الاعتداء على البرامج الإلكترونية بالإتلاف والتخريب
مسألة رقم 17
إرسال الفيروسات للأجهزة الحاسوبية.
إذا كانت الأجهزة الصلبة تتلف بالكسر أو الحرق مثلاً فإن البرامج تختلف عنها، فالبرامج تتلف بمسحها من الشيء الذي كتبت عليه، وقد يتم تخريبها بجعلها لا تؤدي الوظيفة التي كتبت من أجلها.
وعادة ما يتم إتلاف البرامج أو تخريبها بواسطة البرامج الخبيثة، ومن أشهر أنواع البرامج الخبيثة: الفيروسات، والديدان، وأحصنة طروادة.
فما حكم هذا الإتلاف وما الأثر المترتب عليه؟
البرامج الإلكترونية يعتدى عليها بالإتلاف والتخريب باستعمال البرامج، وإذا عرفنا أن البرامج قد يُعتدى عليها بالإتلاف والتخريب، وعلمنا أن البرامج من قبيل الأموال، فالأصل في الأموال المعصومة أنه لا يجوز الاعتداء عليها، وهذا بيّن ظاهر في الشريعة الإسلامية، وهذا من حيث الأصل، ويمكن بيانه في المسائل الآتية:
المسألة الأولى: حكم الإتلاف بالنظر إلى البرنامج المتلف:
من المتقرر أنه لا يجوز التعدي على الأموال المحترمة، ويؤخذ من هذا أن الأموال غير المحترمة لا تضمن على من أتلفها.
فقد ذكر العلماء -رحمهم الله- أن من شروط الضمان أن يكون المتلَف مالاً متقوماً شرعًا، وعليه فمن أتلف مالاً لا قيمة له في الشرع فإنه لا يضمن ذلك المال، كمن أتلف خنزيرًا أو آلات لهو ونحوها.
ومن الأدلة على جواز إتلاف الأشياء المحرمة وأنها لا مالية لها:
الدليل الأول: قوله تعالى: (وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا) [طه: 97].
الدليل الثاني: ما رواه أبو الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تدع تمثالاً إلا طمسته، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته [رواه مسلم (969)].
الدليل الثالث: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً مقسطاً، فيكسر الصليب، ويضع الجزية» [رواه البخاري (2222)، مسلم (155)].
وعلى ذلك فهذا الحكم ينطبق على البرامج؛ لما تقرر من أنها أموال، فالبرامج المحرمة لا مالية لها، ولا ضمان على متلفها، فبرامج الفيروسا ت وأحصنة طروادة ونحوها من البرامج المؤذية ليست أموالاً ولا ضمان في إتلافها؛ لأنه لا يوجد فيها نفع مباح، وكذلك البرامج التي لا تستخدم إلا في الحرام كالبرامج المستخدمة في لعب القمار إن لم تكن تستخدم إلا فيه هذه البرامج لا مالية لها؛ لانعدام النفع المباح فيها، فهي غير متقومة شرعًا.
وإذا تقرر أن الأموال من شرطها أن تكون متقوّمة شرعًا، ولا مالية للبرامج المحرمة التي لا تستخدم إلا على وجه محرم، فإنه يحسن بحث بعض المسائل المتعلقة بهذه المسألة، وأهم هذه المسائل ما يلي:
أولاً: إذا كان البرنامج يستخدم في الحلال والحرام فما حكمه؟
ثانياً: إذا كان الشيء متضمنًا لمحرم، فهل يجوز إتلافه؟
ثالثاً: إذا قلنا بجواز الإتلاف فهل الإتلاف لكل أحد؟
الفرع الأول: حكم إتلاف البرنامج الذي يمكن استخدامه في الحلال أو في الحرام.
من البرامج ما يستخدم في الحلال ويستخدم في الحرام كذلك، مثل البرامج المشغلة للوسائط المتعددة (الصوت والصورة) فهذه البرامج هناك من يستخدمها في الحلال، وهناك من يستخدمها في الحرام، والأصل حرمة أموال المعصومين فلا يجوز الاعتداء عليها ولا إتلافها إلا بدليل، وكثير من الأشياء المباعة يمكن استخدامها في الحلال والحرام كالسكين والسلاح عمومًا، والعنب تتخذ للأكل وتتخذ خمرًا، ومع ذلك لم يرد في الشرع تحريمها لمن اتخذها في الحلال، وإذا كانت حلالا فلا يجوز إتلافها.
ومما يدل على هذا الأصل ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: رأى عمر حلة على رجل تباع، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ابتع هذه الحلة؛ تلبسها يوم الجمعة، وإذا جاءك الوفد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما يلبس هذا من لا خلاق له في الآخرة»، فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم منها بحلل، فأرسل إلى عمر منها بحلة، فقال عمر: كيف ألبسها وقد قلت فيها ما قلت؟!، قال: «إني لم أكسكها لتلبسها، تبيعها أو تكسوها»، فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يسلم. [رواه البخاري (2619)، مسلم (2068)].
الفرع الثاني: حكم إتلاف البرنامج إذا كان متضمنًا لمحرم:
كثير من البرامج يوجد بها بعض المحرمات، وأحيانًا تكون يسيرة وأحيانًا تكون كثيرة، فعلى سبيل المثال: كثير من البرامج يوجد بها أصوات موسيقية، أو تكون بعض أجزاء البرامج تؤدي عملا محرمًا. فهل نقول: إن هذه البرامج غير جائزة؟، وأنه يجوز إتلافها على القول بجواز الإتلاف في بعض الصور؟
أولا: أن هذه الأمور يصعب التحرز عنها في هذه الأزمنة، خاصة مع ضعف المسلمين التقني والعلمي، فأكثر من ينتج هذه المنتجات في هذه الأزمنة لا يبالي بهذه الأمور، وهي أمور غير مستنكرة عنده.
وإذا تقرر هذا من كون التحرز من هذه الأمور فيه مشقة وعسر، فالأصل رفع الحرج، والله لم يجعل علينا حرج في الدين.
ثانيًا: أن الحكم يكون للأغلب، وهذه الأمور التي توجد في البرنامج هي أمور يسيرة، ولا التفات إليها إذ الحكم يكون لغالب البرنامج وهو الجانب الحلال من البرنامج.
ثالثًا: أن الشارع تجاوز عن يسير بعض المحرمات، وخاصة إذا صعب اجتنابها، أو كانت غير مقصودة في العقد، كما في جواز يسير الغرر إذا كان يسيرًا تابعًا لغيره غير مقصود في العقد.
الفرع الثالث: إذا قيل بجواز الإتلاف، فهل يحق لأي شخص أن يقوم بذلك؟
العلماء -رحمهم الله- يتكلمون عن هذه المسألة في مسألة حكم تغيير المنكر باليد، وهل لكل أحد أن يغير المنكر بيده؟
أولاً: تغيير المنكر باليد ورد تشريعه في الكتاب والسنة، أما الكتاب فوردت عدة أدلة، منها:
قوله تعالى: عن خليله إبراهيم عليه السلام أنه قال: (وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ) [الأنبياء: 57-58].
وقال تعالى عن موسى عليه السلام أنه قال: (وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا) [طه: 97].
وأما من السنة فأدلة عديدة، منها ما في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري t يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [مسلم (49)].
فهذا الحديث نص في أن الواجب على المسلم أن ينكر المنكر بيده إن استطاع ذلك.
ثانيًا: يفرق العلماء بين المحتسب والمتطوِّع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالمحتسب هو من ولِّي أمر الحسبة من ولي الأمر، فهو يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بسبب أن ولي الأمر عيّنه لذلك، فالأمر بالمعروف واجب عليه، وله صلاحيات ليست للمتطوع من عامة الناس، ومنها: أنه يستطيع تغيير المنكر بيده ما دام أن ولي الأمر ولاه أمور تغيير المنكر، على ألا يتجاوز الحد المحدّد له ويتجاوز صلاحياته إلى صلاحيّات غيره، فعلى سبيل المثال: ليس له أن يتجاوز تغيير المنكر إلى إقامة الحدود أو يعلن الجهاد أو غيرها، مما هو من صلاحيات القاضي أو الإمام.
ثالثًا: إذا تقرر أن المحتسب غير المتطوع من عامة الناس، فهل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر إذا كان من آحاد الناس له أن ينكر المنكر بيده، أم ليس له ذلك؟
اختلف العلماء رحمهم في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: أنه ليس للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر تغيير المنكر بيده، إذا لم يأذن له الإمام بذلك، وهذا القول هو رأي الإمام أبي حنيفة.
القول الثاني: أن للناهي عن المنكر أن يغيّر المنكر بيده إن استطاع ذلك، وهذا القول هو رأي صاحبي أبي حنيفة: أبي يوسف ومحمد بن الحسن ورأي المالكية والشافعية ورأي الإمام أحمد بن حنبل.
وقيّد بعض الحنفية ذلك بما إذا كان حال مباشرة المعصية، وأما بعد الفراغ منها فإن ذلك للإمام.
رابعًا: من الأمور التي يذكرها الفقهاء في مسألة الإنكار:
الأمر الأول: أن تغيير المنكر باليد من غير إذن الإمام عند القائلين به إنما يشرع إذا لم يترتب على تغييره باليد مفسدة أكبر.
ويدل على هذا الأصل أدلة كثيرة، ومن أوضحها دلالة، ما جاء في حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قال لها: «يا عائشة لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه، وألزقته بالأرض» [رواه البخاري (1586)، مسلم (1333)].
ووجه الدلالة من الحديث واضحة حيث دل على أن الأمر المفضول يترك لتحصيل ما هو أفضل منه، وأن المصلحة المرجوحة تترك من أجل المصلحة الراجحة، وأن المصلحة قد تترك لدرء مفسدة أعظم منها.
وإذا تقرر هذا فمتى ما كان التغيير باليد وإتلاف البرامج المحرمة أو غيرها على القول بجواز ذلك يتضمن مفسدة أعظم من مفسدة تلك البرامج، أو أنه يضيع مصلحة راجحة على مصلحة إتلاف تلك البرامج وهو الغالب الآن فالواجب ترك ذلك الإتلاف، ويحرم فعل هذا الأمر الذي يؤدي إلى مفسدة أعظم.
الأمر الثاني: أن تغيير المنكر لا يُجيز للناهي عن المنكر أن يتجسس على أجهزة الناس، وينظر إن كان فيها برامج محرمة ليتلفها، حتى على القول بجواز تغيير المنكر باليد لآحاد الناس.
المسألة الثانية: حكم الإتلاف بالنظر إلى صاحب البرنامج:
من شروط حرمة إتلاف المال: أن يكون صاحب المال معصوم الدم والمال.
والناس إما مسلم وإما كافر، والمسلم قد علمنا حرمة دمه وماله بنص الكتاب والسنة.
وأما الكفار فهم على أربعة أصناف، ذمي، ومعاهد، ومستأمن، وحربي.
إذا تقرر ما سبق فإنه لا يجوز التعرض لأي من برامج المسلم أو الذمي أوالمعاهد أو المستأمن، بخلاف الحربي، فإنه لا ضمان على من أتلف برامجه.
ويلحظ أن غالب بلاد العالم في هذا الوقت هي من الدول المعاهدة التي بينها وبين المسلمين معاهدات لا يجوز الغدر بها، وهذه المعاهدات كما تشمل الحكومات فإنها تشمل أيضًا مواطني تلك الدول، فيحرم الاعتداء عليهم.
المسألة الثالثة: عقوبة متلف البرنامج:
متلف البرنامج إذا أتلفه متعديًا بغير وجه حق، فإنه يعاقب بعقوبتين:
العقوبة الأولى: الضمان، وهل يضمن البرنامج بالمثل أم بالقيمة؟
أولا: لا بد أن نعرف هل البرنامج من المثليات أم من القيميات؟
البرنامج يكون غالبًا من المثليات، وقد يكون في بعض الأحيان من القيميات.
وبيان ذلك أن البرامج غالبًا ما تكون برامج متماثلة موجودة في السوق لا فرق بينها، فمن اشترى إصدارًا معينًا من برنامج ويندز، فإنه لا فرق بينه وبين النسخة الموجودة في السوق.
وأيضًا البرامج لا فرق مؤثر فيها بين المستعمل والجديد، إذ جوهر البرامج هو الجانب المعنوي منه لا الجانب المادي، والجانب المعنوي لا يتأثر بالاستعمال، والذي يتأثر بالاستعمال هو الجانب المادي، وحتى لو قلنا إن هناك فرقًا في الجانب المادي إذا اسْتُعمل استعمالا كثيرًا بطريقة غير معتنى بها، فإن هذا الشيء لا يؤثر في قيمة البرنامج تأثيرًا كبيرا، فلا يؤثر في كون البرنامج مثليًا.
هذا في غالب البرامج خاصة برامج الأفراد أنها برامج مثلية، ولكن في أحيان يكون البرنامج من قبيل القيميات؛ لأنه لا يوجد له مثل في السوق، وذلك مثل البرامج التي تبرمج لغرض معين لجهة معينة، كما لو احتاجت شركة أو وزارة من الوزارات إلى برنامج خاص بها لإنجاز بعض المهام الخاصة، فإن تلك الجهة تطلب من إحدى شركات البرمجة إنتاج برنامج خاص بها، فتقوم الشركة المنتجة ببرمجة هذا البرنامج لهذه الجهة على حسب المواصفات التي تريدها، ثم لا تطرحه في الأسواق؛ لأن الجهة طلبت ذلك، أو أنه لا فائدة من طرحه إذ لا يوجد من يريد مثل هذا البرامج، فهذا النوع من البرامج يعدّ قيميًا لا مثليًا.
إذا عرفنا أن أغلب البرامج مثلية وبعضها قيمي، فإن الحكم على من أتلف برنامجًا مثليًا أنه يجب عليه المثل لا القيمة، وفي تضمينه للقيمة إذا لم يرضَ بها ظلم له؛ لأن القيمة هنا خلاف الأصل، فيُلزَم المتلِف فقط بدفع برنامج عوضًا عن البرنامج المتلف، كما أن دفع القيمة ستكلفه أكثر من دفع المثل، فعلى سبيل المثال: إذا أتلف برنامجًا على مائة جهة، فإن دفع هذا البرنامج لمائة جهة أيسر من دفع القيمة؛ لأنه قد يعقد اتفاقًا مع الشركة المنتجة للبرنامج فتبيعه هذه النسخ بسعر أقل.
وأما البرنامج القيمي فإن المتلِف يلزمه دفع قيمة البرنامج لا دفع مثله؛ إذ إنه لا مثل له في السوق، ولكن لو وجد مثله فإنه لا يلزمه إلا المثل فقط.
وينبغي التنبه في ضمان البرنامج إلى الأمور الآتية:
١. غالبًا ما يحتفظ الناس بنسخ أخرى من برامجهم، فيكون لديهم قرص البرنامج أو يكون لديهم رخصة استخدام للبرنامج، وفي هذه الحال لا يلزم المتلف إلا قيمة إصلاح الأجهزة وإعادة هذه البرامج عليها.
٢. إذا كان البرنامج اُلمتْلَف لا يوجد له رخصة استخدام، واستطاع صاحب البرنامج أن يثبت أنه كان يملك هذا البرنامج لكنه أضاع رخصة الاستخدام وقرص البرنامج، فإنه في هذه الحال يعوَّض بالمثل.
٣. في البرنامج القيمي: لو كانت الشركة التي أنتجت البرنامج تعهدت للجهة التي اشترت البرنامج بإعطائها نسخة من البرنامج عند تلف البرنامج لكن بمبلغ معين، فإن المتلِف يدفع هذه القيمة فقط أي قيمة النسخة الجديدة لا قيمة البرنامج كاملا؛ لأن الجهة المتضررة استطاعت الحصول على برنامجها كما كان، وهذا هو الواجب لها فقط.
٤. لو كان متلف البرنامج مُبَرْمِجًا، وكان يستطيع برمجة برنامج مماثل للبرنامج المتلف في وقت قصير، فإنه يُمَكَّن من ذلك ولا يلزم بدفع قيمة البرنامج.
هذا ما يتعلق بالعقوبة الأولى، وهي الضمان.
وأما العقوبة الثانية فهي: التعزير:
فإذا رأى الحاكم أن الضمان غير كافٍ في حق متلِف البرامج، أو أن متلف البرامج تلكأ في دفع الضمان ولم يدفعه، أو أن المتلف سبّب أضرارًا أخرى غير الإتلاف كإثارة الرعب في قلوب مستخدمي الشبكة العنكبوتية، أو أنه كرّر الاعتداء أكثر من مرة، أو غير ذلك من الأسباب التي يراها الحاكم موجبة لتعزير متلف البرامج، فإنه في هذه الحال يشرع له تعزير متلف البرامج، عقوبة له على ما قام به، وردعًا له عن القيام بهذا الفعل مرة أخرى.
المسألة الرابعة: حكم استيفاء المعتدى عليه حقه بنفسه.
في كثير من الأحيان يكون استيفاء الحق من الجاني عن طريق القضاء من الصعوبة بمكان إن لم يكن متعذرًا، فالاستيفاء يحتاج إلى تقاضٍ، وإثبات أن هذا هو الجاني، وقد يكون في بلد آخر، مما يزيد المسألة تعقيداً، لهذا فإن بعض الناس خاصة المتمرسين منهم يفضل أن يأخذ حقه بنفسه مباشرة: إما أن يحاول استرداد حقه، أو الاستيلاء على بعض الأشياء من المعتدي عليه، أو إتلاف جهازه أو بعض برامج الجاني وذلك من دون الرجوع إلى القضاء.
فهل ما يقوم به هؤلاء الناس يعدّ مشروعًا أم لا؟
من نظائر هذه المسألة: مسألة الظفر بالحق، والقصاص في الأموال.
ولكن هل له أن يخترق برامج الحماية، أو يخربها لكي يستوفي حقه؟ ثم ألا يعدّ إن دخل جهاز المعتدي داخلا إلى ملك غيره من غير إذنه؟
قرر بعض الباحثين أنه لا يعدّ عاصيًا إذا فعل ذلك؛ لأنه إن لم يتمكن من أخذ حقه إلا بها ذه الطريقة فله فعلها، وقد ذكر الشافعية أنه إذا جاز له أخذ الحق فإنه يجوز له أن ينقب الحرز إن لم يصل إليه إلا بالنقب الشامل لكسر الباب؛ لأن من استحق شيئًا استحق الوصول إليه، وذلك بلا ضمان عليه كما في دفع الصائل.
وأما إذا لم يستطع أن يأخذ منه قدر حقه، ثم أتلف من برامج المعتدي ما قدر عليه، فهل يجوز له ذلك؟ وهل يلزمه الضمان أم لا؟
الذي يذكره الفقهاء في مسألة الإتلاف هو: وجوب الضمان، ولم يذكروا جواز الإتلاف، ولعل ذلك لأنهم يرون أن إتلاف مال المعتدي يعد من قبيل العبث وإضاعة المال ولا يوجد منفعة مرجوة من ذلك.
والظاهر من مذهب الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عن الإمام أحمد هو: أنه لا قصاص في الأموال، فلا يتلف الشخص مال من أتلف ماله.
والقول الثاني في المسألة: أن المجني عليه يخيّر بين الضمان والإتلاف، وهذا القول هو رواية عن الإمام أحمد اختارها بعض الأصحاب واختارها ابن تيمية وابن القيم.
وإذا تقرر ما سبق فإنه يجوز لمن اعتدي عليه بإتلاف برامجه أن يتلف برامج المعتدي، إما بالمسح المباشر من جهاز المعتدي، أو بإرسال فيروس إلى جهازه، ولكن يجب عليه أن يراعي ما يلي:
١. أن يكون القصاص بقدر الجناية عليه، فلا يجوز له أن يتعدى ما اعتدي عليه، فلا يتلف أكثر مما أتلف المعتدي.
٢. أن يعلم أن الإتلاف سيكون في جهاز المعتدي؛ لأنه في أحيان كثيرة يكون الاعتداء الإلكتروني قد أتى من أجهزة عامة كأجهزة الجامعات، أو يكون قد أتى من بعض مقاهي الإنترنت، فإذا أرسل الفيروس من دون أن يتأكد أن المرسل عليه هو جهاز الجاني الخاص فإنه في هذه الحال قد يتلف مالاً لبريء.
٣. أن يأمن من انتقال الضرر من جهاز المعتدي إلى جهاز آخر، فلا يجوز له أن يرسل دودة تنتقل عبر الشبكة من جهاز إلى آخر، فلا يتوقف الضرر فيها على الجهاز الذي اعتدى عليه بل تنتقل إلى أجهزة أخرى.