من أتى المزدلفة من الأقوياء قبل نصف الليل ثم انصرف منها خشية الزحام في وقت انصراف المعذورين من الضعفة؛ فهل يعتبر الزحام عذراً مبيحاً للانصراف أو لا؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين([1]):
القول الأول: يجوز للحاج أن ينصرف من مزدلفة بعد نصف الليل إذا تحقق من وقوع الزحام, وهو قول عامة أهل العلم من الحنفية والمالكية (حيث لا يرون وجوب المبيت) والشافعية والحنابلة. واختاره من المعاصرين ابن عثيمين. واستدلوا:
الدليل الأول: ما ورد من أدلة تفيد إذن النبي ﷺ لضعفة أهله بالانصراف ليلاً, وليس ذلك إلا لخوفه عليهم من ضرر المزاحمة، ومشقة الزحام تلحق القوي كما تلحق الضعيف فيستويان في الحكم.
الدليل الثاني: ما ورد في حديث ابن عباس في طواف النبي ﷺ راكباً, قال ابن عباس رضي الله عنهما : (أن رسول الله ﷺ كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد, حتى خرج العواتق من البيوت, وكان رسول الله ﷺ لا يضرب الناس بين يديه, فلما كثروا عليه ركب)، [البخاري (1530), ومسلم (1272)].
وجه الاستدلال: يدل الحديث على أن كثرة الناس وشدة الزحام اعتبر عذراً عن المشي في الطواف والسعي والركوب بدل المشي فيكون الزحام عذراً هنا فيجوز للحاج الانصراف بعد نصف الليل.
القول الثاني: أن الزحام لا يعتبر عذراً مبيحاً لترك المبيت في مزدلفة, وإنما يخص العذر بالضعف والمرض للرجال والنساء. واختاره ابن عابدين. واستدل له:
أن الزحام في هذا الزمان أمر محقق فيلزم من اعتباره سقوط واجب الوقوف بمزدلفة, وهذا لا يصح، ولذا يحمل العذر على خوف الزحام مع مرض أو ضعف.
([1]) الهداية للمرغيناني (1/146), حاشية ابن عابدين (2/544), مواهب الجليل (4/170), المجموع (4/477), المغني (5/250).
1. الزحام وأثره في أحكام النسك للمصلح ص(73).
2. فتاوى ابن عثيمين (23/82).