الجناية بنقل الأمراض للمجتمع

إذا حرُم نقل العدوى إلى شخص بعينه كان تحريم نقله إلى المجتمع أشد وآكد؛ لأنه حينئذ يكون ضربا من الإفساد في الأرض، واستهدافا للأنفس المعصومة بهذا الوباء، والنكاية بالمجتمع بأسره؛ وذلك كله مما علم تحريمه من الدين بالضرورة لجملة من الأدلة، من أبرزها:

1. قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)[الأحزاب:58] ونقل العدوى إلى المجتمع إيذاء له، فيدخل في عموم الآية الدالة على تحريم الإيذاء.
2. قوله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ) [المائدة:33].

وجه الدلالة: أن تعمد نقل العدوى إلى المجتمع من جملة صور الفساد في الأرض؛ لأنه جناية على الأنفس المعصومة بالأمراض الفتاكة، وتهديدٌ للصحة العامة التي تمثل إحدى مقومات الأمن العام.

3. وقوله في وصايا قوم موسى لقارن: (وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) [القصص:77] ونقل العدوى إلى المجتمع من جملة صور الفساد.
4. ولقوله – ﷺ – : (لا ضرر ولا ضرار) [أخرجه مالك برقم: (31) 2/745، وابن ماجه برقم: (2341) 2/784، والحاكم برقم: (2345) 2/66، وصححه على شرط مسلم].

وجه الدلالة: أن نقل العدوى إلى المجتمع إلحاق للضرر به فكان منفيا في الشريعة.

5. ولأن صيانة الأنفس المعصومة والمحافظة على سلامتها مقصودٌ ضروري علم مراعاته في الشريعة على سبيل القطع، ونقل العدوى إلى العامة يؤدي إلى اختلاله فيكون ممنوعا.

وأما الآثار المترتبة على هذا الفعل حال حدوثه فهو من بحث المسألة التالية: “التسبب في نقل الأمراض” بناء على أن هذه الجناية من صور الجناية على العامة بالتسبب.