التخصيب المجهري.
أطفال الأنابيب.
أحكام تتعلق بالتلقيح الصناعي.
يقصد بها الحمل والإنجاب بغير الطريق الطبيعي لذلك – أي بدون الاتصال الجنسي بين الزوجين– وإنّما يكون بما يعرف الآن “بالتلقيح الصناعي” ويسمّى الأولاد الذين يولدون بهذه الصورة ب “أطفال الأنابيب” باعتبار أنّ تلقيح بويضة الأنثى بمنيّ الرجل يتمّ داخل الأنابيب وله ستة عشر صورة بعضها داخلي وبعضها خارجي.
التلقيح الصناعي له صور عدة منها ما هو مشروع ومنها ما هو محرم قطعاً، ومنها ما هو متردد بين الحل والحرمة.
فأما المشروع فهو أن يؤخذ مني الزوج وتلقح به بويضة المرأة نفسها في رحم المرأة من غير اتصال جسدي، وكذلك أن يؤخذ مني الزوج ويلقح بها بويضة المرأة خارج الرحم، ثم يعاد ذلك إلى رحم المرأة، فلا حرج في الصورتين المذكورتين، إذا دعت إلى ذلك حاجة كالعجز عن الإنجاب بالصورة الطبيعية أو لصعوبة ذلك.
الصورة المحرمة:
أن يؤخذ المني من رجل غير زوج المرأة أو يؤخذ بويضة من غير زوجة الرجل، أو يؤخذ مني الزوج وبويضة الزوجة ووضعهما في رحم امرأة أخرى غير زوجته.
الصورة المترددة بين الحل والحرمة:
إذا كان للرجل زوجتان وإحداهما لا تحمل فأخذت بويضة إحداهما ولقحت بمنيه ووضعت في رحم زوجته الأخرى، فإن هذا محل خلاف بين أهل العلم، والراجح لدى كثير من العلماء أنّه لا يجوز احتياطاً، لأنّه يحتاط في الأبضاع ما لا يحتاط في غيرها.
جاء قرار المجمع الفقهي – التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة- في هذه المسألة بعد دراسة مستفيضة لكل حالات التلقيح الداخلية أو الخارجية بجواز حالتين فقط والبقية محرمة، وتلك الحالتان هما ما يكون فيها اجتماع ماء الرجل مع ماء زوجته في حال الزوجية دون طرف ثالث، نص القرار في ذلك:
أولا: أحكام عامة:
- إن انكشاف المرأة على غير من يحل بينها وبين الاتصال الجنسي لا يحل بحال من الأحوال إلا لغرض مشروع يعتبره الشرع مبيحا لهذا الانكشاف.
- إن احتياج المرأة إلى العلاج من مرض يؤذيها أو من حالة غير طبيعية في جسمها تسبب لها إزعاجا، يعد ذلك غرضا مشروعا يبيح لها الانكشاف على غير زوجها لهذا العلاج، وعندئذ يتقيد ذلك الانكشاف بقدر الضرورة.
ج- كلما كان انكشاف المرأة على غير من يحل بينها وبين الاتصال الجنسي مباحا لغرض مشروع يجب أن يكون المعالج امرأة مسلمة-إن أمكن ذلك- وإلا فامرأة غير مسلمة، وإلا فطبيب مسلم ثقة، وإلا فغير مسلم، بهذا الترتيب، ولا تجوز الخلوة بين المعالج والمراة التي يعالجها إلا بحضور زوجها، أو امرأة أخرى.
ثانيًا: حكم التلقيح الاصطناعي:
1-إن حاجة المرأة المتزوجة، التي لا تحمل، وحاجة زوجها إلى الولد، تعتبر غرضًا مشروعًا، يبيح معالجتها بالطريقة المباحة، من طرق التلقيح الاصطناعي.
2-إن الأسلوب الأول (الذي تؤخذ فيه النطفة الذكرية، من رجل متزوج، ثم تحقن في رحم زوجته نفسها، في طريقة التلقيح الداخلي) هو أسلوب جائز شرعًا، بالشروط العامة الآنفة الذكر، وذلك بعد أن تثبت حاجة المرأة إلى هذه العملية لأجل الحمل.
3-إن الأسلوب الثالث (الذي تؤخذ فيه البذرتان الذكرية والأنثوية من رجل وامرأة زوجين أحدهما للآخر، ويتم تلقيحهما خارجيًّا في أنبوب اختبار، ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة نفسها صاحبة البويضة) هو أسلوب مقبول مبدئيًّا في ذاته، بالنظر الشرعي، لكنه غير سليم تمامًا من موجبات الشك، فيما يستلزمه، ويحيط به من ملابسات، فينبغي ألاَّ يلجأ إليه إلا في حالات الضرورة القصوى، وبعد أن تتوفر الشرائط العامة الآنفة الذكر.
4-وفي حالتي الجواز الاثنتين، يقرر المجمع: أن نسب المولود، يثبت من الزوجين مصدري البذرتين، ويتبع الميراث والحقوق الأخرى ثبوت النسب، فحين يثبت نسب المولود، من الرجل والمرأة، يثبت الإرث وغيره من الأحكام، بين الولد ومن التحق نسبه به.
5-وأما الأساليب الأخرى، من أساليب التلقيح الاصطناعي، في الطريقين الداخلي والخارجي، مما سبق بيانه، فجميعها محرمة في الشرع الإسلامي، لا مجال لإباحة شيء منها، لأن البذرتين الذكرية والأنثوية فيها، ليستا من زوجين، أو لأن المتطوعة بالحمل هي أجنبية عن الزوجين مصدر البذرتين.
هذا، ونظرًا لما في التلقيح الاصطناعي- بوجه عام-من ملابسات، حتى في الصورتين الجائزتين شرعًا، ومن احتمال اختلاط النطف، أو اللقائح في أوعية الاختبار، ولاسيما إذا كثرت ممارسته وشاعت، فإن مجلس المجمع الفقهي ينصح الحريصين على دينهم، ألاَّ يلجؤوا إلى ممارسته، إلا في حالة الضرورة القصوى، وبمنتهى الاحتياط والحذر من اختلاط النطف، أو اللقائح.
هذا ما ظهر لمجلس المجمع الفقهي في هذه القضية ذات الحساسية الدينية القوية، من قضايا الساعة، ويرجو الله أن يكون صوابًا([1]).
وسئل شيخ الأزهر الأسبق الشيخ جاد الحق علي جاد الحق رحمه الله([2]):
عن حكم الإسلام في استعمال التلقيح الصناعي في الإنسان على الوجه التالي:
أوّلاً: إذا أخذ مني الزوج ولقحت به الزوجة التي لا تحمل بشرط وجود الزوجين معاً.
ثانياً: إذا أخذ مني رجل غير الزوج ولقحت به الزوجة التي ليس بزوجها مني أو كان منيه غير صالح للتلقيح.
ثالثاً: لو أخذ مني الزوج ولقحت به بويضة امرأة ليست زوجته ثم نقلت هذه البويضة الملقحة إلى رحم زوجة صاحب المني لأن هذه الأخيرة لا تفرز بويضات.
رابعاً: إذا أخذت بويضة امرأة لا تحمل ولقحت بمني زوجها خارج رحمها (أنابيب) ثم بعد الإخصاب:
(أ) تعاد البويضة الملقحة إلى رحم هذه الزوجة مرة أخرى.
(ب) وإذا كان مكان (الأنابيب) حيوانات تصلح لاحتضان هذه البويضة أي تحل محل رحم هذه الزوجة لحين أو لفترة معينة يعاد الجنين بعدها إلى رحم ذات الزوجة.
خامساً: ما وضع الزوج الذي يوافق على هذا العمل وما وضع الزوج الذي يتبنى أطفالاً ولدوا بواحد من تلك الطرق، أو يستمر مع زوجته التي لقحت بمني رجل آخر.
سادساً: ما حكم الطفل الذي يخرج بهذه الطرق.
سابعاً: ما هو وضع الطبيب الذي يجري مثل تلك الأعمال.
فأجاب: قال الله سبحانه وتعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا ۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) [الفرقان 54]، في هذه الآية امتن الله سبحانه على عباده بالنسب والصهر، وعلق الأحكام في الحل والحرمة عليهما ورفع قدرهما، ومن أجل هذه المنة كانت المحافظة على النسل من المقاصد الضرورية التي استهدفتها أحكام الشريعة الإسلامية، وفي هذا قال حجة الإسلام الشيخ الغزالي: (إن جلب المنفعة ودفع المضرة مقاصد الحق وصلاح الخلق في تحصيل مقاصدهم، لكنا نعني بالمصلحة المحافظة على مقصود الشرع، ومقصود الشرع من الخلق خمسة وهو أن يحفظ عليهم دينهم وأنفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم، فكل ما يتضمن حفظ هذه الأصول الخمسة فهو مصلحة، وكل ما يفوت هذه الأصول الخمسة فهو مفسدة ودفعها مصلحة) ([3]).
ومن أجل ضرورة المحافظة على النسل شرع الله النكاح وحرم السفاح (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الإسراء 32]، ذلك لأن الولد ثمرة الزواج الصحيح ينشأ بين أبوين يبذلان في سبيل تربيته والنهوض به والمحافظة عليه النفس والنفيس، أما ولد الزنا فإنه عاد لأمه ولقومها إذ لا يعرف له أب، وبذلك ينشأ فاسداً مفسداً مهملاً ويصبح آفة في مجتمعه.
وإن كان فقهاء الشريعة قد عرضوا لهذا النوع من الأولاد وحثوا على تربيته والعناية به، وأصلوا أحكامه في كتب الفقه تحت عنوان باب اللقيط، ذلك لأنه إنسان لا يسوغ إهماله وتحرم إهانته ويجب إحياؤه (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) [المائدة 32]، وذلك ارتقاباً لخيره واتقاء لشره.
ومن هنا كان حرص الإسلام على سلامة الأنساب بالدعوة إلى الزواج وتشريع أحكامه، وكل ما يضمن استقرار الأسرة منذ ولادة الإنسان وحتى مماته، وبالجملة فقد نظم حياة الناس أحسن نظام وأقومه بالحكمة والعدل مع الإحسان ومراعاة المصلحة.
وإذ كان النسب في الإسلام بهذه المثابة فقد أحاطه كغيره من أمور الناس بما يضمن نقاءه ويرفع الشك فيه، فجاء قول الرسول ﷺ كما رواه البخاري (ح 2053) ومسلم (ح 1457) عن عائشة “الولد للفراش وللعاهر الحجر”.
والمراد بالفراش: أن تحمل الزوجة من زوجها الذي اقترن بها برباط الزواج الصحيح، فيكون ولدها ابنا لهذا الزوج، والمراد بالعاهر: الزاني.
وبهذا قرر هذا الحديث الشريف قاعدة أساسية في النسب، تحفظ حرمة عقد الزواج الصحيح وثبوت النسب أو نفيه تبعاً لذلك، ومن ثَمّ فمتى حملت امرأةٌ ذات زوج من الزنا مع رجل آخر أو من غصب، فإن حملها ينسب لزوجها لا من زنى بها أو اغتصبها؛ لأن فراش الزوجية الصحيحة قائم فعلا.
ومن وسائل حماية الأنساب – فوق تحريم الزنا – تشريع الاعتداد للمرأة المطلّقة بعد دخول الزوج المطلِّق بها، أو حتى بعد خلوته معها خلوة صحيحة شرعاً.
كما حرَّم الإسلامُ بنص القرآن الكريم الصريح التبني، بمعنى أن ينسب الإنسان إلى نفسه إنساناً آخر نسبة الابن الصحيح لأبيه أو أمه مع أنه يعلم يقيناً أنه ولد غيره، وذلك صوناً للأنساب ولحفظ حقوق الأسرة التي رتبتها الشريعة الإسلامية على جهات القرابة.. وفي هذا قال الله سبحانه: (مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ۚ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ ۚ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ ۖ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4) ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ۚ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ۚ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَٰكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الأحزاب4-5]. وبهذا لم يعترف الإسلام بمن لا نسب له ولم يدخله قهرا في نسب قوم يأبونه.
ولما كانت عناية الإسلام بالأنساب والتحوط لها على هذا الوجه بدأ بتنظيم صلة الرجل بالمرأة واختلاطهما ووجوب أن يكون هذا في ظل عقد زواج صحيح تكريماً لنطفة الإنسان التي منها يتخلق الولد، قال سبحانه: (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) [الإنسان 2].
ولا تتخلق نطفة الرجل إلا إذا وصلت إلى رحم المرأة المستعد لقبولها، وقد يكون هذا الوصول عن طريق الاختلاط الجسدي الجنسي، وعندئذ يكون نسب الوليد من هذا الاتصال موصولا بأبيه متى كان قد تم في ظل عقد الزواج الصحيح (الولد للفراش).
وقد يكون عن طريق إدخال نطفة الرجل في رحم المرأة بغير الاتصال الجسدي.
