استعمال الأدوية المشتملة على الكحول
الكحول كلمة أعجمية مأخوذة من الكلمة العربية غَول، وأصل الغول من: غال غولًا من باب قتل، ومعناه أهلك، واغتاله: أخذه من حيث لم يدر، والغول إهلاك الشيء من حيث لا يحسن به، والغول: الصداع ومنه قوله تعالى:(لا فيها غول) سورة الصافات: 47، قال ابن جرير: يقول لا في هذه الخمر غول، وهو أن تغتال عقولهم، فالخمر غول؛ لأنها تغتال عقول الشاربين، فنـزه الله تبارك وتعالى خمر الآخرة عن هذه الآفة( 1 ).
وقد ذكر المسلمون مادة الكحول في كتبهم باسم الغول، وكان اكتشافه على يد أبي بكر الرازي المتوفى عام 316 تقريبا.
وفي الاصطلاح: اسم عام يطلق على جملة من المركبات الكيماوية العضوية لها خصائص متشابهة، ومكونة من ذرات الهيدروجين والكاربون (الفحم)،وأشهرها ما يعرف بالكحول الإثيلي، وهو سائل طيار، ليس له لون، وله طعم لاذع، وجميع أنواع الخمور تحتوي على نسبة منه ولا بد، حتى أن الخمر تعرف بكونها كل سائل يحتوي على نسبة معينة من الكحول بشتى أنواعه ولو كانت نسبة قليلة( 2 ).
استعمالات الكحول:
يعد الكحول من أقدم المركبات العضوية التي أمكن إنتاجها صناعيًا، ويدخل في عصرنا الحاضر كمادة أولية هامة في إنتاج الكثير من المركبات الكيميائية وتحضيرها للأغراض الصيدلانية والعلاجية ومنها:
1-مذيب لبعض المواد القلويةوالدهنية، فهناك بعض الأدوية التي لا تذوب إلا في الكحول.
2-مادة حافظة في المستحضرات الدوائية، حيث يعمل على حفظها من نمو الجراثيم والميكروبات لمدة طويلة.
3-يستخدم في بعض المستحضرات الخاصة بالأطفال، كمهدئ ومساعد على النوم ومسكن للمغص أو السعال أو مضاد للتشنج أو الحساسية.
4-مطهر موضعي للجلد والجروح ولتعقيم الأدوات الجراحية.
5-تحسين المذاق، أي تحسين مذاق الدواء حتى يستسيغه المريض.
للعلماء في هذه المسألة ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول:عدم جواز التداوي بالكحول مطلقًا سواء كانت صرفًا أم داخلةً في الأدوية التي تحتوي عليها، إلا أن يستهلك عين المسكر في الدواء بحيث لا يبقى له لون ولا طعم ولا ريح، ولم يوجد ما يقوم مقامه في التداوي، ووصفه طبيب مسلم عدل حاذق، أو كان المريض يعرف نفعه له، لمعرفته بالطب، أو من تجربة سابقة له مع المرض.
وذلك تخريجًا على مذهب جمهور أهل العلم القاضي بحرمة التداوي بالخمر.
وحجتهم: أن التداوي بالكحول الصرف – وإن كان غير شائع- فهو تداو بعين المسكر المحرم، وكذا ما كان الكحول داخلًا في تركيبه، فإن الكحول المضاف الكثير لا يستهلك في الدواء فكان استعماله استعمالًالعين المسكر فيحرم، يضاف إلى ذلك الأضرار الكثيرة الناشئة عن استعمال الأدوية المحتوية على الكحول من غير حاجة إليها، وسدًالذريعة تناول هذه الأدوية للسكر بها.
الاتجاه الثاني:إن كانت كمية الكحول يسيرةً، مستهلكةً في الدواء، بحيث إن شرب الكثير من هذا الدواء لا يسكر، فيجوز،وبه قال بعض الباحثين المعاصرين،ونسب بعض الباحثين القول به لجمهور العلماء المعاصرين، وبه أخذت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية.
ووجهه: أن في تحريم هذه الأدوية المشتملة على شيء يسير من الكحول مشقة كبيرة على الناس قد جاء الشرع برفعها قال تعالى:(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ).[سورة البقرة الآية 185]وقال: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [سورة الحج الآية 78].
الاتجاه الثالث:جواز التداوي بالأدوية المشتملة على نسبة ضئيلة من الكحول إن لم تتوافر أدوية بديلة عنها، وبهذا أخذ مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الثالث،والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في ندوتها الفقهية الطبية الثامنة،وقد شرطت توصية الندوة أن يكون الكحول لأجل الحفظ أو الإذابة.
([1]) انظر: لسان العرب 11/507، 509، دار صادر، بيروت، والمصباح المنير ص174، مكتبة لبنان، بيروت، وجامع البيان، لابن جرير 21/37، مؤسسة الرسالة، بيروت
([2]) الخمر بين الطب والفقه، د.محمد علي البار، ص 30،31، دار الشروق، جدة.
1. فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب: أحمد بن عبد الرزاق الدويش، طبع الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء، الرياض.
2. أحكام الأدوية في الشريعة الإسلامية، د. حسن بن أحمد بن حسن الفكي،ط.1، 1425، مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع، الرياض.
3. أحكام التداوي بالمحرمات بحث فقهي مقارن، د. عبدالفتاح محمود إدريس، ط.1، 1414.
4. الأحكام المتعلقة بصناعة الدواء،د. عبدالفتاح محمود إدريس، ضمن السجل العلمي لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني، قضايا طبية معاصرة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.
5. التداوي بالمحرمات، د. الوليد بن عبدالرحمن آل فريان، السجل العلمي لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني.جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.
6. التداوي بالوسائل الطبية المعاصرة، د. منال سليم رويفد الصاعدي، السجل العلمي لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني قضايا طبية معاصرة، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض.
7. الخمر بين الطب والفقه، د. محمد علي البار، دار الشروق، جدة.
8. التداوي بالمحرمات،د. شريفة بنت سالم بن علي آل سعيد، ضمن بحوث السجل العلمي لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني، قضايا طبية معاصرة، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض.
9. التداوي بالمحرمات، د. محمد بن سعود الخميس، ضمن السجل العلمي لمؤتمر الفقه الإسلامي الثاني، قضايا طبية معاصرة، جامعة الإمام محمد بن سعود، الرياض.
10. لباب النقول في طهارو العطور الممزوجة بالكحول، تأليف عيسى عبد الله الحميري، دار القلم للنشر والتوزيع، ط.1، 1995.