قسم الفقه الطّبيباب التلقيح الصناعي

التلقيح الصناعي الداخلي

المسألة رقم 68

العناوين المرادفة

أطفال الأنابيب.

صورة المسألة

هو عبارة عن: نقل المني صناعيًا من ذكر الرجل إلى مهبل الأنثىبقصد الحمل.
وقيل هو:عملية طبية تتمثل في إخصاب المرأة عن طريق حقن السائل المنوي لزوجها أو لأحد الأغيار في المكان المناسب من المهبل.
وذكر غير الزوج تكميلا للقسمة وللتصور، ولا يخفى أن التلقيح الشرعي ما كان من زوجٍ، كما يتبين في الحكم.
يستوي بعد ذلك أن تكون النطفة المستخدمة في عملية التلقيح طازجة أو مجمدة.
والفارق الوحيد بين هذا النوع من التلقيح وبين التلقيح الطبيعي هو أن الآلة الصناعية الخاصة تنوب عن العضو التناسلي للرجل في عملية قذف المني داخل مهبل المرأة، وأما بقية مراحل تكوين البويضة الملقحة فهي مشابهة لما يحدث في التلقيح الطبيعي.
التلقيح الصناعي الداخلي له ثلاث صور على النحو الآتي:
الأولى:استدخال ماء الزوج إلى داخل بوق رحم زوجته بوسيلة طبية ليتحد مع بويضتها حال قيام العلاقة الزوجية واستمرارها، وذلك لاستحالة التلقيح الطبيعي، لأي سبب من الأسباب.
الثانية: استدخال ماء الزوج المتوفى، والذي أخذ منه حال حياته إلى داخل بوق رحم أرملته بوسيلة طبية، ليتحد مع بويضتها بعد انفصام العلاقة الزوجية بوفاة الزوج.
الثالثة: استدخال ماء رجل إلى بوق رحم امرأة أجنبية عنه، قد تكون زوجة أو أرملة لرجل آخر، وقد تكون صاحبة الماء مطلقة،وقد تكون بكرًا، ويكون ذلك بوسيلة طبية.
أسباب اللجوء إلى التلقيح الصناعي كثيرة ومنها:
1- اختلال وظائف المبيض.
2- انسداد الأنبوب الذي يصل المبيض بالرحم.
3- ضعف الرحم أو انعدامه.

حكم المسألة

اختلف الفقهاء في حكم التلقيح الصناعي الداخلي على قولين:

القول الأول: ذهب جمهور الفقهاء إلى إباحة التلقيح الداخلي، واستدلوا لمذهبهم بأدلة كثيرة منها:

  • أن العقم – أو عدم الإخصاب –أيَّا كان نوعه مرض يجوز التداوي منه،ومن ثم فإن كل وسيلة لا تتنافى مع الشريعة من شأنها علاج العقم، تكون جائزة شرعًا؛ لأن الأصل الجواز حتى يرد دليل يقتضي المنع.
  • أن العقم يقلل من عدد المسلمين، والنبي ﷺ يحث على التكاثر،ودل عليه ما رواه النسائي في سننه وابن حبان في صحيحه عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَلِدُ أَفَأَتَزَوَّجُهَا فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ”

أخرجه النسائي (ح 3227)وصححه الألباني.

  • أن عملية التلقيح الداخلي لا تتعارض البتة مع خلق الله للإنسان؛إذ أن هذه التجارب لن تتم إلاَّ بمشيئة الله تعالى، وهي أخذ الحيوان المنوي من الرجل،وأخذ البويضة من المرأة، وكلاهما –الرجل والمرأة –من مخلوقات الله تعالى، وفي البيئة التي حددتها حكمة الله تعالى، ولا يتم نجاح مثل هذه الوسائل إلاَّ بإرادة الله تعالى، فكان التلقيح الداخلي وفق الشروط الموضوعة جائز شرعًا.
  • أن الاتصال الجنسي ليس هو السبيل الوحيد لإيصال ماء الرجل إلى رحم زوجته،إذ أن الحمل قد يكون باستدخال المني في المكان المخصص من رحم الزوجة دون اتصال كالحقن مثلًا،كما هو الحال في التلقيح الصناعي الداخلي، فوسيلة إدخال المني لا يتوقف عليها تكوين الجنين الذي هو من الماء الدافق الذي يستكمل مؤهلاته الطبيعية.
  • أن الرجل العقيم هو الذي يستحيل عليه الإنجاب حتى بالمساعدة الطبية، أما إذا كانت المساعدة الطبية مجدية في هذا الأمر، أي يمكنها تذليل العقبة التي تحول بينه وبين الإنجاب بطريق مشروع، فليس في هذا الأمر خرق لقوانين الطبيعةأو خروج على الدين، وتعدٍ على المشيئة الإلهية.
  • أن التلقيح الصناعي بين الزوج وزوجته قد يكون سببًا من أسباب الاستقرار العائلي؛ لأن الزوج والزوجة إذا كان أحدهما أو كلاهما ليست لديه القدرة على الإنجاب فإن ذلك قد يؤدي إلى هدم الحياة الزوجية؛لأن الرغبة في الإنجاب رغبة ملحةتفرض نفسها على الإنسان، فإذا علم كل منهما أن الرغبة هذه من الممكن أن تتحقق لهما عن طريق التلقيح الصناعي، أدى ذلك إلى إضفاء الاستقرار على الأسرة.

القول الثاني: ذهب بعض أهل العلم إلى القول بعدم جواز التلقيح الداخلي.

واستدلوا لمذهبهم: بما ذكره الحنابلة في كتبهم، ومنها ما جاء في المغني لابن قدامة من كتاب اللعانفي مسألة: إنكار الولد الذي ولدته امرأتهقال مانصه: (ولا معنى لقول من قال: يجوز أن تستدخل المرأة مني الرجل فتحمل؛لأن الولد مخلوق من مني الرجل والمرأة جميعا، ولذلك يأخذ الشبه منهما، وإذا استدخلت المني بغير جماع لم تحدث لها لذة تمني بها فلا يختلط منهما، ولو صح ذلك لكان الأجنبيان -الرجل والمرأة- إذا تصادقا أنها استدخلت منيه، وأن الولد من ذلك المني يلحقه نسبه، وما قال ذلك أحد)[1].

 

شروط التلقيح الصناعي الداخلي:

يشترط لتوافر التلقيح الصناعي الداخلي – عند قال بجوازه – عدة شروط:

الشرط الأول: أن يتم التلقيح الداخلي بين زوجين.

ولتحقيق هذا الشرط يلزم رضا الزوجين،بحيث لورفضت الزوجة ذلكوجب النظر في سبب رفضها، فإن كان سبب الرفض مقبولًا،كأن يكون في الحمل تعريض صحتها للخطر،لم تجز التضحية بها؛لأن حق الزوجة في الحياة حق خالص، لايشاركها فيه إنسان،ولأن الرغبة في الولد رغبة مشتركة بين الزوج وزوجته، فإذا أراد الزوج تحقيق هذه الرغبة دون موافقة زوجته، كان في ذلك اعتداء على الحق المشترك.

أما إذا كان رفض الزوجة إجراء عملية التلقيح غير مبرَّرفهو أمر تعسفي، ومع ذلك لا يجوز إجبارها على إجراء عملية التلقيح.

أما إذا كان الرفض من جانب الزوج:فإن كان سبب الرفض مقبولًا كأن يظن أن منيه سيختلط بمني غيره، وجب في هذه الحالة احترام حقه في الرفض.

فإذا قامت الزوجة بالتواطؤ مع الطبيب، وتم إجراء هذه العملية رغمًا عن الزوج، كأن تمت هذه العملية بطريق الغش والخداع للزوج، فإنه يترتب على ذلك محاسبة كل من الزوجة والطبيب عن ذلك، كما لا يجوز للزوج إنكار نسب الطفل الناتج من هذه العملية،متى ثبت يقينا أن الطفل جاء من مني الزوج.

ومع ذلك يجوز لكل من الزوجين وفقًا للقواعد العامة للشريعة أن يعدل عن رضاه قبل إتمام عملية التلقيح، أما إذا كان العدول بعد إتمام إجراءات عملية التلقيح وإدخال البويضة، فلا يكون لهذا العدول أثر على إتمامالعملية الإنجابية.

الشرط الثاني: استحالة الإنجاب بالطريق الطبيعي، بسبب إصابة الزوجين أو أحدهما بالعقم أو ضعف الخصوبة.

الشرط الثالث: أن يقةن بذلك امراة مسلمة، فإلم يوجد فامرأة غير مسلمة، فإلم يوجد فرجل بشرط انتفاء الحلوة.

 

الشرط الرابع: أن تتم عملية التلقيح أثناء العلاقة الزوجية، مما يلزم منه ضرورة تحقق أمرين:

أولهما:أخذ المني (العينة)من الزوج أثناء قيام الزوجية.

الثاني: إتمام عملية التلقيح وعلوق الحمل بالرحم قبل انقضاءها.

أما إذا حدثت عملية التلقيح بعد وفاة الزوج، ففي المسألة قولان:

القول الأول: يجوز تلقيح المرأة بعد وفاة زوجها، شريطة أن يتم ذلك أثناء العدة، إذ لم يرد دليل على الحرمة، فيبقى الأمر على الحكم العام، وهو الإباحة، لاسيما وأن آثار الزواج لا تزال قائمة بعد وفاة الزوج وأثناء العدة.

القول الثاني: لا يجوز تلقيح المرأة بعد وفاة زوجها، ولو بمنيه، ولو كان قبل انقضاء العدة، إذ يحرم التلقيح قبل العدة وبعدها، وذلك لانقطاع الصلة بينهما، وهو مذهب أكثر الفقهاء، وأقره مجمع البحوث الإسلامية في مصر في 17/رجب /1406 حيث قرر أن وضع ماء الزوج في رحم زوجته بعد وفاته حرام شرعًا؛لأنها لم تصبح امرأته، وهذا الفعل محرم شرعًا؛لأنه وضع حيوانات منوية من رجل في امرأة صارت أجنبية عنه،فقد قطع الموت بينهما.

أما مجمع الفقه الإسلامي التابع للرابطة: فقد بحث المسألة من جميع جوانبها وصدر بذلك قرار منه في دورته السابعة عام 1404هـ، ومما جاء فيه: “إن الأسلوب الثالث الذي تؤخذ فيه البذرتان الذكرية والأنثوية من رجل وامرأة زوجين أحدهما للآخر، ويتم تلقيحها خارجيًا في أنبوب اختبار، ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة نفسها صاحبة البويضة، هو أسلوب مقبول مبدئيًا في ذاته بالنظر الشرعي، لكنه غير سليم تمامًا من موجبات الشك فيما يستلزمه، ويحيط به من ملابسات، فينبغي ألا يلجأ إليه إلا في حالات الضرورة القصوى، وبعد أن تتوفر الشرائط العامة الآنفة الذكر”.

 

وهذه الشرائط هي ما جاء في نص القرار:

  • إن انكشاف المرأة المسلمة على غير من يحل شرعًا بينها وبينه الاتصال الجنسي لا يجوز بحال من الأحوال، إلا لغرض مشروع يعتبره الشرع مبيحًا لهذا الانكشاف.
  • إن احتياج المرأة إلى العلاج من مرض يؤذيها أو من حالة غير طبيعية في جسمها تسبب لها انزعاجًا، يعتبر ذلك غرضا مشروعًا يبيح لها الانكشاف على غير زوجها لهذا العلاج، وعندئذ يتقيد ذلك الانكشاف بقدر الضرورة.
  • كلما كان انكشاف المرأة على غير من يحل بينها وبينه الاتصال الجنسي مباحًا لغرض مشروع، يجب أن يكون المعالج امرأة مسلمة إن أمكن ذلك، وإلا فامرأة غير مسلمة، وإلا فطبيب مسلم ثقة، وإلا فغير مسلم، بهذا الترتيب.

ولا تجوز الخلوة بين المعالج والمرأة التي يعالجها إلاَّ بحضور زوجها، أو امرأة أخرى.

وقرر المجمع أيضا: “أن حاجة المرأة المتزوجة التي لا تحمل، وحاجة زوجها إلى الولد تعتبر غرضًا مشروعًا يبيح معالجتها بالطريقة المباحة من طرق التلقيح الصناعي”. كما صدر قرار لمجمع الفقه الدولي في دورة مؤتمره الثالثعام 1407 يتضمن جواز هذا الأسلوب من أساليب التلقيح الصناعي.

 

[1]المغني 8/80، والمراد نفي القول في استلحاق النسب.

المراجع

1.العلاج بالخلايا الجذعية، رسالة دكتوراه لبدرية الغامدي، كلية الشريعة قسم الفقه
2.أحكام التجارب الطبية، رسالة دكتوراه لعبد الرحمن العثماني، كلية الشريعة قسم الفقه
3.أبحاث فقهية في قضايا طبية معاصرة، د. محمد نعيم ياسين، دار النفائس، بيروت.
4.أطفال الأنابيب، د. عبد الرحمن البسام، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، الدورة الثانية،العدد2، 1407..
5.التلقيح الصناعي بين أقوال الأطباء وآراء الفقهاء،د.أحمد محمد لطفي أحمد،دار الفكر الجامعي، 2006م.
6.توصيات وقرارات (الندوة الفقهية الطبية السادسة)المنعقدة في الكويت في الفترة مابين 23- 26 أكتوبر 1989 م بالتعاون بين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ومجمعالفقه الإسلامي.
7.حكم الاستنساخ والتلقيح الصناعي في الفقه الإسلامي، مجلة الدراسات القانونية كلية الحقوق،جامعة أسيوط عدد21، 18.
8.أحكام التلقيح غير الطبيعي، د. سعد بن عبدالعزيز الشويرخ، ط. كنوز أشبيليا، الرياض.
9.أحكام الجنين في الفقه الإسلامي، عمر محمد غانم، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 1421.
10.طرق الإنجاب في الطب الحديث، وحكمها الشرعي، الشيخ بكر أبو زيد (ضمن كتاب فقه النوازل)، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط.1، 1423
11.أطفال الأنابيب، للشيخ رجب التميمي، بحث مقدم لمجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، العدد الثاني.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى