قسم المعاملات الماليةباب البنوك والقروض

التورق المصرفي المنظم وصوره المستجدة

المسألة رقم 192

العناوين المرادفة

• التورق المنظم.
• التورق المبارك.
• تورق الخير. تيسير، مال.

صورة المسألة

يتقدم العميل( المتورِّق) بطلب شراء سلعة من البنك بالتقسيط، فإذا قبل طلبه يطلب الموظف المختص منه التوقيع على عقد البيع، وبالتوقيع يكون قد امتلك هذه السلعة، ثم يفاد بأن له حرية التصرف فيها، فإن شاء أخذها مكَّنه البنك من ذلك، أو شاء توكيل جهة لبيعها فله ذلك، وله أن يوكل البنك في إعادة بيعها على إحدى الشركات، والمعمول به في البنوك أن العميل يوكل البنك في بيع السلعة، فيقوم البنك ببيعها نقدا نيابة عن العميل إلى إحدى الشركات، ومن ثم يوضع ثمنها في حساب العميل خلال يومين.
وخلاصة ذلك: أن يقوم المصرف ببيع سلعة على العميل المتورق بثمن آجل، ثم ينوب المصرف عن المشتري فيبيع هذه السلعة نقداً لطرف آخر، ويسلم الثمن النقدي للعميل.

حكم المسألة

اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة على اتجاهين:

الاتجاه الأول: حرمة التورق المصرفي، وهو ما ذهب إليه كل من المجمع الفقهي الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي الدولي، وجماعة من المعاصرين.

واستدلوا بما يلي:

  • حقيقة التورق تؤول إلى الربا؛ لأن غرض طرفي العقد الحصول على نقد بنقد مؤجل والسلعة واسطة بين النقدين.
  • التزام البائع في عقد التورق بالوكالة في بيع السلعة لمشتر آخر أو ترتيب من يشتريها يجعلها شبيهة بالعينة الممنوعة شرعا، سواء كان الالتزام مشروطا صراحة أم بحكم العرف والعادة المتبعة.
  • أن هذه المعاملة تؤدي في كثير من الحالات إلى الإخلال بشرط القبض الشرعي اللازم لصحة المعاملة.

 

الاتجاه الثاني: جواز التورق المصرفي، وممن قال بذلك: عبد الله بن منيع، ومحمد تقي العثماني، وجمع من الباحثين.

واستدلوا بما يلي:

  • قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، ووجه الدلالة : أن الله أحل جميع صور البيع إلا ما دل دليل على تحريمه، ولا دليل على تحريم التورق فيدخل في عموم الآية.
  • الأصل في المعاملات الحل، والأصل في العقود والشروط الإباحة، والتورق داخل في هذا.
  • التورق المصرفي المنظم يحقق عدة فوائد منها: أن التورق يعدُّ بديلاً شرعياً للاقتراض بفائدة ربوية محرمة، وهو وسيلة للحصول على السيولة والتسهيلات المالية لكل من المؤسسات المالية والأفراد.

 

صور مستجدة للتورق المصرفي

الصورة الأولى: التورق المصرفي في مرابحات السلع الدولية مع المؤسسات المالية.

صورة المسألة:

أن يوقع المصرف والمؤسسة الراغبة في التمويل اتفاقية استثمار يحدد فيها الرغبة المتبادلة من الطرفين في الدخول في عمليات المتاجرة في السلع، ويحدد نوع السلعة بشرط أن تكون غير محرمة، ثم تحدد فيها المقصود بالمصطلحات المستخدمة كالمرابحة ونحوها، ثم تعين هذه المؤسسة وكيلا للمصرف يتولى جميع الأعمال المتعلقة بالشراء على أن يتم بيع السلعة إما على الوكيل نفسه، أو طرف ثالث، ويقع على الوكيل الالتزام بتسديد الثمن عنه للمصرف إن كان هو المشتري، أو تحصيله من الطرف الثالث، وفق آلية محددة للبيع والشراء.

حكم المسألة:

للعلماء المعاصرين في هذه المسألة اتجاهان:

الاتجاه الأول: إنها جائزة، وإليه ذهب بعض الباحثين، واشترطوا في ذلك شروطا هي: إقرار الوكيل بأن البيع والشراء حقيقي وليس صوريا، وأن يسدد المصرف بنفسه الثمن للبائع، وأن يقبض الوكيل مستندات شراء السلع قبل إعادة البيع، وأن لا يتعامل الوكيل بالفائدة الربوية.

ودليلهم: أن هذه المعاملة هي مجرد بيع يصح بتوفر سائر شروطه وأركانه.

الاتجاه الثاني: إنها غير جائزة، وإليه ذهب بعض الباحثين.

ودليلهم: أن هذه المعاملة في حقيقتها قرض ربوي.

 

الصورة الثانية: التورق لتمكين العملاء من سداد ديونهم لدى البنوك الربوية، والانتقال إلى التعامل مع المصارف الإسلامية.

صورة المسألة:

أن يتقدم العميل إلى المصرف بطلب شراء سلعة من البنك بثمن مؤجل، فيبيعه البنك السلعة، ثم يوكل العميل البنك في بيع السلعة بنقد حاضر، فيبيعها البنك لإحدى الشركات بثمن نقدي حاضر أقل من الثمن المؤجل، ويضع الثمن في حساب العميل خلال يومين، وبعدها يقوم بسداد ديونه.

حكم المسألة:

يختلف حكم المسألة باختلاف صاحب الدين وسنتاول ذلك في فرعين:

الفرع الأول: أن يكون الدين لبنك آخر، وقد أجاز هذه المعاملة بعض الباحثين.

وأدلة الجواز:

  • أن المقصود منها التحرر من الربا والدخول في المعاملات الإسلامية.
  • لا تعارض أصلا من أصول الشريعة.

الفرع الثاني: أن يكون الدين لنفس البنك المقدم للتورق للعميل، وللمعاصرين في ذلك اتجاهان:

 

الاتجاه الأول: جواز هذه المعاملة، وممن قال بذلك: عبد الله بن سليمان المنيع، وبعض الباحثين.

واستدلوا بما يلي:

  • هذا التورق من قلب الدين على المدين؛ لكن نظرا لأن المقصود منها التحرر من الربا والدخول في المعاملات الإسلامية فلا مانع من ذلك.
  • أنه من باب الأخذ بأدنى المفسدتين لتفويت أعلاهما.

 

الاتجاه الثاني: حرمة هذه المعاملة، وإلى هذا ذهب بعض الباحثين.

دليل المنع:

حقيقة هذه المعاملة أنها من قلب الدين على المدين وهي نوع من أنواع الربا المجمع على تحريمه.

 

الصورة الثالثة: التورق العكسي

العناوين المرادفة:

المنتج البديل للوديعة لأجل.

صورة المسألة:

أن يقوم العميل بتسليم المصرف الإسلامي مبلغًا معينًا من المال كمائة ألف، ويُوكل المصرف في شراء سلعة محددة بذلك المبلغ، فيشتريها المصرف من الأسواق الدولية، ومن ثم يقوم الوكيل (المصرف) ببيعها لنفسه بثمن مؤجل، وبهامش ربح يتم الاتفاق عليه بين المصرف والعميل، قد يصل إلى مائة وعشرة آلاف.

حكم المسألة:

اختلف المعاصرون في حكم التورق العكسي على اتجاهين:

الاتجاه الأول: عدم جواز التورق العكسي، وبه أخذ مجمع الفقه الإسلامي الدولي، واختار ذلك جماعة من المعاصرين.

واستدلوا بما يلي:

  • أن هذه المعاملة مماثلة لمسألة العينة المحرمة شرعاً من جهة كون السلعة المبيعة ليست مقصودة لذاتها، فتأخذ حكمها، خصوصاً أن المصرف يلتزم للعميل بشراء هذه السلعة منه.
  • أن هذه المعاملة تدخل في مفهوم التورق المصرفي المنظم، فما علل به منع التورق المصرفي المنظم من علل توجد في هذه المعاملة.
  • أن هذه المعاملة تنافي الهدف من التمويل الإسلامي القائم على ربط التمويل بالنشاط الحقيقي، بما يعزز النمو والرخاء الاقتصادي.
  • التورق العكسي يتضمن معاملة: “الوديعة لأجل” التي تدخل في مفهوم المبدأ الفقهي: “كل قرض جرّ نفعًا فهو ربا”، فالفائدة المأخوذة عليه في الحقيقة هي ربا محرم شرعًا.
  • التورق العكسي يتضمن أن يبيع الوكيل لنفسه، وهو ممنوع شرعًا.
  • أن ممارسة التورق العكسي قد يجر إلى صبغ بعض المعاملات الربوية بالصبغة الإسلامية، أو الشرعية.

 

الاتجاه الثاني: جواز التورق العكسي، وممن قال بذلك عبد الله بن سليمان المنيع.

أدلة الجواز:

  • قوله تعال: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } [البقرة: 275]، فعموم الآية يشمل التورق العكسي، والأصل في المعاملات الإباحة.
  • للتورق العكسي فوائد، منها:

أ/ أنه يعطي العميل فرصة الاستفادة من المبالغ المودعة في حسابه لدى المصرف، كما يعطيه مرونة في السحب والإيداع.

ب/ أن مبالغ العميل المودعة في وضع استثماري مباح، فهو منتج مبني على البيع والشراء.

 

الملاحق:

المجمع الفقهي الإسلامي:

قرار المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة 19-23/10/ 1424ه الموافق 13-17/12/2003م:

” قد نظر في موضوع ” التورق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر” وبعد الاستماع إلى الأبحاث المقدمة حول الموضوع، والمناقشات التي دارت حوله، تبين للمجلس أن التورق الذي تجريه بعض المصارف في الوقت الحاضر هو: قيام المصرف بعمل نمطي يتم فيه ترتيب بيع سلعة ( ليست من الذهب والفضة) من أسواق السلع العالمية أوغيرها على المستورق بثمن آجل، على أن يلتزم المصرف إما بشرط في العقد أو بحكم العرف والعادة أن ينوب عنه في بيعها لمشتر آخر بثمن حاضر، وتسليم ثمنها للمستورق.

وبعد النظر والدراسة قرر المجمع ما يلي:

أولاً: عدم جواز التورق الذي سبق توصيفه…”.

 

مجمع الفقه الإسلامي:

قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 179(19/5) في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بإمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة المنعقدة من 1-5 جمادى الأولى 1430ه، الموافق 26-30 إبريل 2009م:

أولاً: أنواع التورق وأحكامها:

  • التورق في اصطلاح الفقهاء: هو شراء شخص (المستورق) سلعة بثمن مؤجل من أجل أن يبيعها نقدا بثمن أقل غالبا إلى غير من اشتريت منه بقصد الحصول على النقد، وهذا التورق جائز شرعا شرط أن يكون مستوفيا لشروط البيع المقررة شرعا.
  • التورق المنظم في الاصطلاح المعاصر: هو شراء المستورق سلعة من الأسواق المحلية أو الدولية أو ما شابهها بثمن مؤجل يتولى البائع (الممول) ترتيب بيعها إما بنفسه أو بتوكيل غيره أو بتواطؤ المستورق مع البائع على ذلك، وذلك بثمن حال أقل غالبا.
  • التورق العكسي: هو صورة التورق المنظم نفسها مع كون المستورق هو المؤسسة والممول هو العميل.

ثانياً: لا يجوز التورقان (المنظم والعكسي) وذلك لأن فيهما تواطؤ بين الممول والمستورق، صراحة أو ضمنا أو عرفا؛ تحايلا لتحصيل النقد الحاضر بأكثر منه في الذمة وهو ربا”

فتوى ندوة البركة:

“الأصل في البنوك الإسلامية تطبيق المضاربة والمشاركة ونحوهما من العقود المؤصلة في الفقه الإسلامي، وأن الصورة المثلى أن تكون العلاقة بين البنك وعملائه هي المضاربة. وإن المتبع في المرابحة أن يكون البنك هو البائع، ولا يجوز قلب هذه العلاقة، بحيث يكون المشتري هو البائع في المرابحة (المرابحة العكسية) مع تضمين هذه العملية التزام البنك بأداء النسبة التي قُيدت بها المرابحة، والالتزام بالتوكيل في التورق وحق البيع للنفس”.

فتوى هيئة الرقابة الشرعية للبنك العربي الإسلامي الدولي في الأردن:

“المرابحة المصرفية المنظمة، أو المرابحة المصرفية العادية، أو المعاكسة هي نوع من أنواع الحيل الربوية التي ترى الهيئة عدم اعتمادها أسلوباً من أساليب التمويل المصرفي الإسلامي”.

المراجع

1- التورق المصرفي، رياض بن راشد عبد الله آل رشود، وزارة الشئون الإسلامية – قطر، الطبعة الأولى، 1434ه-2013م.
2- التورق الفقهي وتطبيقاته المصرفية المعاصرة في الفقه الإسلامي، د. محمد عثمان شبير، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الدورة التاسعة عشرة المنعقدة بإمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة.
3- التورق والتورق المنظم، سامي إبراهيم السويلم، بحث مقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي – رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.
4- التورق حقيقته وأنواعه، د. وهبة الزحيلي، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الدورة التاسعة عشرة المنعقدة بإمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة.
5- أعمال وبحوث الدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي الإسلامي في مكة المكرمة، المجلد الثاني.
6- قرارات المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة 19-23/10/ 1424ه الموافق 13-17/12/2003م.
7- قرارات مجمع الفقه الإسلامي الدولي رقم 179(19/5) في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بإمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة المنعقدة من 1-5 جمادى الأولى 1430ه، الموافق 26-30 إبريل 2009م.
8- العينة والتورق والتورق المصرفي، علي السالوس، بحث مقدم للدورة السابعة عشرة للمجمع الفقهي الإسلامي المنعقدة بمكة المكرمة، في المدة 19-23/10/ 1424ه الموافق 13-17/12/2003م
9- تطبيقات التورق واستخداماته في العمل المصرفي الإسلامي، موسى آدم عيسى، بحث مقدم إلى مؤتمر دور المؤسسات المصرفية الإسلامية، جامعة الشارقة.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى