قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب الجنايات

التغرير بالشخص للمشاركة في التجربة الطبية

مسألة رقم 39

صورة المسألة

الأصل في الطبيب أن يلتزم تبصير المشارِك في التجرِبة سواءً كان مريضاً أم متطوعاً على وجهٍ يُمَكِّنه من المُقارنة بين مزايا التّجرِبة ومخاطرها؛ ليتّخذ قراره بالمشاركة عن بيّنةٍ تامة، ويكون التّغرير بالمشارِك في التّجرِبة بإخفاء بعض البيانات المؤثِّرة في القبول أو الرّفض، أو بتعمُّد تقديم بيانات كاذبة.
ومن الأمثلة على التّغرير: أنّ تجرِبةً أُجريت على مجموعة من المُتطوعين مُعلِّمين وطلاباً في الولايات المتحدة الأمريكية، وتمّ إعلام المُعلِّمين وحدهم بالغرض من التّجرِبة وهو إثبات أثر العقاب الجسماني على التّعليم، وكان الطلاب يُعاقَبون بالصّدمات الكهربائية أو الحروق على الأيدي إذا أخطؤوا في الإجابة، وتزداد هذه العقوبات شدّة كُلّما أظهر الطلاب صعوبات في التّعلُّم، ثم تبيّن أن الغرض الرئيس من التّجرِبة هو قياس الميل الفطري لدى الطلاب نحو العقاب، وهو ما لم يعلم به أحدٌ ممن خضع للتّجرِبة.
وقد انضاف إلى الخِداع في هذه التّجربة استعمال وسيلة مُحرّمة هي التّعذيب بالصدمات الكهربائية وبالحروق.
وتلجأ كثير من المؤسسات الطّبية البحثية إلى إغراء الأشخاص لإخضاعهم لِتجاربها بالوعد بمبالغ مالية، أو بتقديم رعاية خاصة، أو غير ذلك، وأشهر الفئات المُستهدفة:
١- السُّجناء الذين يُغرَون بتخفيف العقوبة، أو بإعطائهم الأولوية في التعليم والصحة والترفيه والاتصال بذويهم ونحو ذلك مما يتطلّع إليه السُّجناء.
٢- المرضى لا سيما في أقسام الطواريء الذين يُغرَون بالحصول على الرّعاية الطّبية المتميّزة.
٣- الفقراء والعاطلون عن العمل الذين يُغرَون بمبالغ مالية.
٤- طلبة الكليات الطّبية الذين هم في حال تبعيّة لأساتذتهم.
٥- العسكريون الذين هم في حال تبعيّة لرؤسائهم.
وأسوأ من ذلك أن تلجأ هذه المؤسسات البحثية إلى أساليب التّهديد بالانتقام أو الحرمان من المزايا المُستحقّة في حال رفض المشاركة في التّجرِبة الطبية، كتهديد الطّبيب لطلابه بالحرمان من النجاح، وتهديد العسكري بالحرمان من الترقية أو النّقل، وتهديد السجين بالحرمان من الرِّعَاية الطِّبية المكفولة له شرعاً ونظاماً.

حكم المسألة

إذا كان الخداع والكذب مُحرّما ومُستهجناً فإن خِدَاع الطبيب لمن وثِق به وكَذِبه عليه لاستجلاب موافقته أولى بالتّحريم والاستهجان؛ لما فيه من تعريضه للهلاك والتّلف الكليّ أو الجزئي، ولذا كان أول واجب على الباحثين نصّت عليه القاعدة السادسة من القواعد الإرشادية الأخلاقية العالمية لأبحاث الطب: (الامتناع عن الخداع الذي لا مبرر له، أو التأثير غير اللائق، أو التهديد).

واشترطت الوثيقة الإسلامية لأخلاقيات الطب والصحة على فريق البحث: (ألا يستغل حاجة الخاضعين للبحث أو المجتمع المالية أو الأدبية لإجراء البحث)، وفي أخلاقيات مهنة الطب: (لايجوز مطلقاً أن يكون سبيل الحصول على الإذن بإجراء الدراسة الضغط، أو الإكراه، أو استغلال الحاجة إلى المال أو التداوي).

وقرر مجمع الفقه الإسلامي أنه: (لابد في إجراء الأبحاث الطبية من موافقة الشخص التام الأهلية، بصورة خالية من شائبة الإكراه؛ كالمساجين، أو الإغراء المادي؛ كالمساكين، ويجب ألا يترتب على إجراء تلك الأبحاث ضرر).

الطبيب الغار ضامن لما نشأ عن تجربته من ضرر للمغرور، والدليل على ذلك ما يأتي:

1ـ قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27].

2ـ أن التغرير خلاف مقتضى النصيحة الواجبة على الطبيب المشارك في التجربة، فعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة» [رواه مسلم (55)]، وقد قرن النبي صلى الله عليه وسلم بين النصيحة وبين الصلاة والزكاة وهما من أعظم الفرائض وآكدها، فعن جرير – رضي الله عنه – قال: بايعت رسول الله صلى الله عليه – على إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم ) [ رواه البخاري (57) ومسلم (56) ]فكان فرضاً على المسلم أن ينصح أخاه ولا يغره.

3ـ عن قيس بن سعد رضي الله عنه قال: لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المكر والخديعة في النار» لكنت أمكر هذه الأمة. [رواه الطبراني في الكبير (10234) وابن حبان (567) والحاكم (8795)].

4ـ أن خداع المستهدف بالتجربة باستغلال ظروفه النفسية والاجتماعية أو المالية جور وظلم، والظلم محرم، كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة.

5ـ أن التغرير عيب يفسد الرضا، ويلغي الإذن الصادر معه؛ لأن إذن المغرور مبني على تصور لا وجود له، فكأنه لم يكن، ومن ثم فلا أثر له في رفع الضمان على الطبيب.

المراجع

• التجارب الطبية على الإنسان (رسالة دكتوراه ـ قسم الفقه ـ كلية الشريعة) د.عبدالرحمن العثمان (418) فما بعدها.
• رضا المريض عن الأعمال الطّبية والجراحية، مأمون عبدالكريم (788).
• دور الإرادة في العمل الطّبي، د.جابر محجوب (264).

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى