يستخدم التصوير في المجال الطبي بشتى أنواعه ووسائله ليخدم أغراضًا متعددة ومتنوعة، وحقيقة الأمر أن الطب الحديث يعتمد – بشكل أساسي – على مختلف أنواع التصوير، ولا يمكن الاستغناء عنه في هذا المجال، بل إن وجوده في أي مدرسة، أو كلية طبية، أو مستشفى حتم لازم لا بد منه.
أنواعــــه:
للتصوير في المجال الطبي أنواع أهمها:
النوع الأول: التصوير اليدوي:
ويشمل الصور المجسمة التي تستخدم في التعليم الطبي، حيث يتم من خلالها الإيضاح والتطبيق على المعلومات النظرية، في الكليات الطبية، والدورات الدراسية في المستشفيات والمتاحف الطبية، كما يشمل التصوير اليدوي – أيضًا– الصور المسطحة التي ترسم على أوراق أو لوحات، وتعلق على جدران المستشفيات، والمراكز الصحية، والعيادات الطبية كما يوجد في المعامل والكليات الطبية، أو في بطون كتب التشريحوالمجلات الطبية أيضًا.
النوع الثاني: التصوير الفوتوغرافي:
وهذا النوع من الصور يوجد غالبًا في الكتب والمجلات الطبية ونحو ذلك كما هو معلوم.
النوع الثالث: التصوير التلفزيوني أو بجهاز الفيديو:
ويستخدمه بكثرة الشركات الطبية لعرض وتسويق منتجاتها، كما تستخدمه أيضًا المعامل في الكليات الطبية؛للتطبيق على المعلومات النظرية.
النوع الرابع: التصوير بالأشعة والمناظيرعلى اختلاف أنواعه ووظائفها.
وهذا النوع هو الألصق بالتخصص الطبي؛ لأنه وسيلة لتشخيص المرض في المرحلة الأولى من العلاجات، وهي الفحص والكشف.
أغراض التصوير الطبي:
للتصوير في المجال الطبيعدد من الأغراض منها:
1.أغراض تشخيصية:
يستخدم الأطباء الصور والتصوير بوسائله المختلفة؛للوصول إلى تشخيص الحالة المرضية بدقة – إن تطلب الأمر ذلك – حيث يعتمد الطبيب في تشخيص الحالة المرضية أساسًا على شكوى المريض، وتأريخ بداية المرض، ثم الفحص السريري، فإلم يتبين المرض فإن الطبيب ينتقل إلى البحث عن المرض ومعرفة أسبابه عن طريق وسائل التشخيص المختلفة، والتي تشمل وسائل التصوير بمختلف أنواعها من أشعة ومناظير، ونحوهما حسب ما تقتضيه الحالة، وطبيعة المرض.
2.أغراض تعليمية:
تستخدم المعامل الطبية في مختلف أقسام الكليات وسائل التصوير المتنوعة سواء كانت للإنسان أو الحيوان وسواء كانت مسطحة أو مجسمة، أو يدوية أو آلية، وذلك كالتي يستخدمها المدرس في قاعات المحاضرات لغرض التوضيح، والتطبيق على المعلومات النظرية، وكالتي تستخدم في المؤتمرات والندوات الطبية لغرض البحوث العلمية، وغير ذلك مما لا بد منه في هذا المجال.
3.أغراض تثقيفية وإرشادية:
وتستخدم لهذا الغرض الصور الفوتوغرافية، والصور المرسومة باليد، كالتي نجدها بكثرة على جدران المستشفيات والمراكز الصحية والعيادات الطبية وغير ذلك من المرافق الصحية، وكالتي تستخدم في النشرات والمجلات الطبية، ونحو ذلك مما يستخدم في تثقيف المرضى وعامة الناس.
4.أغراض تسويقية تجارية:
حيث تستخدم الشركات والمؤسسات المصنعة للأجهزة والمعدات الطبية التصوير لمنتجاتها، ويصاحب تلك الصور صور لمن يعمل على تلك الأجهزة، أو من يستفيد منها من المرضى، سواء أكانت صورا يدوية أم آلية( ).
استخدام الصور المذكورة في المجال الطبي له أحوال:
الحالة الأولى: أن تكون الصورة لجزء مستقل من أجزاء البدن الداخلية: كالكبد، والكلية، والقلب وغير ذلك أو الأجزاء الخارجية كاليد، والرجل والفخذ ونحو ذلك من الأجزاء عدا الوجه.
فمثل هذه الصور التي لا تتكون منها صورة كاملة لذوات الروح ليست محرمة، ولا مكروهة، بل مباحة من أصلها؛لقول جبريل عليه السلام للنبي ﷺ :«فمر برأس التمثال يقطع فيصير كهيئة الشجرة».أخرجه أبو داود (ح 4158) وصحح الألباني إسناده في سلسلة الأحاديث الصحيحة (ح 356).
وقول ابن عباس للذي سأله عن حكم صناعته للصور: «فإن كنت لا بد فاعلًا فاصنع الشجر وما لا نفس له».أخرجه مسلم (ح 5662).
هذا بالإضافة إلى المصلحة والفائدة التي تعود على المريض بسبب تلك الصور.
الحالة الثانية: أن تكون تلك الصور المستخدمة في هذا المجال لذوات الأرواح كاملة كانت، أو جزئية مع وجود الرأس: وسواء كانت مجسمة أو مسطحة، يدوية، أو آلية، وذلك كالصور التي تستخدم في معامل الكليات الطبية أو في قاعات المحاضرات، لغرض التطبيق على الدراسات والمعلومات النظرية، وكالتي تستخدم أثناء المؤتمرات والندوات الطبية..إلخ.
فهذه يجوز استخدامها؛ لأنها مما تدعو إليه الحاجة، إلا أن يكون هناك وسيلة تقوم مقام الصورة؛ وذلك لأن استخدام الصور المذكورة قد أصبحت ضرورة وحاجة ماسة، نظرًا لأهمية هذا العلم وشدة الحاجة إليه، وبما أن التصوير والصور من أعظم الوسائل – إن لم تكن هي الوسيلة الوحيدة – إلى فهم المعلومات الطبية، وإيصالها إلى أذهان الطلاب فإنه يجوز استخدامها ضرورة، وقد جاءت النصوص الشرعية مصرحة بدفع الضرر ورفع الحرج والمشقة عن هذه الأمة ومن ذلك:
قوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) [سورة الأنعام جزء من الآية:119].
وقوله: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ) [سورة البقرة جزء من الآية: 173].
الدليل الثاني:أن استخدام الصور في مثل هذا المجال إهانة لها في الغالب، حيث إن استخدامها سيكون تطبيقًا ميدانيًا على المعلومات والدراسات النظرية فيما يظهر، وذلك كبقر البطن أو فتح الصدر..إلخ.
الدليل الثالث: أنه لا يخشى تعظيم مثل هذه الصور.
الدليل الرابع: أنه يترتب على استخدام مثل هذه الصور فائدة ومصلحة عامة ملموسة، فيجوز اتخاذها واستخدامها.
الحالة الثالثة: أن تكون الصورة لذوات أرواح كاملة، أو جزئية مع وجود الرأس، مستخدمة لغرض التثقيف الطبي وإرشاد الجماهير إلى معرفة بعض التركيبات لجسم الإنسان، أو إرشادهم إلى معرفة بعض الأمراض التي قد تصيب الإنسان أو بعض أجزائه، ونحو ذلك، فيرى بعض الباحثين حرمة هذا النوع من التصوير لما يلي:
1-أنه لا تدعو إليها ضرورة ولا حاجة ولا يحصل من ورائها كبير فائدة، بل إن كثيرًا من عامة الناس الذين يرتادون المستشفيات ونحوها للعلاج لا يلقون لها بالًا، ولا يستفيدون منها.
2-أنه يمكن إرشادهم وتحذيرهم من بعض الأمراض أو إلى ما فيه صالحهم عن طريق وسيلة أخرى، كالنشرات الخطية والإذاعة المسموعة ونحو ذلك مما ليس محرمًا.
3-أن هذا النوع من الصور تبقى في الغالب معلقة على الجدران، أو منصوبة إن كانت مجسمة أو مصانة في بطون الكتب والمجلات؛مما يشعر بتكريمها واحترامها، والأصل تحريم الصور الحيوانية في غير الضرورة والحاجة، وعند الحاجة يمكن التخلص من المحظور بطمس الوجه بجميع ملامح المخلوق فيه الذي هو أعظم فارق بين الحيوان والجماد.
آداب التصوير الطبي:
- مراعاة أحكام العورات، فلا يكشف عن العورة للتصوير إلا لضرورة طبية مؤكدة، ولا يصور من العورة إلا ما يلزم تصويره طبيا دون تجاوز، مع اتخاذ الاحتياطات اللازمة؛لصيانة العورات عن العبث واللمس، وألا يحضر التصوير إلا من يلزم حضوره.
- مراعاة أحكام الخلوة: وخاصة في التصوير الشعاعي، ولذلك فالأصل أن تقوم النساء بتصوير النساء، ويقوم الرجال بتصوير الرجال، وعند الحاجة لتصوير الجنس الآخر فيلزم حضور محرم أو ممرضة؛لمنع الخلوة المحرمة.
- تصوير وجوه المرضى: قد يحتاج إلى تصوير وجوه المرضى، فهنا ينبغي الاكتفاء بتصوير جزء من الوجه بقدر الحاجة حتى لا يدل على هوية الشخص؛ حفظا لسر المريض، وحتى لا يشهر بصورته، وإذا تطلب الأمر تصوير الوجه كله،وجب حجب العينين، وإذا احتيج إلى تصوير العينين فيكتفى بتصويرهما دون بقية الوجه. وكذا حتى لا تظهر هوية المريض.
- نشر الصور في الأبحاث الطبية: ويراعى في ذلك الحاجة لها، ومراعاة أسرار المرضى، وعدم الكشف عن هوياتهم، إلا بإذنهم أو إذن أوليائهم.
- ويجب التأكد من هوية المريض قبل تصويره؛ منعا للتلاعب الذي قد يحصل من المرضى حين ينتحلون شخصيات غيرهم.
- وبالنسبة لتداول الصور الطبية وحفظها: فيجب تداول الصور الطبية وحفظها وفق نظام دقيق للرجوع إليها عند الحاجة، بعد كتابة المعلومات اللازمة التي تحول دون اختلاط هذه الصور بغيرها.
- أخطاء التصوير الطبي: إذا ارتكب أخصائي التصوير الطبي خطأ في عمله ونتج عنه ضرر على المريض فإنه يتحمل مسؤولية هذه الأضرار، ولا ينفي ذلك مسؤولية الطبيب المعالج؛ لأن عليه التأكد من نسبة الصورة للمريض قبل تقرير العلاج، وبخاصة قبل إجراء أي عمل جراحي.
1- أحكام التصوير في الفقه الإسلامي د. محمد بن أحمد علي واصل، رسالة ماجستير من قسم الفقه بكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية عام 1417، ط.1، 1420، دار طيبة للنشر والتوزيع.
2- الموسوعة الطبية الفقهية، د. أحمد محمد كنعان، مادة (تصوير)، ص203، دار النفائس، بيروت.
3- حكم التصوير المجسم، للباحث حلمي عبد الهادي، قسم أصول الدين، كلية الشريعة، جامعة النجاح الوطنية بفلسطين.