التبنيج
تعريف التخدير: التخدير لغة: من خدر يعني ستر، وخدر خدرا: عراه فتور واسترخاء، والمخدِّر:المعطل للإحساس والمبدل للشعور والإدراك.
والتخدير اصطلاحا:وسيلة طبية لتعطيل حس الألم بصورة مؤقتة.
وعُرِّف بأنه: فقدان القدرة على الشعور بالألم بسبب دواء أو تدخل طبي.
ويستخدم التخدير في العمليات الجراحية أو عند أخذ خزعة من أحد الأعضاء، أو عند إجراء بعضالفحوص، وتستخدم في التخدير أنواع مختلفة من المواد المخدرة.
أنواع التخدير:
1. التخدير العام (التخدير الكامل):وفيه يفقد المريض حس الألم، ويفقد وعيه، ويستخدم هذا النوع من التخدير في العمليات الجراحية غالبا.
2. التخدير الجزئي أو الموضعي: وفيه يفقد المريض الإحساس بالألم في موضع معين من جسمه، دون أن يفقد وعيه. ويعتمد ذلك على نوع العملية التي سيتعرض لها المريض.
الاستعمال الطبي للمخدر: يستعمل المخدر كمركب لتسكين الآلام التي تحصل بعد العمليات الجراحية أو بعد الإصابة بالحروق،أو لأي سبب للألم يصعب احتماله، أو كمغيب للوعي عند إجراء العمليات الجراحية أو لإحداث غيبوبة عارضة للعلاج النفسي.
كما أن الطبيب الجراح يحتاج أثناء قيامه بمهمة الجراحة الطبية إلى سكون المريض وعدم حركته، وذلك لكي يستطيع القيام بأداء مهمته الجراحية على الوجه المطلوب، ولا يتم ذلك إلا بالتخدير(1 ).
الحاجة إلى التخدير في الجراحة الطبية لا تخلو من ثلاث حالات:
الحالة الأولى: حالة الضرورة: وهي التي يستحيل فيها إجراء الجراحة الطبية بدون تخدير كما في جراحة القلب المفتوح، فإلم يخدر المريض فسيموت أثناء الجراحة أو بعدها بقليل.
الحالة الثانية: حالة الحاجة: وهي الحالة التي يلقى فيها المريض مشقة فادحة لا تصل به إلى درجة الموت والهلاك، ومن أمثلتها جراحة بتر الأعضاء.
الحالة الثالثة: وهي الحالة التي لا تصل إلى مقام الضرورة والحاجة، حيث يمكن فيها إجراء العملية الطبية دون تخدير ويلقى فيها المريض بعض الآلام اليسيرة التي يمكنه الصبر عليها مثل: قلع السن في بعض أحواله.
وتقدير الحالات السابقة يرجع للطبيب نفسه، بناء على حالة المريض؛نظرا لاختلاف الإجراء الطبي واختلاف حالات المرضى.
حكم المسألة:
أما الحكم الشرعي لما سبق من الحالات فيكون كما يلي:
- التخدير في الأصل حرام شرعا؛لأنه يعطل العقل الذي هو مناط التكليف، فيمنع قياسا على الخمر، لكن يجوز للتداوي عند الضرورة أو الحاجة كما سيأتي.
- في حالة الضرورة يجوز استعمال المخدر تخريجا على القاعدة الشرعية: (الضرورات تبيح المحظورات)
- في حالة الحاجة يجوز استعمال التخدير تخريجا على القاعدة الشرعية: (الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة ).
- ما كان دون مقام الحاجة فيرخص فيه اليسير من المخدر؛ بناء على مانص عليه الفقهاء المتقدمون -رحمهم الله- من جواز استعمال المخدر في التداوي.
هذا وقد أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بجواز استعمال التخدير بنوعيه الكلي والنصفي؛ لما يقتضيه من المصلحة الراجحة إذا كان الغالب على المريض السلامة في ذلك.
مسؤولية الطبيب المخدر:
الطبيب المخدر عضو أساسي من أعضاء الفريق الطبي، وهو المسئول الأول عن عمليات التخدير والإنعاش، وهو الذي يدرس حالة المريض ليختار له التخدير المناسب من عدمه، وإذا نتج عن التخدير ضرر أو إتلاف أو موت، فينظر: إن كان الطبيب متخصصا، ولم يرتكب خطأ، ولم يصدر منه تقصير، فلا يتحمل مسئولية ما حصل. أما إن كان غير متخصص، أو أخطأ في عمله أو قصر في واجباته حسب تقدير أهل الخبرة، فإنه يتحمل نتيجة عمله، ويضمن الدية أو الحكومة، لأنه في معنى الخطأ، وهو متسبب للتلف، ويستحق التعزير في حالات، وتكون الدية على عاقلته في الخطأ، فإن لم يكن طبيبا متخصصا فتجب في ماله، لقوله ﷺ :”من تطبب، ولم يعلم منه قبل ذلك الطب، فهو ضامن “أخرجه أبوداود(ح 4588)، وصححه الألباني فيصحيح الجامع(ح 6153).
ولا تقف مهمة الطبيب المخدر عند التخدير وحده، بل هو مسئول عن إنعاش المريض من أثر التخدير بعد العملية، ويبقى مسئولا عن المريض حتى زوال أثر التخدير عنه، ويتحمل الطبيب المخدر مع الفريق الطبي المساعد له مسئولية رعاية حرمة المريض أثناء فقدانه للوعي، فعليه أن يحول دون كشف عورة المريض أو مسها دون ضرورة، أو الخلوة المحرمة بالمريض أو المريضة، ونحو ذلك من الأمور التي هي من حقوق المريض أو من حرماته، وعلى الطبيب المخدر مراقبة المريض طوال فترة العملية؛ ليحول دون حصول أية أضرار، وتلافي أية مضاعفات قد تحصل من جراء التخدير، وعليه إخبار الجراح بالتطورات التي قد تطرأ على المريض أثناء العملية، فتهدد حياته بالهلاك أو تهدد بحصول مضاعفات سيئة، ليتخذ الجراح الإجراء اللازم في الوقت المناسب، حسب الأعراف الطبية.
هذا ويترتب على التخدير أحكام شرعية كالحد أو التعزير، ورفع التكليف مؤقتا، ونقض الوضوء، والإفطار من الصوم إن استغرق التخدير طوال اليوم، وعدم المؤاخذة فيما يصدر أثناء التخدير من تصرفات كالقذف والشتم والوصية والطلاق، وعدم الإثم في أخذ المخدر للتداوي بالضوابط المذكورة سابقا.
1- أحكام الجراحة الطبية، د. محمد بن محمد المختار الشنقيطي، ص 262 وما بعدها.
2- أحكام التخدير والمخدرات الطبية والفقهية، د. محمد الزحيلي، مجلة جامعة دمشق، المجلد 24، العدد الأول 2008.
3- بحث تطبيق القواعد الفقهية على مسائل التخدير المعاصرة د. عبدالسلام بن إبراهيم الحصينضمن أبحاث ندوة تطبيق القواعد الفقهية على المسائل الطبية، تحت رعاية إدارة التوعية الدينية لصحة الرياض 3/1205.
4-الموسوعة الطبية الفقهية، د. أحمد محمد كنعان، دار النفائس،بيروت ص 190.
5- فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، الؤال الثانيمن الفتوى رقم 3685.
6- التداوي بالمحرمات، د. محمد علي البار، مجلة المجمع الفقهي الدولي، 8/1373.
7-التخدير الموضعي في جراحة الفم والأسنان، د. شقيق الأيوبي، مطبعة جامعة دمشق، ط.4 .
8- التداوي بالمحرمات، د. محمد علي البار، مجلة المجمع الفقهي الدولي، المجلد الثامن.
9- معجم مصطلحات الفقه الطبي، د. نذير محمد اوهاب، ط. كرسي الأمير سلطان ابن عبد العزيز للدراسات الإسلامية المعاصرة، الرياض، 1434.