بيع أعضاء الإنسان
المتاجرة بالأعضاء.
الاتجار بالأعضاء البشرية سواء أكان ذلك لإجراء عمليات الزرع لمريض محتاج، أم لغرض البحوث والتجارب العلمية، يعدّ جريمة من الجرائم الطبية المعاصرة التي كثر الحديث عنها، حيث تسبق هذه الجريمة في العادة أو تقارنها جرائم أخرى؛ كالخطف والسطو والتهديد، والترويع واستئصال الأعضاء عدواناً، وربما القتل في أحيان كثيرة، إن كان العضو المطلوب مما تتوقف عليه الحياة، أو عند الرغبة في استئصال أكثر الأعضاء، ولأن الربح الذي تدره مثل هذه الجرائم على أصحابها وصل إلى أرقام قياسية، فإن جرائم استئصال الأعضاء البشرية لغرض الاتجار بها أصبحت من الجرائم المنظمة، فما الإجراء الشرعي المترتب على هذه الجريمة؟
لـمَّا كانت عملية استئصال العضو مع المحافظة عليه والتي تسبق عملية المتاجرة أو تعقبها لا يمكن أن تتم إلا بيد حذاق الجراحين في الغالب، مما يستدعي وجود أطباء مختصين وجراحين مهرة في عصابات الأعضاء فقد أدرجت هذه الجريمة ضمن الجرائم الطبية.
وإذا كان الغرض من عمليات النقل والزرع رعاية المصلحة العلاجية للمريض، وإذا كان الغرض من إجراء التجارب العلمية زيادة الكفاءة لدى أهل الطب والتطوير المستمر في مجالات هذا العلم، فإن هذا يجب أن يتم وفق غايات نبيلة وأخلاق إنسانية، ولا يصح أن تكون تلك الوسائل غايات في أنفسها، ولا ينبغي أن تكون الزراعة والتجربة مطلوبة لذاتها، ولو كان حصولها بشكل يهان فيه الإنسان وتداس فيه كرامته.
وتعريض أعضاء البشر للبيع والشراء وجعلها محلاً للتجارة والتداول كغيرها من السلع فيه ابتذال للإنسان وحط من قدره، وإلحاقه بالبهائم والجمادات مما جعل الفقهاء المعاصرين يطبقون القول بحرمة الاتجار بالأعضاء والأنسجة البشرية، وإن انتفع بزرع العضو محتاج أو حصل التقدم التكنولوجي بالتجربة الطبية بما في ذلك الاتجار بالدم والأجنة المجهضة، وجعلها محلاً للتداول.
ومما يدل على تحريم هذه التجارة:
الدليل الأول: قوله تعالى: «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة.. ورجل باع حراً فأكل ثمنه» [رواه البخاري (2227)]، وما حرم بيع كله حرم بيع بعضه.
الدليل الثاني: أن التجارة عبارة عن مبادلة مال بمال، ولا يمكن اعتبار الآدمي أو شيئ من أعضائه من الأموال.
الدليل الثالث: أن جسد الإنسان ليس ملكاً له على الحقيقة، وإنما هو مؤتمن عليه، والمالك الحقيقي له هو الله، والاتجار يستلزم خيانة الأمانة.
الدليل الرابع: سد باب الذرائع؛ إذ القول بجواز بيع الأعضاء أو مشروعية الاتجار بها يفتح الباب على مفاسد عظيمة، ومخاطر جسيمة.
أما المسؤولية الجنائية المترتبة على جريمة الاتجار بالأعضاء والأنسجة البشرية:
فعلى اعتبار التوسع في حد الحرابة، يمكن تصنيف جريمة الاتجار بالأعضاء البشرية ضمن جريمة الحرابة، وعليه فيجب فيها ما يجب في حد الحرابة.
وعلى القول بتضييق جريمة الحرابة وحصرها في صور معينة، فإن أعلى درجات العقوبة التعزيرية، وهي القتل، يمكن تطبيقها على من يتاجر بأعضاء البشر؛ لخطورة جريمته، ولإقرار تاجر الأعضاء البشرية، وربما إسهامه في جملة من الجرائم الأخرى.
ومع العقوبة البدنية للمجرم، يمكن القول بوجوب مصادرة الدولة للأموال التي تحصَّل عليها المجرمون عن طريق هذه التجارة المحظورة اعتماداً على ما نص عليه الفقهاء من أن من باع محرماً؛ كخمر وخنزير وميتة، فمع العقوبة يأخذ منه السلطان أو نائبه ثمن مبيعه ليصرفه في مصالح المسلمين بالإضافة إلى إتلاف محالها إن كان لها محالٌ معينة.
ونظراً لكون القائمين على هذا النوع من الجرائم في الغالب عصابات منظمة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمؤسسات طبية ومشافٍ صحية ومعامل ومختبرات وكليات طب لتسويق بضاعتها والاستفادة من أجزاء البشر، فإن المساءلة الجنائية يجب ألا تقتصر على الأشخاص الحقيقيين، وإنما يجب أن تتعدى إلى الأشخاص المعنويين الذين يدعمون تلك التجارة، ولا يمكن أن تقوم بغير تعاونهم، بإغلاق تلك المنشآت الطبية التي يثبت ارتباطها في أي مساهمة جنائية في هذا المضمار.
• نوازل الجرائم الطبية (رسالة دكتوراه ـ كلية الشريعة ـ قسم الفقه)، د. أمل الدباسي (497) فما بعدها.
• الموقف الفقهي والأخلاقي من قضية زرع الأعضاء، د. محمد البار (190).
• نقل الأعضاء البشرية بين الأحياء، د. طارق سرور (243).
• استخدام الأجنة في البحث والعلاج، د. حسان حتحوت، بحث مقدم لندوة زرع الأعضاء المشتركة بين مجمع الفقه الإسلامي والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، الكويت (196).
• المسائل الطبية المستجدة في ضوء الشريعة الإسلامية، محمد النتشة (2/ 163).
• الانتفاع بأجزاء الآدمي في الفقه الإسلامي، عصمت الله عناية الله (250).
• نقل وزراعة الأعضاء البشرية بين الحظر والإباحة، د. أسامة عبدالسميع (44).
• حكم نقل الأعضاء البشرية بين الأحياء في الفقه الإسلامي، محمد المغربي (243).