عن السؤال الأول: لما كان الهدف الأسمى من العلاقة الزوجية هو التوالد حفظاً للنوع الإنساني، وكانت الصلة العضوية بين الزوجين ذات دوافع غريزية في جسد كل منهما. أضحى هذا التواصل والاختلاط هو الوسيلة الأساسية والوحيدة لإفضاء كل منهما بما استكن في جسده واعتمل في نفسه حتى تستقر النطفة في مكمن نشوئها كما أراد الله، وبالوسيلة التي خلقها في كل منهما، لا يعدل عنها إلا إذا دعت داعية، كأن يكون بواحد منهما ما يمنع حدوث الحمل بهذا الطريق الجسدي المعتاد مرضا أو فطرة وخلقا من الخالق سبحانه.
فإذا كان شيء من ذلك، وكان تلقيح الزوجة بذات مني زوجها دون شك في استبداله أو اختلاطه بمني غيره من إنسان أو مطلق حيوان جاز شرعا إجراء هذا التلقيح، فإذا ثبت النسب تخريجا على ما قرره الفقهاء في النقول المتقدمة من وجوب العدة وثبوت النسب على من استدخلت مني زوجها في محل التناسل منها.
عن السؤال الثاني: تلقيح الزوجة بمني رجل آخر غير زوجها سواء لأن الزوج ليس به مني أو كان به ولكنه غير صالح، محرم شرعاً، لما يترتب عليه من الاختلاط في الأنساب، بل ونسبة ولد إلى أب لم يخلق من مائه، وفوق هذا ففي هذه الطريقة من التلقيح إذا حدث بها الحمل معنى الزنا ونتائجه، والزنا محرم قطعاً بنصوص القرآن والسنة.
عن السؤال الثالث: وصورته تلقيح بويضة امرأة بمني رجل ليس زوجها ثم نقل هذه البويضة الملقحة إلى رحم زوجة الرجل صاحب هذا المني، هذه الصورة كسابقتها تدخل في معنى الزنا، والولد الذي يتخلق ويولد من هذا الصنيع حرام بيقين، لالتقائه مع الزنا المباشر في اتجاه واحد، إذ إنه يؤدى مثله إلى اختلاط الأنساب، وذلك ما تمنعه الشريعة الإسلامية التي تحرص على سلامة أنساب بني الإنسان، والابتعاد بها عن الزنا وما في معناه ومؤداه.
ذلك لأنه وإن كان المني هو للزوج ولكنه – كما هو معروف – لا يتخلق إلا بإذن الله وحين التقائه ببويضة الزوجة – وهذه الصورة افتقدت فيها بويضة الزوجة، وجىء ببويضة امرأة أخرى، ومن ثم لم تكن الزوجة حرثاً في هذه الحال لزوجها، مع أن الله سمى الزوجة حرثاً له فقال: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ۖ وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) [البقرة 223] فكل ما تحمل به المرأة لا بد أن يكون نتيجة الصلة المشروعة بين الزوجين سواء باختلاط أعضاء التناسل فيهما كالمعتاد، أو بطريق استدخال منيه إلى ذات رحمها ليتخلق وينشأ كما قال الله سبحانه:(خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ ) [الزمر 6]، وإذ كانت البويضة في هذه الصورة ليست لزوجة صاحب المني وإنما لامرأة أخرى لم يكن نتاجها جزءا من هذين الزوجين، بل من الزوج وامرأة محرمة عليه فلا حرث فعلا، أو اعتبارا بين الزوجين ينبت به الولد فصارت هذه الصورة في معنى الزنا المحرم قطعا كسابقتها.
عن السؤال الرابع:
(أ) وصورته أن تؤخذ بويضة الزوجة التي لا تحمل وتلقح بمني زوجها خارج رحمها (أنابيب) وبعد الإخصاب والتفاعل بينهما تعاد البويضة الملقحة إلى رحم هذه الزوجة مرة أخرى.
في هذه الصورة إذا ثبت قطعاً أن البويضة من الزوجة والمني من زوجها وتم تفاعلهما وإخصابهما خارج رحم هذه الزوجة (أنابيب) وأعيدت البويضة ملقحة إلى رحم تلك الزوجة دون استبدال أو خلط بمني إنسان آخر أو حيوان، وكان هناك ضرورة طبية داعية لهذا الإجراء كمرض بالزوجة يمنع الاتصال العضوي مع زوجها أو به هو قام المانع، ونصح طبيب حاذق مجرب بأن الزوجة لا تحمل إلا بهذا الطريق، ولم تستبدل الأنبوبة التي تحضن فيها بويضة ومني الزوجين بعد تلقيحهما، كان الإجراء المسؤول عنه في هذه الصورة جائزاً شرعاً، لأن الأولاد نعمة وزينة، وعدم الحمل لعائق وإمكان علاجه أمر جائز شرعاً، بل قد يصير واجبا في بعض المواطن هنا.
فقد جاء أعرابي فقال: يا رسول الله، أنتداوى؟ قال: “نعم، فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله”رواه أحمد (ح 3578).
فهذه الصورة والصورة في السؤال الأول من باب التداوي مما يمنع الحمل والتداوي بغير المحرم جائز شرعاً، بل قد يكون التداوي واجباً إذا ترتب عليه حفظ النفس أو علاج العقم في واحد من الزوجين.
(ب) وصورته هل يجوز أن تحل مكان (الأنابيب) حيوانات تصلح لاحتضان هذه البويضة، أي تحل محل رحم هذه الزوجة لحين أو لفترة معينة يعاد الجنين بعدها إلى رحم ذات الزوجة.
إنه لما كان التلقيح على هذه الصورة بين بويضة الزوجة ونطفة زوجها يجمع بينهما في رحم أنثى غير الإنسان من الحيوانات، فإذا مرت هذه البويضة الملقحة بمراحل النمو التي قال عنها القرآن الكريم (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) [المؤمنون 13، 14]، سيكتسب هذا المخلوق صفات هذه الأنثى التي اغتذى بدمها في رحمها وائتلف معها حتى صار جزءا منها، فإذا تم خلقه وآن خروجه يدب على الأرض كان مخلوقا آخر.
ألا ترى حين ينزو الحمار على الفرس وتحمل، هل تكون ثمرتهما لواحد منها؟ إنه يكون آخرُ، صورة وطبيعة.
هذا إن بقيت البويضة بأنثى غير الإنسان إلى حين فصالها، أما إن انتزعت بعد التخلق وانبعاث الحياة فيها وأعيدت إلى رحم الزوجة فلا مراء كذلك في أنها تكون قد اكتسبت الكثير من صفات أنثى الحيوان التي احتواها رحمها، فإنه كان غذاؤها وكساؤها ومأواها، ولا مرية في أن هذا المخلوق يخرج على غير طباع الإنسان، بل على غرار تلك التي احتضنه رحمها، لأن وراثة الصفات والطباع أمر ثابت بين السلالات حيوانية ونباتية، تنتقل مع الوليد وإلى الحفيد ذلك أمر قطع فيه العلم ومن قبله الإسلام (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) [الملك 14].
يدلنا على هذا نصائح الرسول ﷺ وتوجيهاته في اختيار الزوجة، فقد قال: “تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء” [رواه ابن ماجة (ح 1968)].
وقال: “إياكم وخضراء الدمن – وهى المرأة الحسناء – في المنبت السوء” (رواه الدار قطني (في الأفراد) من حديث أبي سعيد الخدري[سلسلة الأحاديث الفضعيفة (ح 14)].
وبهذا نرى أن تلك البويضة الملقّحة التي نقلت إلى رحم أنثى غير الإنسان تأخذ منه ما لا فكاك لها منه إن قدرت لها الحياة والدبيب على الأرض، وبذلك إن تم فصاله ودرج هذا المخلوق على صورة الإنسان لا يكون إنساناً بالطبع والواقع، ومن فعل هذا يكون قد أفسد خليقة الله في أرضه.
ومن القواعد التي أصلها فقهاء الإسلام أخذا من مقاصد الشريعة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، لأن اعتناء الشرع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، يدل لهذا قول الله سبحانه: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا ) [التغابن 16]، وقول رسول الله ﷺ: “إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه”([4]) رواه مسلم برقم 1337.
وإذا كان في التلقيح بهذه الصورة مفسدة أي مفسدة فإنه يحرم فعله.
عن السؤال الخامس: تقدم القول بجواز التلقيح بالطريق المبينة في السؤال الأول، وبالطريقة المبينة كذلك في الفقرة الأولى من السؤال الرابع بشرط التحقق قطعاً من تلقيح بويضة الزوجة بمني زوجها دون غيره، ودون اختلاط بمني رجل آخر أو مني أي حيوان، وبشرط وجود داع وضرورة لسلوك واحد من هذين الطريقين، كأن يكون بأحد الزوجين مانع يعوق الحمل عند اختلاطهما عضويا.
وتقدم القول كذلك إن باقي طرق التلقيح المطروحة في هذه التساؤلات محرمة؛ إما لأنها في معنى الزنا وإما درءا للمفاسد التي تحملها.
لما كان ذلك فإن الزوج الذي يتبنى أي طفل انفصل وكان الحمل به بإحدى الطرق المحرمة لا يكون ابنا له شرعا لأنه مشكوك في أبوته له، بل يكون مقطوعا بنفيه حين تكون النطفة من رجل آخر أو حيوان، وبهذا يكون أشد نكرا من التبني، بمعنى أن ينسب الإنسان إلى نفسه ولدا يعرف قطعا أنه ابن غيره، لأنه مع هذا المعنى قد التقى مع الزنا، والزوج الذي يقبل أن تحمل زوجته نطفة غيره سواء بالزنا الفعلي أو بما في معناه كهذا التلقيح رجل فقد كرامة الرجال، ومن ثم فقد سماه الإسلام ديوثا، وهذا هو شأن الرجل الذي يستبقي زوجة لقحت من غيره بواحد من هذه الطرق المحرمة التي لا تقرها الشريعة، لأنها تبتغي في أحكامها كمال بني الإنسان ونقاءهم.
هذا والتبني على أي صورة قد حرمه القرآن في محكم آياته كما تقدم القول في ذلك.
عن السؤال السادس: لما كان ما تقدم كذلك كان كل طفل ناشيء بالطرق المحرمة قطعا من التلقيح الصناعي حسبما تقدم بيانه لقيطا لا ينسب إلى أب جبرا، وإنما ينسب لمن حملت به ووضعته باعتباره حالة ولادة طبيعية كولد الزنا الفعلي تماما إذ ينسب لأمه فقط.
وهنا نضع أمام الأزواج حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله ﷺ يقول حين نزلت آية المتلاعنين: “أيما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في شيء ولم يدخلها الله جنته، وأيما رجل جحد ولده وهو ينظر إليه – أي يعلم أنه ولده – احتجب الله عنه وفضحه على رؤوس الأولين والآخرين”[رواه أبو داود (ح 2263) والنسائي (ح 3481)].
وجاء في فتاوى دار الإفتاء المصرية ([5]):
الطلب المقيد برقم:2028 لسنة 2005م والمتضمن:
السؤال: سيدة ترغب في الإنجاب من زوجها بطريق (التلقيح الصناعي)، والزوج يرفض ذلك بدعوى أنه مخالف لشرع الله. علما بأن رأي الأطباء أن الإنجاب ممكن عن طريق التلقيح الصناعي.
الجواب: يجب أن يتوفر في التلقيح الصناعي بعض الشروط والضوابط وأهمها أن تكون البويضة التي سيتم لها عملية التلقيح هي بويضة الزوجة وأن يكون الحيوان المنوي مأخوذاً من زوجها وأن يتم زرع هذه البويضة الملقحة في رحم الزوجة. أما إذا اختل شرط من هذه الشروط كأن تكون البويضة من امرأة أجنبية أو الحيوان المنوي من رجل أجنبي أو تزرع البويضة في رحم امرأة أجنبية فهذا محـرم شرعًا ولا يجوز؛ لأن في هذا اختلاطا للأنساب، وتداخلا في الحقوق، وخروجا عن الفطرة، وغير ذلك مما يقطع بالحرمة. ومما ذكر يعلم أنه ليس في طلب الزوجة من زوجها هذا الأمر (التلقيح الصناعي) حرج شرعي أو اعتراض على إرادة الله سبحانه وتعالى. والله سبحانه وتعالى أعلم.
([1]) صدر القرار في الدورة الثامنة المنعقدة بمكة عام 1405هـ.
([2]) فتاوى دار الإفتاء المصرية بتاريخ جمادى الأولى 1400 هـ – 23 مارس 1980م..
([3]) المستصفى للغزالى ج – 1 ص 287 .
([4]) الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي في القاعدة الرابعة..
([5]) المفتي د: علي جمعة. تاريخ الإجابة:23-8-2005م الطلب المقيد برقم:2028 لسنة 2005م
• قرارات المجمع الفقهي الإسلامي.
• فتاوى الأزهر الشريف.
• فتاوى دار الإفتاء المصرية.
• فتاوى الشيخ ابن عثيمين.
• موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام تأليف الشيخ عطية صقر دار مكتبة المنارة الأزهرية.
• قرار المجمع الفقهي الإسلامي الدولي.