قسم المعاملات الماليةباب البيع

البيع بالتقسيط

المسألة رقم 60

العناوين المرادفة

البيع الآجل

صورة المسألة

أن تقوم شركة, أو مؤسسة، بمبادلة سلعة تُسلّمها حالا للمشتري, بثمن مؤجل يسدده على دفعات معلومة في أوقات محددة, مع زيادة في الثمن.

حكم المسألة

للعلماء في هذه المسألة عدة أقوال:

القول الأول: أن بيع التقسيط غير جائز شرعًا, وممن قال بذلك زين العابدين علي بن الحسين، وأبو بكر الرازي الجصاص الحنفي.

أهم أدلة هذا القول:

1/ قوله سبحانه وتعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) [البقرة: 275]. فهي تفيد تحريم البيوع, التي يؤخذ فيها زيادة مقابل الأجل, لدخولها في عموم كلمة الربا، والمبيع بالتقسيط يزاد في ثمنه عن ثمن بيعه حالا.

2/ ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله ﷺ عن صفقتين في صفقة واحدة) [أخرجه ابن حبان في صحيحه (رقم 1053) وابن أبي شيبة (ورقم 2045) والطبراني في الأوسط (رقم 1610) وأحمد (1/389) وقال عنه أحمد شاكر: إسناده صحيح. وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (5/420) ] قال أسود: قال شريك: قال سماك: الرجل يبيع البيع فيقول: هو بنساء بكذا وكذا, وهو بنقد بكذا وكذا.

 

القول الثاني: أن بيع التقسيط جائز شرعًا, وهو قول جماهير العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم, وهيئة كبار العلماء في المملكة.

أهم أدلة هذا القول:

1/ عموم الأدلة القاضية بالجواز كقوله سبحانه وتعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) [البقرة: 275]. وهو نص عام يشمل جميع أنواع البيع، إلا الأنواع التي ورد نص بتحريمها، ولم يرد نص يقضي بتحريم بيع السلعة بثمن مؤجل أو مقسط، فيكون حلالًا.

2/ ما روي أن رسول الله ﷺ أمر عبد الله بن عمرو بن العاص أن يجهز جيشًا، فكان يشتري البعير ببعيرين إلى أجل [أخرجه الحاكم (2/65 ح 2340) وأبو داود (ح 3357) والبيهقي في الكبرى (5/87 ح 10309) الدارقطني (3/69 ح 261) وعبدالرزاق (8/22 ح 14144) وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (4/419) : أخرجه الدارقطني وغيره وإسناده قوي. وحسنه الألباني في إرواء الغليل (5/205-206)] وهو دليل واضح على جواز أخذ زيادة على الثمن, نظير الأجل.

 

القول الثالث: أنه مكروه، وشُبْهةٌ الأوْلى اتقاؤها، وقال به بعض الباحثين.

أهم أدلة هذا القول:

قوله ﷺ: (إن الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور متشابهات, لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام: كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه) [أخرجه البخاري (ح 52) ومسلم (ح 1599) وينظر : فتح الباري (1/127) (4/290-291) وشرح النووي (11/27)].

 

قرارات المجامع الفقهية والهيئات الشرعية والفتاوى العلمية.

أولًا: قرارات المجامع الفقهية:

1/ قرر مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17- 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 – 20 آذار (مارس) 1990م، وبعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع البيع بالتقسيط، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي: أولًا: تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحال، كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقدًا، وثمنه بالأقساط لمدد معلومة، ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل. فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد، فهو غير جائز شرعًا.

ثانيًا: لا يجوز شرعًا، في بيع الأجل، التنصيص في العقد على فوائد التقسيط، مفصولة عن الثمن الحال، بحيث ترتبط بالأجل، سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة.

ثالثًا: إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد, فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو دون شرط، لأن ذلك ربا محرم.

رابعًا: يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط، ومع ذلك لا يجوز شرعًا اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء.

خامسًا: يجوز شرعًا أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها، عند تأخر المدين عن أداء بعضها، ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد.

سادسًا: لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة.

 

2/ قرر مجمع الفقه الإسلامي بالهند في ندوته الفقهية العاشرة في المدة: 21-24 جمادى الآخرة 1418هـ الموافق 24-27 أكتوبر 1997م في حج هاؤس (بيت الحجاج) مومباي بولاية مهاراشترا (الهند): بشأن البيع بالتقسيط قرَّرت الندوة ما يلي:

أولًا: تجوز زيادة ثمن السلعة في البيع نسيئة على ثمنه نقدًا، كما يصح مثل هذا البيع والشراء بشرط أن يكون الثمن والمدة معلومين عند إنجاز الصفقة.

ثانيًا: يدفع ثمن السلعة دفعة واحدة أو في أقساط، تجوز كلتا الصورتين.

ثالثًا: لا بد لصحة مثل هذا البيع والشراء أن يكون الثمن متعينًا عند إنجاز الصفقة, سواء كان المذكور في البداية الثمن المؤجل فقط, أو كلًا من الثمن المؤجل والمعجل.

رابعًا: لا تدخل زيادة الثمن في البيع نسيئة في حكم الربا، فكما يكون الثمن المعين لسلعة في البيع الحالّ مقابل المبيع، كذلك يكون الثمن المعين في البيع نسيئة مقابل المبيع.

خامسًا: اشتراط زيادة شيء في صورة عدم أداء الثمن أو القسط في المدة المعينة, يأتي تحت حكم الربا، سواء كان ذلك مشروطًا عند إنجاز الصفقة, أو يطالب به فيما بعد….

تاسعًا: في صورة البيع بالتقسيط لو أمسك البائع المبيع عنده حتى يحصل على جميع الأقساط فهذا لا يصح، إلا إذا اتفق الطرفان على أن المبيع سيبقى عند البائع حتى تدفع إليه جميع الأقساط.

عاشرًا: بعد دفع بعض الأقساط في المدة المعينة لا يجوز للبائع في صورة عدم أداء الأقساط المتبقية أن يسترد السلعة المبتاعة, ولا يرد الأقساط المدفوعة.

حادي عشر: لا يجوز اعتبار السلعة التي تم شراؤها رهنًا بعد تسليمها إلى المشتري، إلا أنه يجوز للبائع أن يأخذها من المشتري كرهن ثم يعيرها للمشتري…..

خامس عشر: تجوز مطالبة أداء الدين قبل المدة المعينة في حالة عدم دفع الأقساط في الموعد المحدد، لأن أحد الطرفين قد خالف ما اتفقا عليه, فلا يجب الالتزام به على الطرف الآخر.

سادس عشر: تبقى الصفقة على حالها إن مات المدين (المشتري) قبل دفع جميع الأقساط, كما تبقى بوفاة الدائن، بشرط رضا البائع به.

 

ثانيًا: قرارات وفتاوى الهيئات الشرعية:

1/ الهيئة الشرعية لمصرف الراجحي.

عرض على الهيئة سؤال عن موضوع بيع التقسيط([1]).

فأجابت بما نصه:

إن شراء الشركة لبضاعة وبيعها على عميل لها بيع أجل بالتقسيط جائز شرعًا.

 

2/فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.

عرض على اللجنة سؤال عن موضوع بيع التقسيط ([2]).

فأجابت بما نصه:

البيع بالتقسيط جائز، ولا يلتفت إلى القول بعدم جوازه؛ لشذوذه، وعدم الدليل عليه.

 

ثالثًا: الفتاوى العلمية:

فتوى سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله.

سئل فضيلة الشيخ عن موضوع بيع التقسيط.

فأجاب رحمه الله:

البيع بالتقسيط لا حرج فيه، إذا كانت الآجال معلومة والأقساط معلومة، ولو كان البيع بالتقسيط أكثر ثمنًا من البيع نقدًا؛ لأن البائع والمشتري كلاهما ينتفعان بالتقسيط. فالبائع ينتفع بالزيادة والمشتري ينتفع بالمهلة.

وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها: “أن بريرة رضي الله عنها باعها أهلها بالتقسيط تسع سنوات، لكل سنة أربعون درهمًا” [ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت جاءتني بريرة فقالت: كاتبت أهلي على تسع أوراق في كل عام أوقية فأعينيني. فقالت: إن أحب أهلك أن أعدها لهم ويكون ولاؤك لي فعلت. فذهبت بريرة إلى أهلها…إلخ الحديث. أخرجه البخاري (رقم 2060) ومسلم (رقم 1504)]، فدل ذلك على جواز بيع التقسيط، ولأنه بيع لا غرر فيه, ولا ربا ولا جهالة، فكان جائزًا كسائر البيوع الشرعية, إذا كان المبيع في ملك البائع وحوزته حين البيع


[1]) ينظر: نص السؤال في قرار رقم (18) .

[2]) ينظر: نص السؤال في فتوى رقم (16402) .

المراجع

1/مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي – ع 2، ج 2/ص 527 (ع3 ج 1 ص 77) قرار رقم: 13 (1/3) ومجلة المجمع (ع 6ج1ص 193 وع7ج2ص9) قرار رقم: 51 (2/ 6) و قرار رقم: 64 (2/7).
2/ قرارات مجمع الفقه الإسلامي بالهند, قرار رقم:43 (3/10).
3/قرارات الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار1/48 , قرار رقم( 18 ).
4/ فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء, (فتوى رقم:(16402)ج:13 ص:161).
5/ مجموعة فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز (جزء: 19 صفحة:105).
6/ مصرف التنمية الإسلامي للدكتور رفيق المصري (189-190) مؤسسة الرسالة الطبعة (1397هـ – 1977م).
7/ بيع التقسيط وأحكامه (رسالة ماجستير), د. سليمان بن تركي التركي, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, كلية الشريعة – الرياض.
8/ البيع بالتقسيط دراسة مقارنة (رسالة ماجستير)، عبد الرحيم بن عبد الله القاسم, جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, المعهد العالي للقضاء – الرياض.
9/ بيع التقسيط (تحليل فقهي واقتصادي) د. رفيق بن يونس المصري.

مسائل ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى