قسم الجنايات والقضاء والعلاقات الدوليةباب العقوبات

التخدير عند إقامة الحد

مسألة رقم 141

صورة المسألة

إذا أريد إنفاذ حكم عقوبة بدنية جاء الشارع بتقديرها على محكوم عليه فهل يجوز تخديره قبل إقامتها عليه؟

حكم المسألة

ذهب بعض الباحثين المعاصرين إلى التفصيل في حكم المسألة:

فالحد لا يخلو إما أن يكون قتلاً أو قطعاً أو جلداً.

فإن كان الحد قتلاً، فإما يكون رجماً بالحجارة أو حداً بالسيف.

فإن كان الحد رجماً بالحجارة كرجم الزاني المحصن، فذهب إلى أنه لا يجوز التخدير؛ لأنه ليس المقصود قتله فقط، فإنه لم يعاقب هذه العقوبة العظيمة، وتصيبه الحجارة في كل موضع، إلا ليذوق البدن كله مرارة الألم ولوعته، كما ذاق الجسم كله لذة الجماع، وإلا لما عوقب بهذه الصفة، وعلى هذه الكيفية.

وإن كان الحد قتلاً بالسيف، فإن التخدير عنده يجوز، لأن المقصود قتله، و قد لا يكون في التخدير فائدة للمقتول، اللهم إلا أن يقال إنما يخدر، لئلا يضطرب ويتحرك عند قتله.

وإن كان الحد جلداً، فإن التخدير لا يجوز، وبه قال الشيخ محمد العثيمين.

وذلك لما يلي:

1ـ لأن المقصود هنا، أن يذوق ألم الجلد حتى يؤدب، حيث قال سبحانه وتعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) [النور: 2].

2ـ ويدل عليه قول الفقهاء رحمهم الله: ويفرق الضرب على بدنه([1])، أي في الحد، وذلك ليعم الألم بدنه، وليأخذ كل عضو منه حظه، ولئلا يختص الألم في مكان واحد، ومع التخدير يفوت المقصود من الجلد.

3ـ ويؤكد ذلك قول أهل العلم ـ رحمهم الله ـ عند كلامهم على جلد المحدود: وإن كان عليه فرو، أو جبة محشوة، نزعت منه، لأنه لو ترك عليه لم يبال بالضرب([2])، ومع تخديره لايبالي بالجلد.

وأما إن كان الحد إتلافاً لعضو كما في السرقة والحرابة، فقد اختلف المعاصرون في ذلك على قولين:

القول الأول: عدم الجواز، وبه قال بعض الباحثين، واستدلوا بقوله تعالى: (جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ) [المائدة: 38]. قالوا: والنكال هو الإيلام، والتخدير مانع منه، فلا يجوز، لأن الحكم إذا علق بعلة دار معها.

 

القول الثاني: جواز التخدير في هذا، وبه صدر قرار مجلس القضاء الأعلى بهيئته الدائمة، واختاره الشيخ محمد بن صالح العثيمين، قالوا: لأن المقصود القطع وقد حصل، فبإقامة الحد عليه يزول من نفسه الخبث الذي بعثه على الجريمه، ويرتدع، فالمقصود التأديب وقد حصل.

وقد يستدل لهم بما قال الفقهاء ـ رحمهم الله ـ عند صفة قطع يد السارق: وإن علم قطع أوحى من هذا قطع به،قالوا: لأن الغرض التسهيل عليه، ولقول لنبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة» [ رواه مسلم (1955)]، وهذا داخل فيه، فهو من باب الإحسان في إقامة الحد.

وجه الدلالة: أن الله تعالى جعل القطع في السرقة عقاباً للسارق وسماه نكالاً، والنكال هو الإيلام، والتخدير مانع منه، فلا يجوز، لأن الحكم إذا علق بعلة دار معها.


([1]) كشاف القناع 6/3031.

([2]) المقنع والشرح الكبير ومعهما الإنصاف 26/187.

المراجع

• نوازل السرقة وتطبيقاتها القضائية (رسالة دكتوراه ـ الفقه المقارن ـ المعهد العالي للقضاء)، د. فهد المرشدي (598) فما بعدها.
• النوازل الفقهية في الجنايات والحدود وتطبيقاتها القضائية (بحث تكميلي في مرحلة الماجستير ـ الفقه المقارن ـ المعهد العالي للقضاء)، سعد الجلعود (120) فما بعدها.
• قرار مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية رقم 145/5/20، في 7/6/1406هـ.
• جرائم السرقة بين الشريعة والقانون، عزت حسين (214).
• الموسوعة الجنائية الإسلامية، محمد نصر الدين محمد عويضة (1/187).
• تنفيذ الحدود، د. سعيد العمري (167)
• مكافحة جريمة السرقة، خليفة الزرير (202)
• عقوبة السارق في الفقه الإسلامي، عبدالفتاح أبو العينين (201).
• القضايا المستجدة في باب العقوبات (رسالة ماجستير، الجامعة الأدرنية)، وفاء خضير.
• كشاف القناع في شرح الإقناع، لمنصور البهوتي.
• المقنع مع الشرح الكبير، للموفق ابن قدامة، ومطبوع معه الإنصاف لأبي الحسن المرداوي.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى