الحماية من الأمراض المعدية
الحجر الصحي هو الحد من تحركات الأصحاء الذين اختلطوا بمن أصيب بمرض سار خلال فترة القابلية للعدوى.
ويهدف هذا الإجراء الصحي إلى الحد من انتشار المرض الساري في المجتمع، لأن هؤلاء المخالطين الذين يبدون بصحة جيدة قد يكون المرض انتقل إليهم دون أن تظهر الأعراض عليهم؛ لأنهم لايزالون في فترة حضانة للمرض.
الحجر الصحي جائز، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى مايسمى اليوم بالحجر الصحي؛ لمواجهة الأمراض السارية التي تحصل في العادة بصورة وبائية، حيث قال:«الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل، أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض، فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض، وأنتم بها فلا تخرجوا، فرارًا منه» أخرجه البخاري ح3473 ومسلم ح2218،وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى منع القدوم على بلد فيها وباء، ومنع الخروج منها كذلك، للحديث المتقدم، وهذا ماقرره العلم الحديث بعد أن أصبح الأطباء يعرفون الكثير من طبائع الأمراض المعدية المسببة للأوبئة، فقد أقر أهل الطب طريقة الحجر على المصابين في الأوبئة وتحديد تحركاتهم، أو عزلهم في أقسام خاصة بالمستشفيات؛ لتقليل فرصة انتشار الوباء في المجتمع، وصنفت الأمراض المعدية بحسب خطورتها وقدرتها على الانتشار وإحداث الوباء، وشرعت قوانين وأنظمة صارمة تجبر المصابين بهذه الأمراض على العزل في المستشفى أو في الأقسام المتخصصة، وأطلقوا على هذه الأمراض: الأمراض المحجرية، ومنها: مرض الطاعون، والحمى الصفراء، وغيرها.
واعتبرت السنة النبوية أن من مات في وباء الطاعون صابرا محتسبا فله أجر الشهيد، ومن ذلك ماروته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت (سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَنِ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ.) أخرجه البخاري ح 3474.
والطاعون في اللغة يطلق على الوباء والمرض العام([1]).
والمقصود بشهادة من مات بالوباء أن له أجر الشهيد في الآخرة، أما في الدنيا فيعامل كغيره من الأموات الذين ماتوا خارج ميدان القتال، فيغسل، ويصلى عليه.
ويجب على الأطباء معالجة المرضى المصابين بأمراض معدية أو سارية، ولايجوز للطبيب أن يفر من منطقة موبوءة، وليس له أن يمتنع عن علاج مريض مصاب بأحد هذه الأمراض؛ لأن امتناعه يساهم في تفشي الوباء، وبخاصة أن الطبيب يعرف وسائل الوقاية، ويستطيع أن يحمي نفسه من الإصابة بإذن الله تعالى.
1-الموسوعة الطبية الفقهية، د. أحمد محمد كنعان، مادة (حجر، عدوى)، دار النفائس، بيروت.
2-الخبرة الطبية وأثرها في الإثبات، مساعد بن عبدالرحمن آل جابر، رسالة ماجستير غير منشورة، مقدمة لنيل درجة الماجستير من جامعة الملك خالد، لعام 1432.
3- معجم مصطلحات الفقه الطبي، تأليف د. نذير محمد أوهاب، ط. كرسي الأمير سلطان بن عبد العزيز للدراسات الإسلامية المعاصرة، الرياض، 1434.
4- الشهيد في السنة النبوية من واقع الكتب الستة، عادل جاسم المسبحي، الناشر دار الإمام الذهبي، ط.1، الكويت، 1429.