– التشريح التعليمي
المقصود بالتشريح الطبي: هو ما يجرى لدراسة تركيب جسم الإنسان، وعلاقة أعضائهبعضها ببعض، وكيفية أدائها لوظائفها، بغرض تعليم وتعلم الطب وأبحاثه وما يتعلق به.
اختلف الفقهاء في هذا النوع من التشريح، ولهم في ذلك ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول:الجواز مطلقًا.
واستدلوا على ذلك بعدد من الأدلة، ومنها:
الدليل الأول:القياس على جواز شق بطن الميت الحامل لكي يخرج الحمل إذا كان هذا الحمل ترجى حياته.
الدليل الثاني: أنه لو كان في بطن الميت مال مغصوب فإنه لا بأس أن يشق بطنه ليستخرج هذا المال المغصوب، كما نص عليه بعض الفقهاء
الدليل الثالث: أنه يجوز في حالة الاضطرار أكل بدن الميت.
ففي هذه الأوجه تصرف في جثة الميت طلبا لمصلحة ضرورية أو حاجية، وهو متحقق في التشريح الطبي فيكون جائزا.
وقد أصدر المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي قرارًابشأن موضوع (تشريح جثث الموتى) في دورته العاشرة، المنعقدة بمكة المكرمة، ومما جاء فيه:
أنه بناء على الضرورات التي دعت إلى تشريح جثث الموتى، والتي يصير بها التشريح مصلحةتربو على مفسدة انتهاك كرامة الإنسان الميت قرر المجلس: أنه يجوز تشريح جثث الموتى لغرض تعليم الطب وتعلمه، كما هو الحال في كليات الطب.
ونص القرار على أنه في التشريح لغرض التعليم تراعى القيود التالية:
- أ. إذا كانت الجثة لشخصٍ معلوم يشترط أن يكون قد أذن هو قبل موته بتشريح جثته، أو أن يأذن بذلك ورثته بعد موته، ولا ينبغي تشريح جثة معصوم الدم إلا عند الضرورة.
- ب. يجب أن يقتصر في التشريح على قدر الضرورة كيلا يعبث بجثث الموتى.
- ج. جثث النساء لا يجوز أن يتولى تشريحها غير الطبيبات إلا إذا لم يوجدن.
- د. يجب في جميع الأحوال دفن جميع أجزاء الجثة المشرحة.
الاتجاه الثاني:المنع مطلقًا.
واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
1-قول الله عز و جل: (۞ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا )]سورة الاسراء: 70 [.وتشريح جثة الميت إهانة له ومنافاة للتكريم.
2-حديث عائشة -رضي الله تعالى- عنها أن النبي ﷺ قال: (كسر عظم الميت ككسره حيًا ).أخرجه أحمد (ح 24739)وقال الألباني:صحيح (صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته، ح 8607).
3-أن الشارع نهى عن المثلة في قوله صلى الله عليه وسلم (ولاتمثلوا) (وهذا جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (ح 1731).
الاتجاه الثالث:التفصيل في هذه المسألة فيجوز تشريح جثة الكافر لغرض التعلم، وأما المسلم فلا يجوز تشريح جثته.
واستدلوا على ذلك بأدلة منها:
1- قوله تعالى:] (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ )(سورة الحج: 18)، فكرامة الكافر ليست ككرامة المسلم، فهي أخف وحرمته ليست كحرمة المسلم.
2- أن جثث الكفار يمكن الحصول عليها، ويمكن شراء هذه الجثث بأرخص الأسعار للضرورة؛لأن الكفار لا يحترمون أبدانهم وجثثهم كما يحترم المسلمون جثة المسلم الذي امتثل أمر الله وأمر رسوله ﷺ ,وفي كثير من بلدان أهل الكفر يحرقون جثث موتاهم، ومنهم من يلقيها في البحر ليتخلص منها.
وقد صدر عن مجلس هيئة كبار العلماء بالسعودية قرار تناول أحكام التشريح، وفيما يخص التشريح للغرض التعليمي نص القرار على أنه:
“نظرا إلى أن الشريعة الإسلامية قد جاءت بتحصيل المصالح وتكثيرها، وبدرء المفاسد وتقليلها، وبارتكاب أدنى الضررين لتفويت أشدهما، وأنه إذا تعارضت المصالح أخذ بأرجحها، وحيث إن تشريح غير الإنسان من الحيوانات لا يغني عن تشريح الإنسان، وحيث إن في التشريح مصالح كثيرة ظهرت في التقدم العلمي في مجالات الطب المختلفة: فإن المجلس يرىجواز تشريح جثة الآدمي في الجملة، إلا أنه نظرا إلى عناية الشريعة الإسلامية بكرامة المسلم ميتا كعنايتها بكرامته حيا؛ وذلك لما روى الإمام أحمد وغيره عن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « كسر عظم الميت ككسره حيا » أخرجه أحمد (ح 24739)وقال الألباني:صحيح (صحيح وضعيف الجامع الصغير وزيادته، ح 8607).
ونظرا إلى أن التشريح فيه امتهان لكرامته، وحيث إن الضرورة إلى ذلك منتفيةبتيسر الحصول على جثث أموات غير معصومة: فإن المجلس يرى الاكتفاء بتشريح مثل هذه الجثث، وعدم التعرض لجثث أموات معصومين والحال ما ذكر”.
1-أحكام الجراحة الطبية، د. محمد بن محمد المختار الشنقيطي، مكتبة الصديق، الطائف.
2- التشريح علومه وأحكامه، د. محمد علي البار،دار القلم،بيروت.
3-قرار المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي،الدورة العاشرة، رقم 273، وتاريخ 24-28صفر 1408.
4-قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، الدورة التاسعة، رقم 47، وتاريخ 20/8/1396.
5- هل يجوز تشريح بدن الميت للتعلم أو المعرفة؟ بحث د. محمد عبدالفتاح إدريس، في مجلة الوعي الإسلامي، إصدار: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، العدد 532 بتاريخ 3/9/2010م
6- فقه النوازل، د. بكر بن عبدالله أبو زيد، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1423هـ
7-مجلة البحوث الإسلامية، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، العدد الرابع.
8-الموقف الفقهي والأخلاقي من قضية زرع الأعضاء، د. محمد علي البار، دار القلم – دمشق، ط1، 1414.
9-مدى مشروعية الانتفاع بأعضاء الآدمي حيا أو ميتا في الفقه الإسلامي، د. عبد المطلب عبدالرزاق حمدان، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، ط.1.