اختراق مواقع الإنترنت
إن الإقبال الهائل على الإنترنت، وسرعة نموها، أدى إلى إيجاد مشكلات كثيرة جدًا في الإنترنت، فكما أن الإنترنت تنمو بسرعة، فمشكلاتها تنمو معها كذلك بسرعة، وتقف وسائل الحماية عاجزة عن إيجاد الحلول لكل تلك المشكلات، وأضحت حماية المعلومات والبيانات المتوفرة على شبكة الإنترنت قضية مؤرقة للحكومات والشركات والأفراد على حد سواء.
وللاعتداء الإلكتروني دوافع عديدة، ومنها: الدافع العقدي، والدافع العسكري.
ومن أشهر الطرق التي يتبعها القراصنة (hackers) عند مهاجمتهم للمواقع ما يلي:
الطريقة الأولى: طريقة استغلال الثغرات.
الطريقة الثانية: طريقة هجمات حجب الخدمة.
الطريقة الثالثة: الدخول والبحث الجماعي في وقت معين.
الطريقة الرابعة: إيجاد كلمة السر الخاصة بمشرف الموقع.
فما حكم هذا الاعتداء؟
يمكن تقسيم المواقع باعتبارات متعددة، والتقسيم الذي يخدمنا هو تقسيم المواقع إلى مواقع محترمة يحرم التعدي عليها، ومواقع غير محترمة.
القسم الأول: المواقع المحترمة التي يحرم الاعتداء عليها، وهي المواقع التي جمعت عنصرين رئيسين:
العنصر الأول: أن يكون الموقع فيه منفعة مباحة في الشريعة، إذ إن من شرط المال في الشريعة أن يكون ذا منفعة مباحة، ومن شرط الضمان في مسائل الإتلاف أن يكون المال متقوَّمًا في الشريعة، أي يكون ذا قيمة معتبرة في الشرع.
وعلى ذلك فإذا كان الموقع يتضمن منفعة مباحة، كالخدمات التعليمية أو التجارية أو الحكومية أو الطبية أو غيرها فإنه يكون مالا متقوّمًا شرعًا، يحرم التعدي عليه إذا استوفى العنصر الثاني.
أما إذا كان الموقع من المواقع التي تتضمن منافع محرمة، كالمواقع الجنسية، أو مواقع السحر والشعوذة، أو مواقع القمار، أو غيرها مما هو على شاكلتها، فإنه لا مالية لهذا الموقع في الشرع.
العنصر الثاني: أن يكون صاحب الموقع معصوم المال والدم، وهو المسلم والذمي والمعاهد والمستأمن، فلا يجوز التعدي على أموال هؤلاء؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد حفظ أموالهم، وحرّم الاعتداء عليها.
والآن أكثر المواقع هي مواقع مسلمين أو معاهدين فلا يجوز التعدي عليها.
فأي موقع استوفى هذين العنصرين حرم الاعتداء عليه.
القسم الثاني: المواقع غير المحترمة:
وهي المواقع التي اختل فيها أحد الشرطين أو العنصرين، فإما أن تكون مواقع تحتوي على منفعة محرمة، كالمواقع الجنسية، أو مواقع يملكها شخص غير محترم المال، وهي المواقع التي يملكها الحربيون.
حكم الاعتداء على هذا القسم من المواقع:
لا خلاف في أن هذه المواقع لا مالية لها إذا تحققنا أنها غير محترمة، كما أنه لا خلاف في عدم وجوب الضمان فيها إذا كانت غير محترمة.
ولكن الخلاف في مشروعية الإقدام على الاعتداء على تلك المواقع بالإتلاف أو الاختراق أو حجب الخدمة ونحوها من صنوف الاعتداء، هل هو مشروع أو لا؟
وسبب الخلاف في هذه المسألة هو: النظر في المصالح والمفاسد، فمن غلبت عنده المصالح أفتى بالمشروعية، ومن غلبت عنده المفاسد أفتى بالمنع.
فقد اختلف الفقهاء المعاصرون في مشروعية الاعتداء على المواقع غير المحترمة:
القول الأول: جواز إتلاف المواقع إذا كانت غير محترمة، وقد أفتى بذلك جمع من العلماء المعاصرين، ومنهم من كانت فتواه عن مواقع محرمة كالمواقع الجنسية، ومنهم من كانت فتواه عن مواقع الدول الحربية، أو عن الدول الحربية والدول التي تدعمها، وممن قال بهذا:
مفتي السعودية سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، ولجنة الفتوى في الأزهر.
واستدلوا بما يلي:
الدليل الأول: أن هذا الفعل داخل في عموم قوله تعالى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [آل عمران: 104].
الدليل الثاني: عموم قوله صلى الله عليه وسلم : «مَن رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه» [رواه مسلم (49)]، وتدمير المواقع التي تدعو إلى الفساد داخل في هذا العموم.
الدليل الثالث: أن تدمير مواقع الدول الحربية التي تحارب الإسلام والمسلمين، والتي احتلت أرضهم، وأخرجت المسلمين من ديارهم، هو من الجهاد في سبيل الله؛ إذ إن أساليب الجهاد في سبيل الله قد تنوعت وتعددت في هذا العصر، ومن هذه الطرق الحديثة للجهاد الجهاد الإلكتروني، وعلى ذلك فالقيام باختراق مواقع الدول الحربية وتدميرها وتعطيلها داخل في عموم الجهاد في سبيل الله، ويثاب من قام بهذا العمل على فعله.
الدليل الرابع: أن هذه المواقع من قبيل الضرر، والضرر إن كان يزول من غير ضرر وجب إزالته، وكذا إن زال بضرر أخف منه، أما إن لم يزل إلا بضرر أعلى وأكثر فلا يزال، بل يحتمل أدنى الضررين لدفع أعلاهما.
فإن كانت محاربة مواقع الفساد بمثل هذه الوسائل لا ينتج عنها ضرر أكبر من ضرر وجود تلك المواقع، فإن هذا من أعمال القربات ومن الجهاد في سبيل الله.
الدليل الخامس: أن في تدمير المواقع المحرمة كّفًا لأذاها ودفعًا لشرها، فيشرع تدميرها.
القول الثاني: عدم جواز اختراق المواقع غير المحترمة، وهذا القول قال به بعض المفتين المعاصرين.
ومما استدلوا به:
الدليل الأول: قوله – تعالى-: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ) [الأنعام: ١٠٨]، فتدمير المواقع المحرمة يؤدي إلى مفسدة أكبر، وهي أن من دمرت مواقعهم الإلكترونية سيقومون بمهاجمة المواقع العربية والإسلامية، وما يتم تدميره من مواقعهم سيتم تدمير أكثر منه من المواقع الإسلامية، وعلى ذلك فضرر هذا الفعل أكثر من نفعه فلا يقدم عليه.
الدليل الثاني: أن هذا العمل من مسؤولية الدول والمؤسسات العامة، وليس ذلك إلى الأفراد، ولو أراد الأفراد إتلاف المواقع الجنسية ونحوها فإنهم لن يستطيعوا إتلاف عشر معشارها، والعلاج الأفضل لها يكون باتخاذ وسائل الحذر والحماية العامة، بحجب المواقع الفاسدة في الدول الإسلامية، وتطوير البرامج لمراقبة هذا الحجب، ونشر الوعي والحذر العام، وهذه جهود لا تستطيعها إلا المؤسسات والدول.
الدليل الثالث: أن تتبع المواقع الفاسدة من أجل إتلافها قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، فقد يعلق بقلب الإنسان منها شيء، وتكون المفسدة التي حدثت من اطلاعه على تلك الأمور أعظم من مفسدة الإتلاف.
• الاعتداء الإلكتروني دراسة فقهية (رسالة دكتوراه ـ الفقه ـ كلية الشريعة)، د. عبدالعزيز الشبل (340) فما بعدها.
• أحكام تقنية المعلومات “الحاسب الآلي وشبكة المعلومات (الإنترنت)” (رسالة دكتوراه. الفقه المقارن. المعهد العالي للقضاء)، د. عبدالرحمن السند (266).
• الجريمة الإلكترونية وتطبيقاتها في المملكة العربية السعودية، ابرار محمدالمجلي.
• النظام السعودي لمكافحة جرائم المعلوماتية.