك أن تشترك في المصير، بما يعزز مساعي الحوار والتعاون مع أهل الملل الأخرى ولا سيما مع أهل الكتاب.

أما إذا كان المقصود بالحوار إذابة الفوارق بين الأديان، ومسخ خصوصياتها العقدية، من أجل اللقاء في منطقة وسطى جمعا بين التوحيد والتثليث والتنـزيه والتشبيه مثلا، فذلك مما يأباه الدين الخاتم الكامل قال تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) المائدة: ٤٩.


([1]) انظر: قرار مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا رقم 14/ 5، وقرار المجلس الأوروبي للإفتاء رقم 1/ 4، وفتاوى الدعوة لابن باز 4/ 36، وفتاوى الأقليات 47.

المراجع

• قرارات مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا.
• قرارات المجلس الأوروبي للإفتاء.
• فتاوى الأقليات المسلمة لمجموعة من العلماء.
• فتاوى الدعوة لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن باز إصدار مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية.
• إسعاف المغتربين بفتاوى العلماء الربانيين إعداد: متعب بن عبد الله القحطاني.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى