تجربة الأدوية وتأثيرها.
التجارب التي تهدف تحقيق كشف سريري أو تجربة مفعول مستحضر، وتجرى على متطوعين أصحاء، أو مرضى لا تكون لهم مصلحة شخصية مباشرة في إجراء التجربة يطلق عليها تجارِب أو بحوث علمية غير علاجية.
للباحثين المعاصرين اتجاهان في هذه المسألة:
الاتجاه الأول:يرى بعض الباحثين أن التجارب العلمية إذا لم يكن هدفها الأول تحقيق مصلحة راجحة، وهي الشفاء فإنها تكون محرمة؛لغلبة ظن الهلاك على الحياة، ولأن ضرر إجراء التجارب على المريض إذا كان ميئوسًا من شفائه قد يكون أشد وطأة عليه من مرضه، واستدلالابقاعدة: (الضرر يزال)، وقاعدة: (الأمور بمقاصدها) وقاعدة: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح).
كما أن إجراء التجارب على سليم البدن أو معتله سواء كان مريضا بمرض يرجى شفاؤه أم لا يرجى حسب تقدير الأطباء وإمكانات الطب المتاحة في ذلك الوقت قد يضر به، حتى وإن كان في ذلك تحقيق مصلحة للمجتمع.
الاتجاه الثاني:ذهب بعض الباحثين أن الإنسان إما أن يكون شخصًا سليمًا أو مريضا، والسليم إما أن يكون متطوعًا أو أسيرًا أو محكومًا عليه بالقتل حدًا أو قصاصًا، والمريض إما أن يكون معاقًا أو ميئوسا من برئه.
فأما إجراء التجارب الطبية على الإنسان السليم المتطوع أو المريض أو الأسير أو المحكوم عليه بالموت قصاصًا أو حدًا إذا لم يضر به فهو جائز شرعًا؛ لأن ضرورة العلاج أو الحاجة تبرر ما هو محظور شرعًا، ولو لم يكن هناك ضرورة فحاجة الأحياء إلى العلاج تنـزل منزلة الضرورة،لكن الجواز هنا مقيد بشروط وضوابط، وهي:
- يجب أن يقوم بإجراء التجربة على المتبرع أشخاص مؤهلون علميًا.
- أن تكون فوائدها تفوق الأخطار المتوقع أن يتعرض لها الشخص الخاضع للتجربة.
- رضا الشخص الخاضع للتجربة، وحتى يكون الرضا صحيحًا لا بد من توفر شرطين:
- أن يكون الرضا حرًا فلا يصح أن يكون ضحية تدليس أو غش أو خداع أو غلط أو خوف أو أي سبب آخر من شأنه أن يصيب أو يعدم الاختيار، وقد نص على هذا قرار المجمع الفقهي الإسلامي الدولي – كما سبق-.
- أن يتحقق الرضا التام أي أن يكون صادرًا عن بينة تامة بمخاطر التجربة والغرض منها والنتائج المحتملة لها.
- أن تكون هناك حاجة داعية إلى إجراء تلك التجارب، وتحقيق مصلحة معتبرة شرعًا.
- أن تكون التجربة قد وصلت إلى مرحلة تجعلها قابلة لإجرائها على الإنسان، وذلك بإجراء التجربة أولاً على الحيوان قبل إجرائها على الشخص المتبرع.
أما إن كانت التجربة مضرة بالإنسان فإنه لا يجوز إجراء التجربة الطبية عليه، لأن هذا يفضي إلى تعمد إصابته بالمرض الذي يراد إجراء التجربة العلاجية له قبل التجربة، ونقل المرض إلى الصحيحوتعمد إصابته غير جائز شرعًا، ومما يستدل به لهذا الحكم ما يلي:
- قوله تعالى: ( وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ ) (البقرة: 195)، والتهلكة لفظ عام يشمل كل ما يؤدي إليها، وإجراء التجربة الطبية على الجسم السليم مما يؤدي إلى الهلاك.
- قوله تعالى: ( وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) (النساء: 29).
وإجراء التجارب الطبية المضرة قد يؤدي إلى قتل الشخص المراد إجراء التجربة عليه، وهو منهي عنه.
ومن السنة:
- قول النبي ﷺ: «فر من المجذوم كما تفر من الأسد» أخرجه البخاري(ح 5707).
- قول النبي ﷺ: «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها».أخرجه البخاري (ح 5728).
- قول النبي ﷺ: «لا يوردن ممرض على مصح».أخرجه البخاري (ح 5771).
فهذه الأحاديث وغيرها تدل على أن الحجر الصحي واجب شرعًا، فيحرم الدخول إلى المكان الموبوء خشية الإصابة بالوباء، ويحرم انتقال أهل المكان الموبوء إلى مكان لم يصب أهله خشية نقل المرض إليه، مع أن إصابة الصحيح بالمرض عند دخوله غير متيقن، فتعمد إصابة الصحيح بالمرض يقينًا بواسطة إجراء التجارب الطبية يجب أن يكون أشد تحريمًا.
ومن المعقول:
- أن الإنسان لا يملك نفسه، ولا يملك أي عضو من أعضائه لكي يتبرع بها، وإنما هي أمانة استودعها الله إياه.
- أن جسد الإنسان الحي يتعلق به حق الله، وحق العبد بدليل سقوط بعض التكاليف الشرعية عمن فقد عضوًا من أعضائه فليس للإنسان أن يفعل هذا بنفسه وإرادته، فيفوت تكاليف خلق من أجلها ليوفرها لغيره بسبيل مظنون، والضرر لا يزال بمثله.
التجارب على الأسرى:
إذا كانت التجربة المراد إجراؤها على الأسير غير مضرة به، كأخذ عينة من جسده أو غير ذلك من التجارب التي لا تضر به فيجوز بشروط هي:
- التأكد أنه لا يوجد ضرر ناتج عن هذه التجربة.
- موافقة الأسير على إجراء التجربة.
- أن تتوفر في القائم على التجربة الأهلية اللازمة للقيام بها.
- أن تكون هناك حاجة داعية لإجراء تلك التجارب.
- إجراء التجربة الطبية أولاً على الحيوان قبل إجرائها على الأسير.
أما إذا كانت التجربة مضرة بالأسير فلا يجوز إجراء التجربة عليه لما يلي:
- أن الإمام يخير في شئون الأسرى واختياره مقيد بما يحقق مصلحة الجماعة، وليس في إجراء التجارب المضرة مصلحة، ولا هي من الأمور المشروعة التي يمكن أن يتخير منها الإمام.
- أن في إجراء التجارب الطبية على الأسرى إيذاء لهم، والقرآن الكريم قد جعل الإحسان إلى الأسير من أعمال البر حيث قال تعالى: ]ويطعمون الطعام على حبه مسكينًا ويتيمًا وأسيرا[سورة الإنسان الآية8، فيكون إيذاؤه محرمًا بقياس العكس.
- أن مبادئ الإسلام تدعو إلى الرفق بالأسرى وتوفير الطعام والشراب والكساء لهم واحترام آدميتهم، ماداموا مأسورين لم يصدر في حقهم حكم الإمام.
- أن الحكمة من مشروعية الأسر هي كسر شوكة الأعداء ودفع شرهم وإبعادهم عن ساحة القتال،وليست الحكمة إجراء التجارب عليهم والتمثيل بهم.
1- قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي سابقا) رقم 161 (17/10)، في دورته السابعة عشرة بعمان (المملكة الأردنية الهاشمية) من 28 جمادى الأولى إلى 2 جمادى الآخرة 1427ه
2- نطاق الحماية الجنائية للميئوس من شفائهم والمشوهين خلقيًا في الفقه الجنائي الإسلامي والقانون الجنائي، الوضعي،د. محمود إبراهيم محمد مرسي، دار الكتب القانونية، مصر، ودار شتات للنشر والبرمجيات، مصر.
3- حكم إجراء التجارب الطبية (العلاجية) على الإنسان والحيوان، رسالة ماجستير، جامعة اليرموك، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية قسم الفقه، إعداد: عفاف عطية كامل معابرة.
4- أحكام التجارب الطبية،د. عبد الرحمن العثمان، رسالة دكتوراه، قسم الفقه بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.