التصوير الثابت بالكاميرا.
قيام المصور بأخذ صورٍ لشخصٍ أو لأشخاصٍ باستخدام العدسات والأملاح والضوء, ولتحقيق صورة شمسية فوتوغرافية فلا بد من توفر ثلاثة أشياء: آلة فوتوغرافية, وفيلم, وورق خاص للتظهير, فيتم تصويب الكاميرا نحو الهدف, ومن خلال نقل الأضواء والظلال الواقعة على الشيء المراد تصويره, تنتج صورة ثابتة, وتبقى هذه الصورة على الوضع الذي التقطت عليه.
اختلف الفقهاء المعاصرون في حكم التصوير الفوتوغرافي لذوات الأرواح على اتجاهين رئيسين:
الاتجاه الأول: أن التصوير الفوتوغرافي حرام، كسائر أنواع التصوير اليدوي المجسم منها والمسطح، والمنسوج في الثياب ونحوه، وإن كان بعضه أشد إثمًا وجرمًا من بعض، ولكن يباح من ذلك ما تدعو إليه الضرورة، أو تقتضيه المصلحة العامة، وذلك كالتصوير لأجل الهوية، ورخص القيادة، والدراسة، والوظيفة، ومكافحة الجريمة، ومراقبة المجرمين وضبطهم، والتعرف عليهم, إلى غير ذلك مما يكون ضرورة أو مصلحة راجحة أو حاجة ماسة. وممن قال بهذا القول: الشيخ محمد بن إبراهيم, والشيخ عبد العزيز بن باز, والشيخ الألباني، وغيرهم.
أدلة هذا القول:
1- أن التصوير الفوتوغرافي لا يخرج عن كونه نوعًا من أنواع التصوير الأخرى، الذي يُنقش باليد، ولذلك فإنه يُسمى تصويرًا لغةً وشرعًا وعرفًا.
فأما كونه يُسمى تصويرًا لغةً فلأن الصورة في اللغة هي: “الشكل”، وهذا يصدق على سائر أنواع التصوير والصور بما في ذلك التصوير الفوتوغرافي.
وأما كونه يُسمى تصويرًا شرعا فلأن النصوص الشرعية التي وردت بشأن الصور والتصوير وردت عامة مُطلقة، ولم تُخص أو تستثن نوعًا من أنواع التصوير من العموم، إلا ما ورد الدليل الشرعي باستثنائه، كلعب البنات، والصور الممتهنة -على خلاف- من حيثُ الاستعمال، لا من حيثُ الصناعة في الأخير.
أما كونه يُسمى تصويرًا عرفًا فلأن هذا ما تعارف عليه سائر أنواع الناس وأصنافهم على مختلف طبقاتهم ومستوياتهم وثقافاتهم وبلدانهم، فالكل يطلق عليه ويسميه تصويرًا.
مناقشة الاستدلال: وأجيب عن هذا الاستدلال بأن التقاط الصورة بالآلة الفوتوغرافية ليس بتصوير في الحقيقة، وذلك لأن التصوير المنهي عنه إنما هو أن يرسم شخص صورة ذوات الروح بيده ليظهر للناس أنه أبدع خلقًا، واخترعه بخبرته ومهارته، وأما المصوِّر بالآلة الفوتوغرافية فلم يكن في فعله تخطيط وتشكيل واختراع للصورة، وإنما التقط حقيقة خلق الله تعالى الذي هو موجود في الخارج بواسطة تلك الآلة، دون فعل منه من تخطيط وتشكيل, كما يقوم بفعله المصور بيده. وإذاً فلا يصدق على هذا العمل بأنه تصوير بالمعنى الذي جاءت النصوص النبوية بالنهي عنه، والوعيد على من فعله.
2- أن الأحاديث النبوية قد وردت بالوعيد الشديد على الذين يضاهئون ويشابهون خلق الله تعالى بصناعتهم صور ذوات الأرواح, والعلة التي حرم التصوير من أجلها موجودة في التصوير الفوتوغرافي أيضًا, بل إن وجود المضاهاة, وشدة مشابهة خلق الله تعالى في هذا النوع من التصوير أكثر وأعظم من وجودها في التصوير المنقوش باليد؛ لشدة مضاهاته ومطابقته للمصور.
وأجيب عن هذا الاستدلال بأن التصوير الفوتوغرافي لا يوجد فيه علة المضاهاة ومشابهة خلق الخالق جل وعز, كما توجد في التصوير اليدوي, فالتصوير الفوتوغرافي عبارة عن حبس الظل بالآلة, وليس فيه صنع لصورة غير موجودة.
الاتجاه الثاني: إباحة التصوير الفوتوغرافي, وممن قال بهذا القول الشيخ محمد رشيد رضا, والشيخ محمد بخيت المطيعي, والشيخ حسنين مخلوف, والشيخ محمد الشعراوي, والشيخ محمد بن صالح العثيمين، وغيرهم.
واشترط بعض أصحاب هذا القول لإباحته ألا تشتمل الصورة على محرم.
أدلة هذا القول:
1- أصل الإباحة, قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) [البقرة: 29].
وجه الاستدلال: أن الآية تدل على إباحة كل ما أوجده الله لنا في الأرض, والتصوير الفوتوغرافي يدخل في معنى الآية الكريمة؛ لأنه مما خلق الله لنا في الأرض, ولم يرد في الشرع نص على تحريمه, بل ذكره.
2- إن الصور الفوتوغرافية لا تتحقق فيها علة المضاهاة التي نصت عليها أحاديث النهي عن التصوير, وكانت سبب تحريمه, والتقاط الصورة بالآلة ليس مضاهاة لخلق الله تعالى, بل هو نقل للصورة التي خلقها الله تعالى نفسها, فهو ناقل لخلق الله لا مضاه له, ويوضح ذلك أنه لو قلد شخص كتابة شخص, لكانت كتابة الثاني غير كتابة الأول, بل هي مشابهة لها, ولو نقل كتابته بالصورة الفوتوغرافية لكانت الصورة هي كتابة الأول وإن كان عمل نقلها من الثاني, فهكذا نقل الصورة بالآلة الفوتوغرافية (الكاميرا), الصورة فيه هي تصوير الله, نقل بواسطة آلة التصوير.
3- أن التصوير الآلي -بما في ذلك التصوير الفوتوغرافي- شبيه تمامًا بالصورة التي تظهر على المرآة, أو على الماء, أو أي سطح لامع, ولا يستطيع أحد أن يقول: إن ما يظهر على المرآة ونحوها حرام؛ لكونها صورة, وهكذا الصورة الفوتوغرافية, إلا أن مرآة الفوتوغرافيا تثبت الظل الذي يقع عليها, والمرآة ليست كذلك, وليس هذا في الحقيقة تصويرًا, بل إنه إظهار واستدامة لصورة موجودة, وحبس لها عن الزوال.
4- إن التصوير الفوتوغرافي لابد منه في الإعانة على كمال أمور الدين والدنيا بالنسبة للأمة في مجموعها في هذا العصر, فللتصوير الآلي فوائد عظيمة متنوعة تحتاج إليها الحكومات والأفراد في المجالات الأمنية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والعسكرية وغيرها, فالحاجة ماسة إليه في حفظ الأمن, وصيانة الحياة العامة في كافة المجالات.
1. آداب الزفاف، للألباني ص(104).
2. أحكام التصوير في الفقه الإسلامي، لمحمد واصل ص(232، 240)
3. التصوير بين حاجة العصر وضوابط الشريعة، لتوفيق رمضان البوطي، ص(138، 141).
4. الجواب الشافي في إباحة التصوير الفوتوغرافي، محمد بخيت المطيعي.
5. الجواب المفيد في حكم التصوير، للشيخ ابن باز ص(46).
6. حكم ممارسة الفن في الشريعة الإسلامية، دراسة فقهية مقارنة، لصالح بن أحمد الغزالي، ص(369).
7. فتاوى اللجنة الدائمة (1/666، 669).
8. فتاوى محمد رشيد رضا (3/1142).
9. فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (1/183).
10.المجموع الثمين من فتاوى ابن عثيمين (2/255).