قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب الجنايات

الجناية بالصعق الكهربائي.

مسألة رقم 233

العناوين المرادفة

1. الجناية بالتيارات الكهربائية.
2. الجناية بالصدمات الكهربائية.
3. الجناية على النفس بالصعق الكهربائي.

صورة المسألة

قد يحدث الاعتداء بواسطة أجهزة أو أدوات ذات تيارات كهربائية، والتي تتميز بخطورتها وتأثيراتها في جسم الإنسان، وهذه التأثيرات تتفاوت بين حروق طفيفة أو إغماء، أو شلل أو إصابات شديدة … تؤدي إلى الوفاة.

وبالتالي إذا اعتدى شخص على آخر عبر هذه الوسائل ما الوصف الشرعي لهذه الجناية؟

قبل بيان الحكم يحسن إيراد جدول يفصل أنواع الإصابات بحسب قوة التيار الكهربي:

المقادير شدة التيار بالمللي أمبير التأثير على جسم الإنسان
آمنة أقل من 1 لا يشعر به الإنسان بتاتا
1-8 يشعر بالصدمة بدون ألم، مع رعشة خفيفة، ويمكنه الابتعاد.
 

غير آمنة

8-15 صدمة مؤلمة ويمكنه الابتعاد عنها، والتحكم في عضلاته.
11-20 صدمة متوسطة، ويفقد السيطرة على العضلات القريبة من مصدر الصدمة والعضلات الضعيفة.
20-50 صدمة شديدة، لا تمكن من الحركة، ويشعر المصاب بألم وتقلصات شديدة في العضلات، وصعوبة في التنفس.
 

خطرة

50 – 100 صدمة شديدة جدا تسبب شللا واضطرابا في القلب، وقد يؤدي إلى الوفاة.
100 – 200 صدمة كهربائية عامة، وشللا عاما، لا علاج لهذه الحالة، وتعتبر الوفاة مؤكدة.
200 فأكثر صدمة عنيفة، وحروق شديدة مع تقلصات شديدة في العضلات، وفاة فورية، والوفاة مؤكدة في فترة حدوث الصدمة.

حكم المسألة

أولا: تحرير محل النزاع.

تقرر أن الخطأ في الجناية لا يوجب القود بالإجماع؛ ومن ثم يكون التلف الحاصل من الصعق الكهربائي بسبب الخطأ لا يوجب القود، وإنما يترتب عليه الضمان والكفارة في إتلاف النفس.

 

ثانيا: إذا حصلت الجناية مع القصد له حالتان:

الأولى: أن تؤدي إلى فوات النفس، وحينئذ يكون قد توافر في الجناية القصد بما يقتل غالبا، فيكون قتل عمد عند الجمهور، ويمكن تخريجه على القتل بالخنق الذي يمثل إحدى صور قتل العمد؛ بناء على أن العامل في الوفاة بالنظر إلى النتيجة حسب كلام الأطباء الاختناق أو تلف الجهاز التنفسي، كما يمكن تخريجه أيضا على القتل بالنار بالنظر إلى كونه يحرق جسم المصاب بما يشل بعض وظائفه الحيوية، ويؤدي به إلى الوفاة في ثاني الحال.

ونورد فيما يلي خلاف الفقهاء في موجب القتل في المسألتين القتل بالخنق والقتل بالنار، وبيانهما فيما يأتي:

أولا: بيان موجب القتل بالخنق.

 

اختلف الفقهاء في موجَب القتل بالخنق على اتجاهين:

الأول: أن القتل بالخنق يوجب القصاص، وهو مذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة، وقول الصاحبين أبي يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني، ومقتضى ذلك: أن الجناية بالصعق الكهربائي توجب القود بشرطه.

الثاني: أن القتل بالخنق يوجب الدية على العاقلة، وهو مذهب أبي حنيفة، ومقتضاه: أن الجناية بالصعق الكهربائي لا توجب القصاص، وإنما تترتب عليها الدية على العاقلة.

استدل أصحاب الاتجاه الأول – القائلون بثبوت القصاص به – بجملة من الأدلة، أبرزها:

  1. قوله تعالى:(وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا)[الإسراء:33].

وجه الدلالة: أن المقتول بالخنق قد قُتِل مظلوما، فوجب أن يكون لوليه القود؛ بدليل أنه أعقبه بالنهي عن الإسراف في القتل في قوله: (فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ )[الإسراء: ٣٣].

  1. ما رواه أنس – رضي الله عنه – أن النبي –ﷺ– رضّ رأس اليهودي الذي رض رأس الجارية. [أخرجه البخاري برقم: (2413) 3/121، ومسلم برقم: (1672) 3/1299].

وجه الدلالة: أن القتل بالخنق في معناه؛ فوجب أن يكون موجبا للقود بشرطه.

ونوقش: أن قتل اليهودي كان بسبب نقض العهد، وليس ذلك راجعا إلى القود.

  1. أن القتل بالخنق قتلٌ عمدٌ عدوان؛ فوجب أن يكون فيه القصاص كالقتل بالمحدد.
  2. ولأن القود مشروع لحراسة النفوس بدليل قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) [البقرة:179] والقتل بالخنق اعتداء عليها فلزم أن يكون موجبا للقصاص؛ وإلا أدى إلى تعطيله.
  3. ولأن الخنق عامل في إزهاق الروح بنفسه، والجارح مزهق بطريق الجراحة؛ فكان أولى.

استدل أصحاب الاتجاه الثاني – القائلون بثبوت الدية دون القصاص – بأدلة من أبرزها:

  1. قوله – عليه الصلاة والسلام – : (لا قود إلا بالسيف) [أخرجه ابن ماجه برقم: (2667) 2/889، والدارقطني برقم: (3109) 4/69، وضعفه كثير من أهل العلم].
  2. وقوله: (لا قود إلا بحديدة). [أخرجه الدارقطني برقم: (3110) 4/70، وضعفه كثير من أهل العلم].
  3. وقوله: (كل شيء خطأ إلا السيف) [أخرجه الدارقطني برقم: (3176) 4/105، وضعفه كثير من أهل النقل].

وجه الدلالة: أن “لا” النافية للجنس تدل على العموم؛ وبالتالي فإن القصاص يختص بالقتل الواقع بالسيف على سبيل الحصر، وهذا ما فهمه الصحابة – رضي الله عنهم – كما روي ذلك عن علي وابن مسعود -رضي الله عنهما – أنهما قالا: “العمد السلاح”. [أخرجه عبدالرزاق في مصنفه برقم: (17174) 9/271، وابن أبي شيبة برقم: (27675) 5/427].

ونوقش من وجهين:

الأول: أن الأحاديث المتقدمة ضعيفة لا تثبت عند أئمة النقل، ومن ثم فلا تنهض لإثبات الحكم المدعى في صورة النزاع.

الثاني: أن المراد بالحديثين الأولين حال الاستيفاء؛ وذلك يختلف عن آلة الجناية، والقاعدة: “أن الكلام إذا سيق لمعنى لا يحتج به في معنى غيره”.

  1. ما رواه المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – (أن امرأة ضربت ضرتها بعمود فسطاط، وهي حبلى؛ فقتلتها، فقضى رسول الله –ﷺ– بديتها على عصبتها) [أخرجه البخاري برقم: (6910) 9/11، ومسلم برقم: (1682) 3/1311].

وجه الدلالة: أن الحديث دليل على سقوط القود بالقتل بالمثقل، والقتل بالخنق من جملة صوره فيتناوله الحكم.

نوقش: أن الحكم الوارد في هذا الحديث يتعلق بقضية عين، وقضايا الأعيان لا يتمسك بعمومها في إثبات الأحكام نظرا إلى خصوصيتها المانعة من الإلحاق.

  1. أنه لا فرق بين صغير المحدد وكبيره في إيجاب القود؛ فيجب أن يكون كبير المثقل لا يوجب القود كصغيره.

ونوقش: أن هذا القياس فاسد الاعتبار؛ لأنه على خلاف ما تواتر من النصوص في إثبات حكم القصاص بحصول الجناية على النفس على وجه العمد العدوان إذا توافر سائر شروطه.

ثانيا: بيان موجَب القتل بالنار.

أولا: تحرير محل النزاع.

اتفق الفقهاء على أن الجاني إذا أضرم النار في معصوم أو ألقاه فيها بحيث لا يمكنه التخلص منها لقوتها أو ضعفه…أن القتل في هذه الحالة قتل عمدٌ؛ لأنه يقتل غالبا، ومقتضاه: أنه لو استعمل الصعق الكهربائي في الجناية بما لا يمكنه الخلاص كان عمدا باتفاق.

ثانيا: اختلفوا في حال أمكن المجنيُّ عليه التخلص منها فبقي حتى مات على ثلاثة اتجاهات:

الأول: يثبت القصاص على الجاني، وهذا وجه عند الشافعية، ومقتضاه: أن استعمال الصعق الكهربائي بقصد الجناية يوجب القود بشرطه.

وعللوا ذلك: أن النار بقوتها قد تشنج الأعضاء فتحول دون حركته مما يمنع المجني عليه من الخلاص.

ونوقش: أن هذه الحالة تعد من قبيل العمد الخارج عن محل النزاع؛ لانتفاء القدرة على الانفكاك؛ وذلك يوجب أن يكون عمدا محضا.

 

الاتجاه الثاني: لا يثبت القصاص عليه، وإنما تجب الدية، وهو مذهب الحنفية والمالكية، وقول عند الشافعية، ووجه عند الحنابلة، ومقتضى ذلك: أن استعمال الصعق الكهربائي بقصد الجناية يوجب الدية دون القصاص.

واستدلوا على ذلك بما يلي:

  1. أن الجاني جنى بما يفضي إلى الهلاك، ومن ثم لا يمكن اعتبار الجناية هدرا لمجرد استدامة الجناية من المجني عليه؛ قياسا على ترك المداواة من المريض بما تسبب في الهلاك أنه يوجب الدية دون القصاص.

نوقش: أن بقاءه في النار جزء من الجناية، بخلاف ترك المداواة فلا يسبب زيادة في الجناية.

  1. أن للنار قوة في الحرارة تذهل عن محاولة التخلص منها، ولو كان الظاهر خلافه.

ونوقش: أن النار إذا أذهلت عن محاولة الخلاص كان ذلك مما جرى الاتفاق على كونه موجبا للقصاص.

 

الاتجاه الثالث: لا يثبت فيه القصاص، ولا تلزمه الدية، وإنما يضمن أرش الجناية، وهو قول عند الشافعية، ووجه عند الحنابلة، ومقتضى ذلك: أن استعمال الصعق الكهربائي بقصد الجناية يوجب الأرش لا غير.

واستدلوا على ذلك بدليلين:

الأول: أن التلف حاصل بالاستدامة دون أصل الجناية، فأشبه ما جرحه فوسّع الجرح حتى مات.

نوقش: أن التلف حاصل بالجناية والاستدامة؛ بدليل: أنه لو لم تقع الجناية لم تتأت استدامتها.

الثاني: أن استدامة البقاء مع إمكان الخلاص منها يشبه ما إذا ألقاه في ماء يسير يمكنه الخروج منه فلم يفعل حتى مات، والجامع: إمكان إنقاذ النفس عند وجود سبب الهلاك في الحالتين.

ونوقش: أن الماء لا يُهلك بذاته بدليل أن الناس يدخلونه للسباحة، بخلاف النار فهي مهلكة بذاتها؛ فافترقا.

الثانية: أن يؤدي إلى فوات عضو أو منفعة، فيترتب عليه الضمان إذا كان مما ورد الشرع بتحديده؛ وذلك لتعذر الاستيفاء، والتعزير بما يراه القاضي مناسبا للجناية عند انتفاء تقدير الشارع.

 

المراجع

1. الأحكام الفقهية المتعلقة بالأدخنة والأبخرة والغازات، للدكتورة فاطمة بنت عبدالله الرشيد، ماجستير قسم الفقه الشريعة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
2. الأحكام الفقهية المتعلقة بالكهرباء لعبد الله بن يوسف بن إبراهيم، دكتوراه بقسم الفقه، كلية الشريعة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، عام: 1437 ه الموافق: 2016 م.
3. بدائع الصنائع لعلاء الدين أبوبكر بن مسعود الكاساني (ت 587هـ)
4. البيان والتحصيل لأبي الوليد محمد بن أحمد بن رشد (ت 520هـ)
5. التاج والإكليل لمختصر خليل لمحمد بن يوسف المواق (ت 897هـ)
6. الجناية على النفس بالصعق الكهربائي لعبدالرحمن العسكر، موقع الملتقى الفقهي (www.feqhwed.com).
7. الحاوي الكبير لأبي الحسن علي بن محمد الماوردي (ت 450 هـ).

8. روضة الطالبين وعمدة المفتين لأبي زكريا محي الدين النووي
(ت 676 هـ).
9. المبدع في شرح المقنع لإبراهيم بن محمد بن مفلح (ت 884 هـ).
10. المبسوط لمحمد بن أحمد السرخسي (ت 483 هـ).
11. المغني لأبي محمد موفق الدين بن قدامة (ت 620 هـ).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى