قسم المعاملات الماليةباب التأمين

التأمين التجاري

المسألة رقم 68

العناوين المرادفة

التأمين ذو القسط الثابت

صورة المسألة

عقد يلتزم المؤمِّن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمَّن له (المستأمن) أو إلى المستفيد, الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغًا من المال، أو إيرادًا مرتبًا، أو أي عوض مالي آخر، في حالة وقوع الحادث، أو تحقق خطر مبين في العقد، وذلك في مقابل قسط، أو أي دفعة أخرى, يؤديها المؤمَّن له إلى المؤمِّن.

حكم المسألة

اختلف المعاصرون في حكم التأمين التجاري على اتجاهات، أهمها:

الاتجاه الأول: تحريم التأمين التجاري مطلقًا, وممن قال بذلك من العلماء المعاصرين: مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي, و المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي, واللجنة الدائمة للإفتاء, وهيئة كبار العلماء, وصدر به قرار المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي.

 

الاتجاه الثاني: إباحة التأمين التجاري مطلقًا، وقال به جمعٌ من المعاصرين.

 

الاتجاه الثالث: التفصيل، ومَن فصّل حرّم بعض صوره، وأباح منه صورًا أخرى، وممن قال بذلك مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.

 

أهم أدلة القائلين بمنع التأمين التجاري مطلقًا:

1/ عقد التأمين من عقود المعاملات المالية الملزمة، على ما عرف من نظام التأمين, وهي مشتملة على الغرر، فكانت ممنوعة شرعا.

2/ عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة, لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية, ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها, ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ, فإن المستأمن قد يدفع قسطا من التأمين, ثم يقع الحادث فيغرم المؤمن كل مبلغ التأمين, وقد لا يقع الخطر, ومع ذلك يغنم المؤمن أقساط التأمين بلا مقابل, وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قمارًا, ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى:( إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) [المائدة:90]. والآية بعدها.

3/ عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنسيئة, فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل, والمؤمن يدفع للمستأمن بعد مدة فيكون ربا نسيئة, وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نسيئة فقط, وكلاهما محرم بالنص والإجماع.

 

أهم أدلة القائلين بجواز التأمين التجاري مطلقا.

أ- استدلوا بقياس عقود التأمين على عقد الموالاة، وفسروه بأن يقول شخص مجهول النسب لآخر: أنت وليي, تعقل عني إذا جنيت, وترثني إذا أنا مت، أو أن يتفق شخص من غير العرب قد أسلم مع عربي مسلم على أن يلتزم العربي بالدية إذا جنى مولاه، ويلتزم غير العربي أن يرثه مولاه العربي إذا لم يكن له وارث سواه، ووجه الشبه بينه وبين التأمين أن العربي يتحمل جناية غير العربي بعقد الموالاة مقابل إرثه، والمؤمن يتحمل جنايات المستأمن نظير ما يدفعه من أقساط التأمين، فالمؤمن نظير المسلم العربي في تحمل المسؤولية، والمستأمن نظير المولى المسلم من غير العرب فيما يبذل من أقساط أو إرث، وقد صحح الحنفية عقد ولاء الموالاة، وأثبتوا به الميراث، وعقود التأمين وثيقة الصلة وقوية الشبه به, فتخرّج عليه, ويحكم لها بحكمه وهو الجواز.

ب –أن التأمين من ضرورات العصر الحاضر؛ لكثرة الأخطار والحوادث والكوارث، وقلة الموارد عند أغلب الناس، فيعجزون عن دفعها، والضرورات تبيح المحظورات، ومصلحة التأمين تغلب ما فيه من المفاسد.

دليل القائلين بالتفصيل بين أنواع التأمين, فمنهم من فرق بين التأمين على الحياة وما في معناها بقية أنواع التأمين التجاري, فحرم الأول ومنع من الثاني، واستدل لما منعه بأدلة المانعين للتأمين مطلقا، ولما أجازه بأدلة المجيزين له مطلقا.

 

قرارات المجامع الفقهية والهيئات الشرعية والفتاوى العلمية.

أولا: قرارات المجامع الفقهية: ـ

1/ قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من (10-16ربيع الآخر 1406هـ /22–28 كانون الأول(ديسمبر) 1985م) في قراره رقم 9 (9/2 ),، قرر ما يلي:

أولًا: إن عقد التأمين التجاري ذي القسط الثابت, الذي تتعامل به شركات التأمين التجاري عقد فيه غرر كبير مفسد للعقد. ولذا فهو حرام شرعًا.

 

2/ مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا في المدة من 13 – 17 مايو– 2005م عقدت بحمد الله وتوفيقه الدورة التدريبية الثانية لأئمة المساجد والمراكز الإسلامية بالساحل الغربي للولايات المتحدة حول استثمار الأموال في الإسلام بمدينة سكرمنتو بولاية كاليفورنيا قرر ما يلي:

التأكيد على ما قررته المجامع الفقهية المعاصرة من حرمة التأمين التجاري بمختلف صوره، ومشروعية كل من التأمين التكافلي, الذي تقوم به شركات التأمين الإسلامية، والتأمين الاجتماعي الذي تقوم به الدول والمؤسسات العامة في واقعنا المعاصر

إن المحرم من التأمين التجاري هو ما يكون مقصودا بالأصالة, أما ما كان منها تابعا لعقود أخرى فإنه لا يدخل في نطاق التحريم.

إن حرمة عقود التأمين ترجع في الأعم الأغلب إلى ما تنطوي عليه من الغرر،وأنه يباح منها ما تقتضيه الحاجة الماسة إلى أن يتوافر البديل الإسلامي المنشود، لأن حرمة الغرر دون حرمة الربا, الذي لا يترخص فيه إلا عند الضرورات.

 

3/مجلس المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي الدورة الأولى, القرار الخامس:

بعد الدراسة الوافية وتداول الرأي في ذلك قرر مجلس المجمع الفقهي بالإجماع عدا فضيلة الشيخ مصطفى الزرقا تحريم التأمين التجاري بجميع أنواعه, سواء كان على النفس أو البضائع التجارية أو غير ذلك للأدلة الآتية:

الأول: عقد التأمين التجاري من عقود المعاوضات المالية الاحتمالية, المشتملة على الغرر الفاحش , لأن المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي أو يأخذ, فقد يدفع قسطا أو قسطين, ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم به المؤمن , وقد لا تقع الكارثة أصلا فيدفع جميع الأقساط ولا يأخذ شيئًا, وكذلك المؤمن لا يستطيع أن يحدد ما يعطي ويأخذ بالنسبة لكل عقد بمفرده , وقد ورد في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ النهي عن بيع الغرر. [أخرجه مسلم (1513)].

الثاني: عقد التأمين التجاري ضرب من ضروب المقامرة, لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية, ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها, ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ, فإن المستأمن قد يدفع قسطا من التأمين, ثم يقع الحادث فيغرم المؤمن كل مبلغ التأمين, وقد لا يقع الخطر, ومع ذلك يغنم المؤمن أقساط التأمين بلا مقابل, وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قمارًا, ودخل في عموم النهي عن الميسر في قوله تعالى: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:90]. والآية بعدها.

الثالث: عقد التأمين التجاري يشتمل على ربا الفضل والنسيئة, فإن الشركة إذا دفعت للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه من النقود لها فهو ربا فضل, والمؤمن يدفع للمستأمن بعد مدة فيكون ربا نسيئة, وإذا دفعت الشركة للمستأمن مثل ما دفعه لها يكون ربا نسيئة فقط, وكلاهما محرم بالنص والإجماع.

الرابع: عقد التأمين التجاري من الرهان المحرم, لأن كلا منهما فيه جهالة وغرر ومقامرة, ولم يبح الشرع من الرهان إلا ما فيه نصرة للإسلام وظهوره, وقد حصر النبي ﷺ رخصة الرهان بعوض في ثلاثة بقوله: (لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل) [أبو داود (رقم 2574) والترمذي (رقم 1700) وقال: هذا حديث حسن]، وليس التأمين من ذلك ولا شبيها به فكان محرما.

الخامس: عقد التأمين التجاري فيه أخذ مال الغير بلا مقابل , والأخذ بلا مقابل في عقود المعاوضات التجارية محرم, لدخوله في عموم النهي في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ ) [النساء: 29].

السادس: في عقد التأمين التجاري الإلزام بما لا يلزم شرعًا, فإن المؤمن لم يحدث الخطر منه, ولم يتسبب في حدوثه, وإنما كان منه مجرد التعاقد مع المستأمن على ضمان الخطر على تقدير وقوعه, مقابل مبلغ يدفعه المستأمن له, والمؤمن لم يبذل عملا للمستأمن, فكان حراما.

المراجع

1/ مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي – ع 2، ج 1/545 , قرار رقم 9 (9/2 ).
2/ قرارات المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي الدورة الأولى, القرار الخامس,
3/ مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا الدورة التدريبية الثانية (13 – 17 مايو – 2005م).
4/ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) جزء: 4 صفحة: 282 – 303).
5/ التأمين التجاري وخلاف العلماء فيه (رسالة ماجستير), سعد بن عبدالله بن ناصر البريك, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, المعهد العالي للقضاء – الرياض.
6/ التأمين وأحكامه (رسالة دكتوراه), سليمان بن إبراهيم بن ثنيان, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, كلية الشريعة بالرياض.
7/ التأمين الصحي في الفقه الإسلامي (رسالة دكتوراه)، د. مشاعل بنت فهد الحسون, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.

مسائل ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى