الإقراض والاقتراض من النوافذ الإسلامية في البنوك الربوية
المسألة رقم 194
أن ينشئ البنك الربوي قسما يقدم الخدمات المصرفية الإسلامية، ومن هذه الخدمات أن يقرض العميل أو يقترض منه بدون فوائد أو منافع.
اختلف المعاصرون في حكم القرض والاقتراض من الأقسام الشرعية في البنوك الربوية إذا التزمت الفروع باحكام الشريعة في كافة معاملاتها على ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: الجواز، وهذا اختيار عبد الله بن منيع، وعبد الله المطلق.
واستدلوا بما يلي:
- كان الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقترضون من اليهود، واليهود هم أكلة الربا.
- البنك الربوي يعتبر بمثابة حائز المال الحرام، وحائز المال الحرام يجوز معاملته في غير عين المال الحرام.
- الفروع الإسلامية من وسائل محاربة الربا، فالتعامل معها يشجع على تحقيق هذا المقصد.
- الفروع الإسلامية هي البديل الممكن حاليا في بعض البلدان لصعوبة الحصول على التصاريح اللازمة لإنشاء المصارف الإسلامية الصرفة.
- نجاح الفروع الإسلامية قد يغري المصارف الربوية للتحول الكامل إلى المصارف الإسلامية.
- الفروع الإسلامية خطوة للتدرج في تطبيق النظام المصرفي الإسلامي إلى أن يحين الوقت المناسب لتحول المصرف بالكامل إلى مصرف إسلامي، وهذا يتماشى مع منهج الإسلام في التدرج لتطبيق بعض الأحكام، كالتدرج في تحريم الخمر، وفي فرض الصيام، ونحو ذلك.
- الفروع الإسلامية ستساهم في اكتساب أساليب التقنية المتقدمة والخبرات المتراكمة لدى المصارف الربوية منذ مئات السنين بما يدعم تطور العمل المصرفي الإسلامي، ويزيد من فعاليته.
الاتجاه الثاني: المنع، وبه صدرت فتوى اللجنة الدائمة، وهو اختيار بعض الباحثين.
واستدلوا بما يلي:
- قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة: 278، 279].
وجه الاستدلال: أن الآية الكريمة لم تترك للمسلم الذي يتعامل بالربا حلاً آخر إلا التوبة، أو حرب الله ورسوله، ولا خيار ثالث.
- قال الله تعالى: {وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2].
- وعن جابر رضي الله عنه قال: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاء). [أخرجه مسلم (3/ 1219 رقم 1598)].
وجه الاستدلال من الآية والحديث: أن التعامل مع الفرع التابع للبنك الربوي من التعاون على الإثم والعدوان، لأن محصلة الأموال ترجع إلى المصدر الأساسي الربوي.
- قال الله تعالى: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ العَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[البقرة: 85].
ووجه الاستدلال: أن على المسلم أن يأخذ الدين جملة بكامله، فهو كلٌ لا يتجزأ، فلا يقبل من المسلم المعترف بحرمة التعامل بالربا الاستمرار فيه، وهذا ينطبق على المصارف الربوية، فلا يقبل منها أن تطبق حكم الله في جانب (وهو الفروع الإسلامية)، وتتركه في جانب آخر (وهو الفروع الربوية).
- هذه الفروع تابعة للبنك الربوي في الملك والتمويل، وللتابع حكم المتبوع؛ فإن هذه الفروع ليس لها أي شخصية اعتبارية مستقلة عن المصرف الرئيسي، فالمالك لهما واحد، وتمويل الفرع من البنك الربوي الرئيسي مهما اختلفت صورة التمويل، ويحول إليه فائض السيولة، وصافي الأرباح، وعليه فإن التعامل مع الفرع الإسلامي سيؤدي في نهاية الأمر إلى دعم المصرف الرئيس الذي يتعامل بالربا، ويصر على ذلك.
- تلك الفروع لا تعدو أن تكون واجهة شكلية أرادت بها المصارف الربوية ألا تفوِّت فرصة الفوز بحصة من سوق العمل المصرفي الإسلامي تحت شعار إسلامي.
- التعامل مع هذه الفروع قد يؤدي إلى اختلاط الأموال الحلال بالحرام؛ إذ إن الفصل بينها يتعذر في معظم الأحيان.
- كراهة العلماء للتشارك مع من يباشر العقود ولا يحترز عن الحرام كالذمي، أو أنه لا يهتدي إلى الجائز من العقود، ومن هؤلاء: ابن عباس رضي الله عنهما، ومالك، وأبو يوسف، والشافعي([1]).
الاتجاه الثالث: لا يجوز إلا في حال الضرورة، وهذا اختيار بعض الباحثين.
واستدلوا بما يلي:
- قال الله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 172]، ووجه الدلالة: أن المسلم إذا احتاج لبعض الخدمات المصرفية ولم يجد مصرفاً إسلاميًا يتعامل معه فإنه ينطبق عليه حكم المضطر.
- أن التعامل أصله محرم، لكن عند عدم وجود البديل الشرعي فإن التعامل مع تلك الفروع يكون للضرورة، كإيداع الأموال للحفاظ عليها من الضياع أو السرقة.
- أن عدم التعامل مع الفروع إلا في حال الضرورة سيحث المصارف الربوية إلى التحول السريع الكامل نحو المصارف الإسلامية.
الملاحق:
فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
السؤال: هل هناك أقسام معينة في البنك حلال كما يتردد الآن؟ وكيف ذلك إذا كان صحيحا؟
الجواب: ليس في أقسام البنك الربوي شيء مستثنى فيما يظهر لنا من الشرع المطهر؛ لأن التعاون على الإثم والعدوان حاصل من جميع موظفي البنك([2]).
([1]) المدونة (3/617)، تبيين الحقائق (3/315)، المغني لابن قدامة (5/3)، شرح النووي على مسلم (11/26).
1- النوازل في القرض، صالح بن علي الجوعي، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1432هـ-1433هـ.
2- الفروع الإسلامية التابعة للمصارف الربوية دراسة في ضوء الاقتصاد الإسلامي، د.فهد الشريف، المؤتمر العالمي الثالث للاقتصاد الإسلامي؛ جامعة أم القرى، طبعة تمهيدية.
3- الضوابط الشرعية لفروع المعاملات الإسلامية بالبنوك التقليدية، د. حسين شحاتة، 1421هـ- 2001م.
4- النوافذ الإسلامية للمصارف التقليدية، د. سعيد بن سعد المرطان، طبعة تمهيدية.
5- صناديق الاستثمار دراسة وتحليل من منظور إسلامي، د. أحمد بن حسن الحسني، مؤسسة شباب الجامعة- الاسكندرية، 1999م.
6- فتاوى الهيئة الشرعية للبركة، جمع وترتيب: د. عبد الستار أبو غدة، د. عز الدين خوجة، الطبعة الثانية 1423هـ- 2003م.
7- الفتاوى الشرعية في المسائل الاقتصادية، بيت التمويل الكويتي، بدون ناشر، بدون رقم طبعة.
8- فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
9- مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله، عبد العزيز بن عبد الله بن باز، أشرف على جمعه وطبعه: محمد بن سعد الشويعر.